شعار قسم مدونات

كم تصرفون على ألعاب أطفالكم؟

blogs الألعاب

كانت حيرتي وأنا واقفة أمام صندوقين متروسين بالألعاب جِديّة… لم أكن أمزح مع نفسي وأنا أفكر وأحلل كيفية إدخال الصناديق في الخزانة… وخطتي: إخفاء الصناديق وإخراج كل واحد على حدة كل أسبوع أو أسبوعين، والهدف أن تنسى بناتي الألعاب التي لديهن ليلتهين بها عندما أخرجها فجأة… وكأنها جديدة.

 

حسنا تلك إحدى الحيل التي تنجح كثيرا مع بناتي، لكنها لم تعد تفعل الفعل ذاته مع "ميرة" طفلتي الكبرى غالبا، لأنها صارت تعرفها وتعرف أماكن الأشياء وتضع كرسيا لتحاول إخراجها بنفسها بل وتطلب بعضها. حسنا لا بأس فهذا يشغلها باللعب فلن أبتئس.

 

لكن كمية الألعاب في البيت أصبحت مملة، وتفكيري في أن ابنتيّ الصغريين ستلعان بها لاحقا عندما تتدرج كل منهما في العمر يبدو سخيفا، قالت لي صيقتي بحزم "كُبيها… أو وزعيها على أشخاص آخرين أو حتى صديقات أعمار أبنائهن مختلفة عن بناتك!"… بالتأكيد الفكرة طيبة ورقيقة وتدخل في سياق العطاء والتكافل الاجتماعي وما إلى ذلك من التسميات، لكنها متعبة خاصة عندما أقف حائرة أي الألعاب أتخلص منها.

 

بدأت بالآونة الأخيرة أفكر جديا في التخلص من شراء الألعاب أصلا وإيجاد بدائل لعب إبداعية مثيرة للتفكير ومحفزة للمهارات المختلفة عند الطفل، بعضها يشبه ما كنت ألعب به في طفولتي

ولا يذهب فكركم إلى أنني من أولئك الأهل الذين يمتلكون عشرات الألعاب ويصرفون كل مالهم لشرائها، بل أنا على النقيض تماما، فمنذ أن رزقني الله بطفلتي الأولى اقتنعت أن الألعاب لها هدف معين، إما تعليمي أو ترفيهي يحفز الخيال والمهارات اليدوية والفكرية، وقد حاولت أن تكون ألعاب البنات هكذا، وحاولت ألّا أشتري الجديد إلا في فترات متباعدة وبأسعار واقعية.

 

لكن الأميركان -هنا- مهووسون بشراء الألعاب لأطفالهم كهوسهم بالشراء والاستهلاك عموما، فهم يصرفون قرابة 6500 دولار في حياة كل طفل وذلك وفق دراسة حديثة صدرت في عام 2016 عن منظمة صناعة الألعاب، وقد شبّهتْ الدراسة الوقت الذي يلعبه الطفل باللعبة التي يشتريها الأهل له بنفس الوقت الذي يلعب فيه بالصندوق الذي غُلفت فيه… يعني قرابة دقائق فقط يرميها بعدها وأحيانا ينساها تماما.

 

أما في العالم العربي فلم أجد أثناء بحثي أية أرقام أو أشياء تتحدث عن شراء الألعاب أو عن مستوى صرف الآباء على ألعاب أطفالهم، اللهم إلا ما وجدته من إعلانات عن شراء ألعاب عبر الإنترنت ونصائح في كيفية اختيار الألعاب المناسبة للطفل، لكن الحقيقة تقول إنهم يشترون الكثير وكل وفق أحواله المادية حتى لو اضطر لشراء الألعاب الصينية الرخيصة التي تتلف بمجرد أن يمسكها الطفل، لأن الاعتقاد راسخ لديهم كما لدى الأهل في الغرب بأن الألعاب أفضل وسيلة لشغل الطفل والترفيه عنه.

 

ولو كان بيد كل أبوين يودان غمر أطفالهما بالحبّ أن يشتريا كل أنواع الألعاب التي تنتج في الدنيا ومن أحسن الماركات المعروفة في العالم لما قصروا ولاشتروا كل ما يستطيعونه وما تطاله أيديهم كل يوم، معتقدين بذلك أنهم يعبرون لأطفالهم عن حبهم وحنانهم، وأنهم يزيدون من إمكانية ترفيه الطفل وحتى تعلّمه. ويضاف طبعا إلى ذلك صرفهم على الهواتف والآيبادات والأجهزة الذكية التي صارت بأيدي الأطفال بشكل دائم ومزعج، وإن كان ذلك موضوع منفصل قليلا.

 

لكن الحقيقة يقولها لنا أطفالنا كل يوم تقريبا وكلما أخذناهم "بالخطأ" معنا للتسوق: مللنا مما لدينا ونريد المزيد.

 

بناتي لا يلعبن بألعابهن!

لم أكن في حاجة إلى أن أكون خبيرة تربوية كي أكتشف أن ميرة تمل من الألعاب بعد مرور لحظات على اقتنائها، لدرجة أنها أحيانا وإذا أخذتها وأختها معي إلى قسم الألعاب و"التصقتا" بألعاب معينة فإنهما تتركانها في اللحظة التي يرين فيها شيئا آخر يجذبهما، ولا أخفيكم بأنني أسحب اللعبة بخفية وهما منشغلتان وأبعدها عن سلة الشراء في مشهد تمثيلي بطيء مثير للضحك والسخرية.

 

وحتى لو تذكرتا اللعبة عندما نصل إلى "الكاش" فسرعان ما أحاول إلهاءهما بشيء آخر اشتريته كالقصص (التي لا أتوقف عن شرائها) أو دفتر التلوين أو الصور اللاصقة أو غير ذلك، لعلمي التام أنهما ستلعبان باللعبة يوما وربما أقل ثم ترميانها جانبا وكأنها لم تكن.

 

وصدقوني فقد بدأت في الآونة الأخيرة أفكر جديا بالتخلص من شراء الألعاب أصلا وإيجاد بدائل لعب إبداعية مثيرة للتفكير ومحفزة للمهارات المختلفة عند الطفل، بعضها يشبه ما كنت ألعب به في طفولتي والتي كانت من صنع يدي كالألعاب الصوفية وبيوت الكرتون وغيرها من الأفكار المصنوعة في البيت ومن مواد يمكن أن تكون بسيطة جدا ومتوفرة بسهولة، إضافة طبعا إلى أنك لن تبتئس كثيرا إذا أتلفوها وملوا منها فيما بعد.

 

ولحسن الحظ أنه في الآونة الأخيرة صار هناك العديد من الأشخاص والمواقع والحسابات التي تهتم بهذا الموضوع وتجعل من صناعة المرح واللعب والاستمتاع صناعة منزلية أمهاتية أبوية بامتياز، وتعطيك أفكارا لا تنتهي من الألعاب البيتية المواد والمُدهشة الأثر.

 

أظن بأن بيوتنا بالفعل لم تعد تحتمل الألعاب أكثر، وأن أطفالنا لن يتذكروا الألعاب التي أهديت لهم بل سيتذكرون من رافقهم للعب في الحديقة، أو قضى يوما كاملا معهم متحدثا ومستمتعا
أظن بأن بيوتنا بالفعل لم تعد تحتمل الألعاب أكثر، وأن أطفالنا لن يتذكروا الألعاب التي أهديت لهم بل سيتذكرون من رافقهم للعب في الحديقة، أو قضى يوما كاملا معهم متحدثا ومستمتعا
 

وفكرة التخلص من الألعاب أو التخفيف من شرائها ليست جديدة، فقد قرأت العديد من المقالات باللغة الإنجليزية تدعو إلى عدم شراء الألعاب لأنها بالفعل غير ذات فائدة كبيرة إلا تلك التي تعتمد على التفكير وتنمية الذكاء كألعاب التركيب والتحليل والألعاب المعتمدة على تحريك الجسد كنط الحبل والكرات والألعاب الرياضية وبعض الألعاب الورقية التي تعلم العدّ وحفظ الأشكال والكلمات وغيرها.

 

كما أن التوقف عن شراء الألعاب الجاهزة قضية تقف جنبا إلى جنب مع حقيقة أن الآباء لا يقضون وقتا حقيقيا مع أطفالهم بسبب انشغالهم في العمل والحياة، تاركين الألعاب تقوم بالواجب بشكل خاطئ، ناهيك عن كون الألعاب التي يتم اقتناؤها تتحكم فيها شركات عالمية كديزني وغيرها، وتعتمد على الشخصيات التي تقوم بإنتاج أفلام ومسلسلات حولها ثم تصنعها كلعب وتبيعها بالملايين. فالهدف في النهاية ربحي ولا يهم كيف تبدو الشخصيات وماذا تمثل؛ سواء أميرات ديزني خارقات الجمال اللاتي يهدفن في نهاية القصة الزواج من الأمير الوسيم، أو الأبطال الخارقون الذين يحملون السلاح والدبابات ويبدون مرعبين ومثيرين للعنف في نفسية الطفل البريء ويريدون تدمير العالم.

 

أظن بأن بيوتنا بالفعل لم تعد تحتمل الألعاب أكثر، وأن أطفالنا لن يتذكروا الألعاب التي أهدتها لهم العمة فلانة والخال علان -كما تقول الكاتبة ميريديث إثنجتون في مقالتها "لا تشتروا لأطفالي ألعابا أخرى…"-بل سيتذكرون من رافقهم للعب في الحديقة، أو قضى يوما كاملا معهم متحدثا ومستمتعا، كما أنهم لن ينسوا أبدا من اشترى لهم كتابا ممتعا ظل معهم أطول فترة في طفولتهم وألهمهم في حياتهم عندما أصبحوا كبارا. فهل ستفكر بعد هذا في تغيير نمطك في شراء الألعاب لأطفالك يوما ما؟ 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.