شعار قسم مدونات

القرآن.. ليس بكتاب علمي وليس بريطاني الجنسية

مدونات - القرآن الكريم قرآن كتاب الله قرآن

واحدة من الأشياءِ المُنتشرة في المجتمعِ الإسلاميِّ كثيرا هي تلكَ الرَّغبةُ الحثيثةُ لدى الكَثيرين في إظهارِ الدِّين الإسلاميّ على أنّه شاملٌ وكاملٌ ومستبقٌ للأحداث. ويظنُّ من يفعلُ ذلك أنَّه يُساعدُ على نشرِ الإسلامِ والتبشيرِ به، ولكنه -دون علمه في الحقيقة- يسيء إلى هذا الدين. 

 

ففي الإنترنت مثلا تَرى يوميّا عشراتِ المقالاتِ الصَّغيرة عن معلومات عِلميِة اكتشفها العلماء حديثاً وكيفَ كانَ القرآنُ سبّاقاً لها، وكيفَ كانَ ذاكرا لتفاصِيلها في آية من هنا أو آية من هناك، وللأمانةِ وبمنظوري الشخصي؛ فإنّ ظهورَ هذه الظَّاهرة بين الحينِ والآخر ليس بأمر غريب، هناكَ دائما من يريدُ الدِّفاعَ -بأيَّةِ وسيلة كانتْ- عمّا يؤمنُ به وعمّا يحبّه، حتّى لو كانَ هذا الدِّفاعُ مسيئا أكثر ممّا هو مفيد.

 

ولكنَّ الأسوَأ هنَا، هم أولئك الأئمة، وأصحابُ النّفوذ الدينيّ الذين أرادُوا شعبيّة أكبر فأكبر، فاستغلوا ضعف صوت رجالِ العلمِ أو صمتهم، واستغلّوا انصياعَ المسلمين لهؤلاءِ الأئمةِ ولكل ما يقولونه، واستغلوا أنّ شعبيتَهم تسمحُ لهم بالكذبِ والتكذيبِ على أهوائهم، فمن هو ذاكَ المجنونُ الذي سيعارضُ رجالَ الدِّين، ومتابعوهم أكثر من عشرة ملايين على وسائلِ التّواصلِ الاجتماعي؟ 

 

الدين عظيم عندما تَحميه من هرائك وخزعبلاتك. حتى رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، لم يتدخل في أمور العلم واعترف أنّه مخطئ عندما نصح بأمر لا يجيده كثيرا، وكان واضحا في فصل العلم عن الدين

يَبدأُ بعضُ رجالِ الدّين من ذَوي النّفوذِ باستخدامِ معلومات مُغالطة، فكلُّنا نتذكُّر ذاك الإمامَ الذي خرجَ علينا وقالَ إنّ هناك دراسةً بريطانيّةً نُشرتْ من باحثٍ لم يعد يَذكرُ اسمَه، والذي بدوره أثبتَ أنَّ هناكَ غدَّةً لم يعدْ يذكرُ اسمَها أيضاً تُوجدُ لدى النِّساءِ دون الرجالِ، والتي تتثبطُ أو تتفعّل -لم أعدْ نفسي أتذكّر- وهذا التّحفيزُ أو التثبيطُ خطيرٌ على صحّةِ المرأةِ ويحدثُ هذا الأمرُ فقط عندَ قيادةِ المرأةِ للسيّارة، طبعا اعتمدَ أخونا هنَا على آيات قرآنيّة يفسِّرُها ويدعمُها بأبحاث لم توجد إطلاقا ولن توجدَ أبدا.  

 

وآخر ذَكَرَ أنَّ هناكَ أمواجا كهرمغناطيسيّة تمرُّ وتتجُه كلّها نحوَ الكعبِةِ الشَّريفةِ، وأنّ لهذه الأمواجَ قدرةٌ لإبقاءِ الأرضِ على توازنِها، وهذا شيءٌ علميٌّ مثبتٌ بدراسةٍ بريطانيّةٍ أُخرى ما زلتُ أبحثُ عن كاتبِ البحثِ هذا، وعن جامعتِه وعنوانه ورؤيةِ تجاربِه وتفاصِيلها وجواز سفره البريطاني أيضاً. ثم يأتي آخر ليكشفَ لنا أنَّ بولَ البعيرِ هو أشدُّ الأمورُ فتكاً بمرضِ السّرطان، يا حبيبي رصاصةٌ واحدةٌ من بندقيّةٍ كافيةٌ لتقتلَ ملايينَ الخلايا السّرطانيّة، فهل هذا يعني أنَّ الرصاصةَ علاجٌ للسرطان؟ 

 

كلها أمورٌ أرادَ من خلالِها هؤلاء الرِّجالُ استخدامَها لإظهارِ كم هو الدِّينُ الإسلاميُّ عظيم، وكيفَ كانَ القرآنُ ذاكراً لكلِّ هذه الأمورِ التي لا يتحمّلها عقلٌ ولا منطقٌ، يا أخي الدّينُ عظيمٌ عندما تَحميه من هرائك وخزعبلاتك. حتّى رسولُ الله محمد عليه الصلاة والسّلام، لم يتدخلْ في أمورِ العلمِ واعترفَ أنّه مخطئ عندمَا نصحَ بأمر لا يجيده كثيرا، وكانَ واضحا في فصلِ العلمِ عن الدّينِ. كيف؟ إليكم هذه القصّةَ عن النبيّ محمد صلّى الله عليه وسلّم:

 

كانَ رسولُ الله (ص) مارا بحي من أحياءِ المدينةِ فسمعَ أزيزا استغربَه

فقال: ما هذا؟

فقالوا: "النّخل يؤبرونه" أي يلقّحونه

فقال وهو الذي لم تكن لديه خبرة بالزراعة: "لَعَلَّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْرًا" فأمْسَكُوا عن التلقيح، فجاءَ النّخل شيصاً، أي لمْ يثمرْ، فلمّا ارتدُّوا إليه يسألونَه، فقالَ قولتَه المشهورةَ: "أنتم أعلم بأمور دنياكم".

 

هل تعلم أنّ ارتفاع نسبةِ الإلحاد المنتشرة مؤخرا يعود إلى اكتشاف كذبِك وخزعبلاتك؟ اليوم نحنُ في العام ٢٠١٨ لا يمكنُ لأحدٍ أن يقولَ معلومة علميّة دونَ مصدرٍ موثوق، فتعلّم وتبيّن
هل تعلم أنّ ارتفاع نسبةِ الإلحاد المنتشرة مؤخرا يعود إلى اكتشاف كذبِك وخزعبلاتك؟ اليوم نحنُ في العام ٢٠١٨ لا يمكنُ لأحدٍ أن يقولَ معلومة علميّة دونَ مصدرٍ موثوق، فتعلّم وتبيّن
 

وقد رُويَ هذا الحديث وكان من جملة رواته عائشة وأنس بن مالك بصيغٍ أخرى منها: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيِي فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ". رسولُ الله نفسه لم يخلط بينَ الأمورِ بينما أنتَ يا من تكبّر وتعظّم، تريدُ أن تجعلَ من القرآن كتابا علميا؟ 

 

قف على الناصية وقرر، إمّا أن تدعوَ النّاسَ إلى العملِ بجهد دونَ كلل والبحث عن العلمِ الحقيقيّ ودعمه والتبرّع له وإمّا أن تكفَّ ولا تمسَّ العلمَ الذي نعملُ ليلاً نهارا للارتقاء به نحوَ مستقبل أعظمَ. هل تعلم عزيزي رجل الدّين المُتكبر، أنّ عددَ أحرفَ القرآن ٣٢٠ ألف حرفاً، بينما عدد المناشيرِ العلمية الموجود على محرك البحث العلمي الشهيرِ "Pubmed" هو ٢٧ مليون بحثاً؟ يعني لو كانَ لكلِّ حرفٍ معلومةٌ علميةٌ فهذا لم يغطِّ ولن يغطّيَ جميعَ المناشير البحثية الموجودة في يومنا هذا.

 

هل تعلم يا سيدي أنّ ارتفاعَ نسبةِ الإلحادِ المنتشرةِ مؤخرا يعودُ -فيما يعودُ- إلى اكتشافِ كذبِك وخزعبلاتك؟ اليوم نحنُ في العام ٢٠١٨ لا يمكنُ لأحدٍ أن يقولَ معلومةً علميّةً دونَ مصدر موثوق، فتعلّم وتبيّن يا رعاك الله. القرآن أعظمُ من أن تدنّسه برغباتِك وصفحاتِك على الفيسبوك لتكتسبَ الشهرة. والعلمُ أقدسُ من مهاتَرَاتِك التي تفتقدُ المصدر، وعلى المجتمع والحكومات المسلمة أن تفعلَ المستحيلَ للجمِ أفواه هؤلاء بما فيه خيرٌ للدين والعلمِ سويا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.