شعار قسم مدونات

أحلام فترة النقاهة!

blogs هاينكس

"حلمت أنني أعود إلى الواجهة من جديد، أنسف قرار اعتزالي وأرفق به عبارة مع إيقاف التنفيذ، أدرب بايرن ميونخ مرة أخرى، وأضع الفريق على منصات التتويج، مع ثلاثية جديدة وإنجاز فريد من نوعه، وبعد ذلك لا مانع من الاستمتاع بما تبقى من وقت مع زوجتي وابنتي، بعيدا عن صخب الملاعب ومتطلبات الكرة الحديثة"، لم تكن هذه العبارة ضمن أحلام فترة النقاهة لنجيب محفوظ في كتابه الأخير، بل هي أفضل مقدمة ممكنة عند الحديث عن يوب هاينكس، ثعلب بافاريا العجوز ومعشوق جمهور الأليانز أرينا.

 

بالعودة إلى الأيام الأخيرة قبل عودة يوب إلى بيته، تحدث الصحافي رافائيل هونغستين عن حالة الشك الكبيرة تجاه كارلو أنشيلوتي، من جانب لاعبي بايرن والإدارة بالكامل. شهدت تدريبات الفريق حالة من البرود الغريب، جري وركض أشبه بتمرينات الصباح، أمور تكررت كثيرا في فترات زمنية متباعة، لكن ما زاد الطين بلة؛ عجز كارلو عن إيجاد حلول فورية للمعضلات التكتيكية، لدرجة أن اللاعبين شعروا بالدهشة فيما بعد.

 

 أضاف يوب للبايرن الكثير خلال الفترة الأخيرة، ونجح فيما فشل فيه كارلو على مستوى تطوير أداء بعض اللاعبين، وخلق نظاما يسمح له بتطبيق أكثر من خطة داخل الملعب

اقتنع المدراء في بافاريا أن الإيطالي هو أنسب شخص في مرحلة ما بعد غوارديولا، خصوصا مع قدرته على جعل الأجواء هادئة داخل وخارج الملعب، مما يعطي الفريق أريحية أكبر في اللعب بحرية دون ضغوطات أو تكليفات مضاعفة، مع تمتع النجوم بخبرات طويلة، تساعدهم على مواجهة أعتى الظروف المعاكسة، لكن النتائج جاءت عكسية هذه المرة، هناك وقت ما في الموسم مع تأزم النتائج، تتضاعف الحاجة إلى عقل تكتيكي يكشف المشكلة ويقدم الحلول مباشرة للاعبيه، وهذا ما أجبر الألمان على الإطاحة بأنشيلوتي سريعا، وإعادة هاينكس من عزلته لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

 

فلسفة هاينكس هي نفس فلسفة بايرن ميونخ، الفوز ولا شيء غير ذلك، من الصعب وصفه بالمدرب الهجومي على طول الخط، ومجحف أيضا إذا اقترن أسلوبه بالدفاع، هو خليط بين كل مسار ممكن، ويعتمد أكثر على مفردات الكرة الألمانية، المرتبطة بالضغط القوي والتحولات السريعة، مع التوازن بين الدفاع والهجوم بالكرة ومن دونها، أي أن الفريق يلعب بضغط مرتفع لكن مع دفاع آمن، وهذا بالطبع يحتاج إلى لياقة حديدية، مع ثنائي ارتكاز على أعلى مستوى بدني، بالإضافة إلى أطراف تجيد التحول من الجناح إلى الوسط أثناء الضغط، ومهاجم لا يتوقف عن الحركة، إنها الخلطة التي أوصلته إلى القمة في 2013، وأعادت بايرن إلى الواجهة من جديد في 2018.

 

لا يجاوب التكتيك على كل الأسئلة، لذلك جملة هاينكس أفضل خططيا من أنشيلوتي تبدو منقوصة في شقها العملي، فالمدرب الحالي يحبه اللاعبون ويثقون فيه بشدة، مع التفات المدرج خلفه ودعمه من جانب الصحافة الألمانية على طول الخط، لكن مع هذه الحقيقة المجردة، فإن يوب أضاف للبايرن الكثير خلال الفترة الأخيرة، ونجح فيما فشل فيه كارلو على مستوى تطوير أداء بعض اللاعبين، وخلق نظاما يسمح له بتطبيق أكثر من خطة داخل الملعب، بالإضافة لقراءة المباريات بصورة مفصلة، وإجراء التغييرات التي تسمح لفريقه بالعودة في النتيجة بين الشوطين.

 

يعتمد الثعلب على خطة لعب 4-2-3-1 في الأساس، مع ثنائي محوري بالارتكاز أقرب إلى "البوكس"، في قطع الملعب ذهابا وإيابا خلف صانع اللعب الصريح في المركز 10، بين الجناحين على الخط وبالقرب من المهاجم المتقدم بالثلث الأخير. ومع كبر سن أجنحة بايرن، وعدم قدرة الثنائي ريبري وروبين على الضغط طوال التسعين دقيقة كما كان يحدث سابقا، استسلم المدرب للواقع وأحكام الزمن، ليترك هذه المهمة إلى المهاجمين ولاعبي الوسط، مع ترك الكرة للخصوم في بعض الفترات، واللجوء إلى حل المرتدات عند قطع الكرة في نصف ملعبه، بنقل الهجمة إلى النصف الآخر بأقل عدد من التمريرات.

 

من أجل ذلك، بدأ هاينكس في تطوير أداء بعض لاعبيه للمهمة الجديدة، فالبايرن يضم كلا من توليسو، رودي، فيدال في منطقة الوسط، كل هؤلاء يمتازون بالصبغة المباشرة في القطع والانطلاق في القنوات الشاغرة، لتزيد الحاجة إلى خافي مارتينيز، الباسكي القادر على لعب دور الارتكاز الدفاعي الكلاسيكي. يقول المدير الفني عن لاعبه: "عليك أن تضع الكثير من عمل السيقان في خط الوسط مقارنة بقلب الدفاع، وهو يفعل ذلك ببراعة، وبما أنه يلعب في خط الوسط، قمنا بتحسين استقرارنا ونوعية عملنا الدفاعي، لأنه منع الخط الخلفي من استقبال هجمات عديدة بكسرها مبكرا".

 

رغم الانتصارات الأخيرة، إلا أن بايرن لا زال يعاني، نتيجة وجود بعض الفراغات خلف أظهرته المتقدمة، وصعوبة التغطية الشاملة من جانب لاعبي الارتكاز، لعدم قدرة الأجنحة على الارتداد السريع
رغم الانتصارات الأخيرة، إلا أن بايرن لا زال يعاني، نتيجة وجود بعض الفراغات خلف أظهرته المتقدمة، وصعوبة التغطية الشاملة من جانب لاعبي الارتكاز، لعدم قدرة الأجنحة على الارتداد السريع
 

لاعب الارتكاز مهم جدا في خطط هاينكس، كذلك الجناح السريع على الخط، وتبقى الحالة البدنية لريبري وروبين على المحك دائما، ليأتي الدور على الفرنسي الشاب كومان، الذي تطور بوضوح تحت قيادة العائد إلى التدريب، فيما يتعلق باتخاذ القرارات السريعة هجوميا، والعودة لمساندة الظهير دفاعيا من دون الكرة.

 

يترك بايرن الكرة لمنافسيه في بعض الأحيان مثل مباراة ليفركوزن، ويمتص الضغط الذي ينتهجه البعض كهوفينهايم، بالجمع بين خطتي 4-2-3-1 و 4-3-3، وفتح الملعب عرضيا بالأطراف مع قيام لاعبي الارتكاز بالتغطية يمينا ويسارا، لكن أمام الفرق التي تدافع من الخلف وتغلق الفراغات قدر الإمكان، أصبح لزاما على العملاق البافاري البحث عن خيارات جديدة، وهذا ما شاهدناه في الشراكة الناجحة بين مولر وخاميس رودريغز، أمام منطقة الوسط وخلف ليفاندوفيسكي بالهجوم.

 

يتحرك ليفا في الأمام، يسحب مدافعي المنافس للخلف ويخلق فراغا واضحا في المنطقة 14 بالملعب، على مشارف منطقة الجزاء تقريبا، هنا يعود خاميس خطوات للخلف، ليصبح صانع لعب متأخر بجوار لاعب الارتكاز، ويوزع تمريراته القطرية والبينية إلى الجناحين، بالإضافة لفتح الطريق أمام زميله مولر للحصول على أفضل مساحة ممكنة بالعمق، ليتحول رسم 4-1-4-1 إلى 4-4-2، ويستعيد توماس حاسته التهديفية بعد فترة طويلة من الغياب رفقة أنشيلوتي.

 

ورغم هذه الانتصارات الأخيرة، إلا أن بايرن لا زال يعاني بعض الشيء، نتيجة وجود بعض الفراغات خلف أظهرته المتقدمة، وصعوبة التغطية الشاملة من جانب لاعبي الارتكاز، لعدم قدرة الأجنحة على الارتداد السريع "مباريات روبين-ريبري بالتحديد"، لتظل هذه المشكلة هي الشغل الشاغل لهاينكس في الوقت الحالي، مع اقتراب عودة الشامبيونزليغ من جديد، وحاجة الفريق إلى إثبات نفسه أمام كبار القارة العجوز، نظرا لعدم وجود منافس حقيقي في البوندسليغا كما جرت العادة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.