متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهم احراراً؟ وهل يولد الناس وفي نفوسهم توجه للحرية؟ هل تولد العبودية والرغبة في الخضوع الدائم مع الإنسان؟ هل الحياة توجه الفرد نحو الهرب من الحرية؟ وهل الحرية قادرة على أن تُخيف الإنسان بهذا الشكل؟ هل نقدر على تحمل عبئ الحرية؟ أم نبقى ننعم في قيود العبودية التي تنقذنا من أن نكون إنسان بالقدر الصحيح للطبيعة الإنسانية فينا؟
في العصر التي باتت فيه حركات التحرر والثورية تطغى على صفات الواقع المحيط بنا، من ثورات على مستوى البلدان والحكومات إلى الانقلابات في الطبيعة الفنية والأدبية، مروراً بحركات التنوير والمذاهب العقلانية والمدارس الفلسفية الفكرية الحديثة التي تخالف المعهود، وتبني الأفكار الجديدة بدافع محاربة الأفكار القديمة ليس إلا. ما نزال نواجه في عمق الأفكار الإنسانية دوافع العبودية قد تطغى على مقدرة الفرد على أن يفكر بقدرته الإنسانية بأن يكون حراً، بدايةً وأساساً على مستوى الأفكار والروح.
بالرغم من تقدم المستوى المعرفي في المجتمعات بالمقارنة بالمعرفة في كل المجتمعات التي مرت عبر التاريخ – حيث يتميز العصر الحالي بالمعرفة التي كانت أساساً سبيلاً ليقدر الإنسان على التفكير بطريق منار أمامه يُمكّنه من الاختيار بمقدراته العقلية، والعلمية والفكرية – لكن يأبى العديدين إلا أن يستمروا تحت سلطة الطبيعة العبودية في النفس البشرية.. من عبودية فكرية، إلى عبودية جسدية، إلى عبودية في التصرفات والأفعال. ماضين بوعي أو بلا وعي في الاستمتاع بتجنب المحاولة في التفكير والاختيار، في حين أن دوافع العبودية تمنح الفرد المقدرة من عدم تحمل المسؤولية، والتنفيذ لا التفكير فيما يقوم به، عندها يتحول الإنسان إلى شبه إنسان. يحيط بنا من كل الجهات أناس لديهم مقدرة عالية على أن لا يكونوا إلا أتباع أو بمفردات أقسى، عبيد.
الدافع الرئيسي الذي أدى إلى استمرار الحياة البشرية، وتبقى رغبة الإنسان الحر أن يقدر أن يمتلك حريته بالثمن الذي تقدره ظروفه، ليكون إنسان بالمعنى الصحيح والكامل للكلمة. |
العبودية لا تعني أن حق الملكية متوفر لدى المُستعبِد، بل قد يسعى الفرد بحثاً عن وسيلة ما ليبدأ عبوديته، وقد لا تتعلق العبودية بأفراد لهم الملكية، بل قد تكون عبودية على مستويات مختلفة، منها عبودية المجتمع وأراءه، وعبودية العادات والأيمان بحقيقتها المطلقة. بالإضافة إلى العبودية السلطوية، بأن للحاكم الحق وكل الحق فيما يفعله أياً كان، والعبودية للمال ولصاحب المال، ساعياً الفرد إلى إثبات تبعيته العظمى، مبرراً الضرورة والظروف التي تدفعه. وحتى نرى ذلك النوع من العبودية التي لا منطق لها، كالعبودية التي نراها بأن يفرضها الشخص على نفسه، باحثاً فيما حوله عن هدف وفكرة ما بطريقة جنونية، مما يضعه في حالة الرهينة والعبودية للهدف أو الفكرة بشكل مطلق، الأمر الذي يُبعده أيضاً عن طبعه الإنساني.
أو تلك العبودية التي تضعها بعض الأفكار المجتمعية في قضايا الزوج والزواج، وضرورة تموضع المرأة في كنف زوجها فقط بمتجاهلة وجودها الحقيقي بحيث لا يظهر لها أي تواجد فاعل في الحياة إذا ما طرق الزوج باب حياتها، وعليه تصبح المرأة تابع لا إنسان. وعبودية الأوهام والاستمرار باختلاق الوهم والمخاوف التي تؤدي بالفرد إلى نوع من تتبع خوفه، وفيه يكون للوهم سلطة كبرى. وعبودية مذاهب فكرية معينة، وأحزاب معينة، مما يلغي طبيعة الفكر والتفكير لدى الإنسان، ويكون فيه الفرد في دور المتلقي فقط والمنفذ لا المفكر، فهي أيضاً نوعاً من العبودية، وعليه تماثل هذه العبودية سطلة المُستعبِد، لكن يبقى هذا المُستعبِد ذاتي في العديد من الحالات.
إذاً، العصافير التي تولد في الأقفاص بالفعل تعتقد أن الحرية حرام، على أسس أن الطبيعة بالفعل لدى البعض تتوجه نحو أي هدف عبودي لتسير فيه متخلية عن حريتها ومقدراتها بأن تكون كاملة بدون نقص. ولكن، ما دافع الإنسان للبحث عن العبودية؟ ينعم الفرد الذي يعيش في براثن العبودية بالقدرة على ألا يتحمل طبيعة ذاته وأفكاره، بالقدرة على التهرب من مسؤولياته في الاختياري. أي بفقدانه أهم ما يميز الإنسان – القدرة على الاختياري – ولكن كم هي صعبة هذه المقدرة وهذه الفكرة في الحياة، فالاختيار بشكل يومي بأن تفكر، بأن تبحث، وأن تعمل ساعياً في أن تصل لما هو أفضل.. في القدرة على التصويت بالشكل الصحيح، ولمن يستحق.. بالمقدرة على أن تنقد فكرة، وفي القدرة على أن تقف في وجه عادة خاطئة.
وتلك المقدرة على ألا تحتاج بشكل مستمر لآراء المجتمع لتستمر في حياتك بالشكل الصحيح.. وتلك المقدرة على أن تعيش في العديد من الأهداف وتقدر على اختيارها بشكل مستمر، وعلى أساس طبيعتك الإنسانية، وأن تفكر وتقرر وتتحمل مسؤولية اختياراتك بثقة واطمئنان مهما يكن قراراك، وبأن تكون لك خطة تسعى فيها بشكل مستمر. إنه لكم مجهد ومستمر من البذل يوميا ً في الحياة الحرة، بينما توفر العبودية ألا تبذل أي طاقة تذكر سوى أن تتبع ما يُطلب منك (في أفضل حال من حالات التنفيذ في العبودية)، ومن ثم العيش في طبيعة الضحية المستمرة للوقائع والظروف المحيطة، من مجتمع وجغرافيا وتاريخ معين. بالتالي قدرة عالية على اللوم المستمر، إذاً تستطيع العبودية أن توفر للإنسان ما يمكنه بشكل مستمر من رمي الظروف والمُستعبِد بكل الاتهامات التي أدت به إلى السير في هذا الطريق والاضطرار إليه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.