شعار قسم مدونات

عندما وصلت أحلامي إلى سن اليأس قبل النضوج!

مدونات - الوصول للقمة

سئمت من أحلامي التي تعثّرتُ كثيراً للوصول إليها، لطالما عجزت عن رؤية بصيص أمل وأنا طريحة فراش لشهور عديدة، لطالما كنت بحاجة لكتف أتكئ عليه.. فلم أجد إلا أيادي تُغرقني في بئر عميق ينفذ منه الأكسجين دون مسعف أو منقذ. في حين، لا تنفع مواساة العالم كلها لو جُمعت، أمام من رأى أحلامه تتهدم الواحدة تلو الأخرى أمام عينيه، إن كان الليل في القلب فبماذا ستنفع قناديل الدنيا كلها؟

سنوات عديدة أمضيتها دون شغف، توقفت عن الحلم، بل وفقدت الحافز لفعل ذلك. فقدت الإرادة التي تسبق الطموح، غالباً ما كنت أنزوي في ركن بيتي وأحمل قلمي وأكتب سطوراً من اللوم. ألوم أحياناً القدر، كنت أراه لعبة غير عادلة، وأحياناً أخرى ألوم الحياة لمَ تَحملنا عالياً ثم تُلقينا من على الجرف لنتحطم وننكسر. اكتسى اليأس قلبي فأطفئ التفاؤل في داخلي، أَمَلي تحطم في الصخور كلما تكاثرت العثرات في طريق أحلامي، بل وتمكن الألم من الالتفات حول ضوء الأمل الموجود بداخلي.. كانت أعذار واهية وضعتها بنفسي فأسير في الطريق الخطأ وأتحول إلى شخص لا يشبهني البتة، أنا التي هي أصغر من ذرة رمل في هذا العالم الكبير شعرت وكأنني أحمله كله على رأسي!

لم يكن سوء حظ أو لعبة قدر.. بل كان ضعف الإيمان بأن الله عز وجل بحاجة إلى أقل من ثانية ليغير كل ما أنت عليه، من سيء إلى جيد والعكس. إنه لمن طبيعتنا، نحن البشرية، أن نقلق على الغد المجهول ونود بلوغ أحلامنا مهما كلفنا ذلك، فإما أن يزرعا في قلوبنا الأمل والعزم لكي نجاهد في سبيل ما نريد إن كانت ثقتنا في خالق البرية أكبر من كل العثرات التي تجابهنا وإما أن يقطع سكين اليأس شرايين الأمل فينا إن لم نثق بإرادته وحكمته في كل شيء. فإن انحرفت بوصلة أحلامنا يوماً فلأن الله لم يرى فيها خيراً، صحيح أن لكل منا أحلام لكن علينا أن ننسى أنها مجرد حاجات دنيوية.

ها آنذاك واقفة وقفة عسكري عالي الرأس نجا من الحرب وهزم أعداءه، لا أبالغ إن قلت أن عقلي العشريني قد شاب شيبة الأربعين وبلغ أشده قبل أوانه.

كل آمالنا معلقة بإشارة منه وحده لا شريك له، وأحلامنا لا تصبح واقعاً إلا بإرادته، فعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه". فإن أصابنا همٌّ وغمٌّ، إن فقدنا حلماً أو فشلنا أو عسر علينا أمر، ترانا هائمين مغمومين غائبين عن الوعي، نصرخ بصرخات يملأها الحزن ولن يسمعنا أو يلبي نداءنا غير الله، مُتناسين أنه ما أصابنا من الله إلا ليجعل بعده خير كثير. فلم التوقف عند حلم ليس فيه خير لنا عند رب العالمين؟ نرهق أنفسنا ونذلها بَيْد أن كل ما نتمنى بيد الله وحده!

بسبب ضعف الإيمان، قد وصلت أحلامي سن اليأس قبل النضوج، وحين قتلت الأمل قتلت نفسي أيضاً، لا أنكر أنني كنت في مرحلة ثقل الأيام كان ضرباً من ضروب التحدي لأجل البقاء.. أيام الهزال والمرض حيث لا يداً لامست جبيني من غير يد أمي وأبي لتخفف عني بضع ذرات من الألم.. أيام وحدة لا أنيس فيها ولا جليس غير مذكرة لأشكو إليه بثي وحزني.. كم من لحظة تمنيت فيها بيع كل ما أملك مقابل نظرة إلى تقاسيم وجه والديّ فخورين مما حققته ككل الأبناء. والآن، ها آنذاك واقفة وقفة عسكري عالي الرأس نجا من الحرب وهزم أعداءه، لا أبالغ إن قلت أن عقلي العشريني قد شاب شيبة الأربعين وبلغ أشده قبل أوانه.  

قد تمنيت يوماً أن أكون تلك الجريئة التي تفرض حضورها بكلماتها وآرائها أينما حلت، فبلغت ذلك وتعديته. كنت أتمنى أن أكون مثل رسام يختزل أوجاع العالم ببضع ألوان، فأقول اليوم أنني تلك الكاتبة التي وَثَّقت مزيج الأحاسيس الذي ضرب بجذوره عميق القلب وأحدث فيه شيئا لا أدري كُنَّهُ بكلمات على مرآى ومسمعِ الحِبر والقلم. الآن أشعر أن الحياة كلها تنبضُ بعروقي من جديد، المعاني والأحداث، الصدف والأشياء التي طالما صنفتها كعابرة، أصبحت كلها تحمل معنىً.  

كل من انتظر الصبح بعد ظلام الليل الذي أذاق قلبه المر، كان الإيمان والأمل في قلبه بأنه مها طال الليل سيأتي الصباح، والذي أراد الخير له ولغيره في الحياة وأراد أن يصل بنفسه بعيداً، حتى يبلغ الحلم الذي تربى عليه. كان الأمل في قلبه، والذي دعا الله يقيناً بالاستجابة منه وهو يعلم أن الله كريم رحيم، كان الأمل في قلبه حتى رأى نور الله بالدعاء. كل هذا كان الأمل يغير ويفعل بالإنسان حتى يدرك ما يريد. أما حياة الأمل لا تقبل أن تكون قصيرة ولا تقبل أن تكون دائمة الفرح بل لا بد من الحزن والدمع معها، فبعد كل حزن فرح، وبعد كل مصيبة فرج، بسبب آلامك ستكبل آمالك لكن لم ولن تمت فيك إلى الأبد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.