شعار قسم مدونات

مارييت.. ورحلة البحث عن العجل أبيس!

blogs العجل أبيس

وبعد أن وصل مارييت إلى مصر، وفشل في جلب المخطوطات القبطية لمتحف اللوفر، كما عرفنا في المقال السابق – مارييت باشا الفرنساوي.. والولع بآثار مصر! – بدأ في تغيير مساره، فاتجه نحو الكشف عن آثار مصر التي كان يعرف عنها الكثير؛ وقام بأول عملية تنقيب في العام 1850 بمنطقة سقارة؛ عندما رأى رأسًا لتمثال أبي الهول بارزة فوق سطح الأرض؛ وأقام معسكرا بالمنطقة – رغم من أنه لم يكن لديه تصريح بالحفر من الوالي كما لم تكن عنده ميزانية كافية – وتمنى أن يزيح التراب للكشف عما تبقى من التمثال؛ وخاصة أنه اعتقد أن المنطقة تحتوي على مقبرة العجل أبيس.

 

وعجل أبيس هذا؛ كان يرمز للخصوبة عند المصريين القدماء وعُبد هناك في منف، حيث اعتبروه روح المعبود بتاح، وكان يتوج بوضع قرص الشمس بين قرنيه، وكان يُختار أبيض اللون به بقع سوداء بالجبهة والرقبة والظهر، وكان يعيش في الحظيرة المقدسة وسط بقراته، وعند موته يقوم الكهنة بدفنه في جنازة رسمية، ثم يتوج عجل آخر بالحظيرة المقدسة في احتفالية كبرى!

 

قام مارييت بجمع ثلاثين عاملا وبدأ الحفر بحثا عن المقبرة، وكانت المفاجأة أن النتيجة كانت سريعة؛ فسرعان ما بدأت تماثيل أبى الهول في الظهور الواحد تلو الآخر، كما ظهر معبدان للعجل أبيس أحدهما يوناني والآخر مصري، ولما نفذت الميزانية وكاد العمل بالمنطقة أن يتوقف قام (أرنو لومين) – القنصل الفرنسي بمصر – بدعمه ماديا ومعنويا بعد أن أعجب بقدراته وطموحه، فاستمر الحفر وكانت المفاجأة أن اكتشف مخبأً تحت معبد أبيس يحتوي على العديد من التماثيل البرونزية لأوزوريس وأبيس ومعبودات مصرية أخرى.

 

توالت أعمال الحفائر بقيادة مارييت في سقارة حتى عثر على مومياء سليمة للعجل أبيس داخل تابوت سليم يرجع تاريخه إلى عصر الملك رمسيس الثاني

وكان لهذا الاكتشاف أثرا قويا ألهب الحماس في نفوس المسؤولين المصريين الذين سعوا نحو اكتشاف المزيد مما تبنطه أرضهم، كما كان لهذه الاكتشاف أثرا سلبيا على الأجانب الآخرين بمصر الذين حسدوا مارييت لعثوره على هذه الكنوز، حتى أنهم حاولوا تأليب (الخديوي عباس الأول) ضده فحاول جاهدا أن يوقف تلك الحفائر؛ لكن القنصل الفرنسي استطاع تلطيف الجو مع الخديوي فسمح باستمرار الحفائر، وفي عام 1851 استطاع مارييت العثور على مقبرة العجل أبيس نفسها، وكان يسدها باب رائع منحوت من كتلة صخرية واحدة، ولكن وبمجرد دخول مارييت المقبرة فوجئ بأن العديد من توابيت العجول المقدسة كانت منزوعة الأغطية ومتناثرة بفعل لصوص المقابر في الأزمنة القديمة.

 

وبالرغم من ذلك فإن ما وجده مارييت بالمقبرة كان أكثر بكثير مما سُرق، ولما كان الخديوي عباس سبق وأن اتفق مع القنصل الفرنسي على أن تُسلّم نتائج الحفريات له شخصيا وهو يقوم بإهداء من يريد من الأجانب، فقد وجب أن تسلم له كل تلك المكتشفات، لكن مارييت لم يكن راضيا بهذا الاتفاق فتحايل عليه بأن قام بوضع كل القطع التي يرغب في الاستيلاء عليها في صناديق خاصة وأخفاها في مكان آمن إلى تم نقلها بعد ذلك إلى باريس! واستمر مارييت في اتباع هذه الحيلة مرات ومرات رغم اطلاعه المسئولين المصريين على المقابر المكتشفة وهي فارغة.. فما أعجب اللعب بعقول هؤلاء المسئولين؟!

 

وتوالت أعمال الحفائر بقيادة مارييت في سقارة حتى عثر على مومياء سليمة للعجل أبيس داخل تابوت سليم يرجع تاريخه إلى عصر الملك رمسيس الثاني، والمفاجأة أن العجل كان محاطا بالذهب والمجوهرات بصورة مكثفة، أما العجيب؛ فإنه وفي الوقت الذي يُحرم فيه المصريون الآن من النظر لعجلهم الأثري المحاط بالذهب؛ نرى الفرنسيين وغيرهم يطوفون حوله منبهرين بمنظره وهو يزين متحف اللوفر!

 

وكان لهذا الاكتشاف الأخير أثره الكبير في شهرة مارييت فأخذ اسمه يتردد في أنحاء المعمورة، ورقي إلى درجة أمين مساعد متحف اللوفر، وقام بوضع ألبوم صور سماه: (المختار من آثار مصر) يشتمل على أهم ما عثر عليه بمنطقة منف، كما كان لاكتشاف هذا تأثيرا كبيرا على المسئولين الفرنسيين بمصر، الذين اُعجبوا بكفاءته وشجاعته، وكان من بين هؤلاء المعجبين؛ الدبلوماسي فردناند ديليسبس، وهذا ما سنتعرف عليه في فيما بعد.