شعار قسم مدونات

ثنائية الغرور.. كيف يستغل الشباب مساحة الحرية بالجامعة؟!

blogs جامعة

تعتبر مراحل التعليم التي يتدرج فيها الشخص في حياته مهمة جدا، إذ كل مرحلة لها انعاطفها واختلافها عن الأخرى، فالمرحلة الأولى وهي ما تسمى بالابتدائي يكون فيها التركيز بشكل كبير على عملية القراءة والكتابة بشكل عام، لكونها هي الهدف من هذه المرحلة خصوصا، بعدها تأتي مرحلة الإعدادي والثانوي يكون فيهما تسليط الضوء على التلقي بكل أشكاله وأنواعه، فهي مرحلة يتم فيها ملء خزان ذاكرة الإنسان من كل أنواع وحقول المعرفة، يعقب هذه المراحل بداية مراحل أخرى هي من نوع آخر في كل أشكال أنواعها، وإن اشتركت كلها في التعليم وتلقي المعرفة، وهي مرحلة الجامعة سواء منها الإجازة أو الماجستير أو الدكتوراه. 

لا شك أن كل من يتابع دراسته له حلم بإنهاء دراسته والحصول على أعلى الشواهد تخول له الولوج إلى المجتمع وكيفية التعامل معه، إن في جانبه العملي الحسي أو في جانبه الفكري المعنوي، ومن المراحل والتي تعتبر مهمة في مسيرة الحصول على ما قلناه من الشواهد هي مرحلة الجامعة، فهي بمثابة انتقال وانعطاف يشعر به كل من عايش هذا الانعطاف والانتقال، ولكن هل كل من يلتحق بهذه المرحلة يكون له وعي بمدى ثقل هذه المرحلة عن سابقتيها؟  ويكون له أيضا وعي بالدور الذي يجب عليه أن يكون عليه وهو يساير أهم مرحلة من حياته الدراسية؟

إن أهم ما يميز هذه المرحلة هو مرحلة التغيير في التلقي وحتى في الشخص نفسه، فهو إذ يقبل عليها يكون في زهرة عمره، شاب ما بين الثامنة عشر والعشرين سنة من عمره، فأكيد أن هذا العامل سيكون له مفعوله وهو بصدد خوض هذه المغامرة، فما إن يلتحق الشاب بالجامعة سواء في الشمال أو الجنوب بمعناه الاقتصادي يجد حرية أكثر، إلا أن التعامل مع هذا الجانب من الحرية يختلف بين شمال وجنوب. 

المرحلة الجامعية فيها نوعا من الحرية والخروج من الكثير من الضغوطات، ولكن لا ينبغي أن نفهم هذه الحرية في الجانب الذي تحدثنا عنه فقط، بل ينبغي أن نفهم الحرية بمعناها الواسع

فالشاب في الجنوب وخاصة في الدول المتخلفة في التعليم ما إن يصل إلى الجامعة ويجد الحرية المطلقة بحكم عدد الساعات التي يدرسها إذ تكون قليلة، وكذلك تغطية الطرف عن الحضور وعدمه، ومخالطته أيضا مع شباب وشابات آخرين مختلفين عنه ولا يعرفهم، فما يكون من الأشخاص من كلا الطرفين تجاه هذا كله إلا إطلاق العنان لقيودهم والركض وراء ما يسمى بإشباع الرغبات الشبابية، من خرجات، وسهرات.. وغيرها، حتى إن بعض الحالات كما نسمع ونشاهد يكون تعاملهم مع هذا الحيز من الحرية مفرطا حتى ينسى ما عليه من واجبات ولا يبقى يراعي كونه انتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى هي كغيرها لإكمال دراسته ليس إلا، وظن أنها مرحلة ينبغي للإنسان ما دام شابا أن يتمتع بكل حرياته، ولا ينبغي أن يكون هناك عائق يقف أمام ما يعرقل كل رغباته ونزواته، فهو بهذا يكون قد اغتر بثنائية يصح أن أن نطلق عليها ثنائية الغرور "الشباب والجامعة".

وفي ضمن هذا التصور لهذه الثنائية يكون الشخص حسب رأيه يرى أن هذه الحياة هي من ينبغي أن تسود في المرحلة الجامعية بغض الطرف عن كونه مسؤولا أم لا، وخاصة هذا نجده في السنة الأولى من الالتحاق بالجامعة بحكم كما قلنا عامل السن وكذلك فضاء الحرية المتاحة، مما يسمح للشخص أن يمارس نوعا من السلوكيات والتصرفات كانت ربما ممنوعة عليه في المراحل الأخرى، أو ربما تكون الضغوط والرقابة عليه ليست كما كانت من قبل، ولا سيما إن كان هناك انتقال من مدينة إلى أخرى، حتى ولو لم يكن ذلك فإنه صار سائدا نوعا من التفكير لدى البعض أن المرحلة الجامعية هي بمثابة وقت زمني مناسب لممارسة كل أشكال وأنواع التصرفات مادام هناك حرية تسمح لنا في ظلها أن نفعل ما نشاء. 

ولكن إذا تغاضينا الطرف عن كون هناك حرية أم لا، ونظرنا إلى الخرجين من الشباب في الجامعة ماذا نجد، هل حقا نجد شبابا مؤهلين ليمارسوا دورهم في المجتمع بكل مسؤولية، وإعطاء إضافات جديدة في المجتمع بغية مسايرة مستجدات ما نعيشه من أحداث فكرية وغيرها؟ أم سنجد أمر آخر مخالف لكل ما قلناه؟ الشباب في جهة والواقع في جهة أخرى مناقضة تماما. وهذا ما يفسر إفلاس التعليم لدينا وخاصة التعليم النهائي الأكاديمي، فهو لا يرقى لأن يتطلع إلى اخراج نخب يكون معولا عليها في تسيير المجتمع، وإلا كان هناك عبث في التسيير، وهو ما نجده حقا في مجتمعاتنا، العبثية في كل شيء. 

حقا المرحلة الجامعية فيها نوعا من الحرية والخروج من الكثير من الضغوطات، ولكن لا ينبغي أن نفهم هذه الحرية في الجانب الذي تحدثنا عنه فقط، بل ينبغي أن نفهم الحرية بمعناها الواسع، حتى يبقى الجانب الآخر في ضمنها ما هو إلا حيز ضيق لا يتعدى كونه أن يكون عسير لحظته فقط، وذلك بأن تكون هناك حرية راقية يعالج فيها قضايا الأفكار والرؤى ومناقشتها وإبداء الرأي فيها، إذ أن هذه المرحلة ليست فقط للتلقي، بل التلقي يظل محدودا مقارنة مع مناقشة ومقارنة ما قد تم أن تلقيناه سابقا، فهي إذن مرحلة مهمة يبني الإنسان فيها ملكته النقدية ومحاولة بل صياغة اتجاه معين يكون له مظلة لأفكاره ورؤاه تميزه عن باقي المظلات الأخرى، فهذا ما ينبغي التركيز عليه لكونه يبني الإنسان ويعده لأن يكون ضمن طليعة التي نرجو منها خيرا كثيرا، فمجتمعاتهم وشعوبهم محتاجة لهذا الخير أيضا كثيرا وكثيرا جدا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.