لا تمر العلاقات السودانية السعودية بأفضل حالاتها في هذه الفترة رغم الجهد المبذول من الطرفين (السوداني) و(السعودي) لإخفاء هذا التوتر وإبقاء حبل العلاقات. أساس هذا التوتر والنزاع هو الجريمة السعودية بتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع مصر بما يشبه الاعتراف (السعودي) بالاحتلال المصري لحلايب وهو جزاء سنمار أعطته السعودية للسودان التي وقفت معها عندما تخاذل عنها الجميع في عاصفة الحزم.
الوقاحة السعودية في التعامل مع السودان ظهرت عندما رفضت الرياض الرد على طلب وزير الخارجية السوداني السابق البروفيسور (إبراهيم غندور) بإطلاع الجانب السوداني على تفاصيل الاتفاق وبكل استخفاف تجاهلت الرياض الرد. الرياض خذلت الخرطوم وغررت بها فدفعتها إلى محرقة اليمن بشعارات التحالف العربي والأمن العربي المشترك ثم تبين أنها دخلت الحرب لا للانتصار وسحق (الانقلاب) بل لإدارة الصراع في اليمن حتى لا يستقر اليمن أبدا ولا ينهض.
التحالف تخلى عن غطاء (الحكومة الشرعية) وبدأ في تأسيس مشاريع مريبة كأنبوب المهرة ومجلس عدن الانتقالي والسيطرة على جزيرة سوقطرة. ولإشغال الإعلام عن متابعة هذه التحركات (العدوانية) ورط أبناء السودان في معارك (دموية) في شمال الشمال في معاقل الحوثي التي تشبه تورا بورا وهذه المعارك يجزم العارفون بالشأن العسكري أنها استعراضية وغير ذات أهمية عسكرية وكلفتها البشرية كبيرة جدا ً والسعودية زعيمة التحالف لا تبالي لأن القتلى الذين يسقطون في تلك المعارك ليسوا من جنودها.
أخشى ما أخشاه أن يكون الغرض من هذا التجمع الذي أطلق عليه (مجلس الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن) هو التطبيع مع الكيان الصهيوني باعتباره مطلا أيضا على البحر الأحمر |
ما أريد أن أقولك أن الرياض لم تكتفي بالاعتداء على الأمن القومي السوداني بتوقيع اتفاقيتها الحدودية مع مصر وتوريط السودان عسكريا فأضافت إلى ذلك خذلانا اقتصاديا للخرطوم. تبخرت الوعود التي أعطيت للسودان عن منح واستثمارات تحل أزمته الاقتصادية وجلست الرياض تراقب أزمات الوقود والخبز والعملة الصعبة التي هزت السودان طوال هذا العام الذي سمي سودانيا بعام الرمادة. وكأنها تريد إذلال السودان وكسر كرامته وحتى عندما واجهها السودان بطلب المساعدة فإنها بدأت في وضع شروط من شاكلة قطع العلاقات مع قطر وتقليصها مع تركيا وزيادة عدد القوات في اليمن للضعف و…..
ما الذي ألجئ السودان للذهاب لتركيا؟ إلا تخاذل السعودية عن مساعدة السودان والسلوك الغريب الذي قام به ولي العهد السعودي مع الرئيس السوداني في حج عام 2017م عندما وجاهر للبشير أن دعم السودان ليس من أولويات المملكة وأن عليه البحث عن جهات أخرى لمساعدته، وهو ما دفع الرئيس السوداني لتقليص رحلاته للسعودية لأدنى مستوياتها والانفتاح على تركيا واستقبال الرئيس رجب طيب أردوغان فما دامت الرياض ليس من أولوياتها (السودان) فإن هناك دول أخرى تريد الدخول والحصول على الفرص الاستثمارية كروسيا وتركيا.
الإمارات جاءت بعد ذلك وأصلحت خطأ ولي العهد السعودي وقدمت الدعم للسودان واستطاعت تهدئة الموقف السوداني مع مصر ولكن ظل في نفس الخرطوم شيء من السعودية وسياسات أميرها الصغير. وما حصل مع السودان حصل أيضا مع المملكة الأردنية الهاشمية والتي انتزعت الدعم من الرياض دون أي تنازل لصالح ما يطلق عليه بصفقة القرن. اليوم الأمير الصغير في ورطة خاشقجي وبات اليوم في حوجة للعرب الذي ظن أنه ليس في حاجة إليهم بعد أن أصبح ترامب (في جيبه) وبعد التنمر الغرب وتكالبهم عليه وبعد أن فضحت الصحافة العالمية زيف إصلاحاته الاجتماعية. وعاد في جولات للدول العربية بحثا عن الدعم السياسي ويبدو أنه قادم للخرطوم لا محالة هذه المرة.
وخطته الأخيرة التي أعلن عنها بتأسيس مجلس تعاوني للبحر الأحمر على غرار مجلس التعاون الخليجي ربما تكون السبب المعلن للزيارة والغرض معروف من هكذا مجلس هو غرض أمني بحت حتى لو أسال السعوديين لعاب دول المجلس بالكلام عن مميزات اقتصادية لمثل هذا التجمع. من العجيب أنه حتى الآن لم تسلم أي دعوة علنية لأي دولة لحضور اجتماع وزراء خارجية هذا المجلس سوى الدعوة التي تم تقديمها للسودان والسبب أن الخرطوم تسببت بإرباك كبير للرياض خلال العام الماضي بمنحها حق إدارة جزيرة سواكن لتركيا منافستها الإقليمية. وهو أمر لم تكن لتقدم عليه الخرطوم لو أن هناك دعم عربي حقيقي لها. في النهاية أخشى ما أخشاه أن يكون الغرض من هذا التجمع الذي أطلق عليه (مجلس الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن) هو التطبيع مع الكيان الصهيوني باعتباره مطلا أيضا على البحر الأحمر.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.