شعار قسم مدونات

أزمتنا الكبيرة.. لماذا نترك المشاريع التي بدأناها قبل أن نكملها؟

blogs حزن
تتقاذفنا الحياة ليلتقطنا اليأس كرة ويسحقنا الملل تحت قدميه مرات كُثر (مواقع التواصل الاجتماعي)

كل الذين استحقوا استمروا وكل الذين استمروا استحقوا.. الكل يبدأ لكن ليس الجميع يستمر، فكل البشر يبدؤون ذات همة رحلة البحث عن الذات ومرحلة السعي لتحقيقها، ولكن وحده الناجح من يستمر ويُواصل ويُكمل ويُتم، حيث الاستمرارية وحدها مصفاة النجاة من الكسل وهي وحدها العتق من الفشل. فالحماس عادة ما يبلغ الحماس أشده في البداية ولكن مع توالي المصاعب والدقائق والتضحيات.. وهلم جرا وهلم جرجرة، تتقاذفنا الحياة ليلتقطنا اليأس كرة ويسحقنا الملل تحت قدميه مرات كُثر. ولكن من ذا الذي يضمن بقاء الحماس رفيقا طيلة الطريق ومعيا طوال المسير؟

ولذا نُلقي الكثيرين يتساءلون لما كلما وضعت برنامجا لم أسر عليه، ولما كلما عزمت على أمر لم أبلغ تمامه، ولما كل بدأت لم أكمل، في الحقيقة لهذا السلوك المتكرر بين البشر على مر العصور، تبريرات عديدة وتفسيرات كثيرة، أردت أن أركز ها هنا على واحد منها دون غيره، ومرد تركيزي عليه دون سواه لأنه –حسب ما أعتقد- مجهول من حيث ينبغي أن يُعرف، ومتروك من حيث أنه يجب أن يؤتى، إنه الاستحقاق.

وهذا الإحساس يتجسد على شكل عدة سلوكات وأحاسيس منها الكسل والتسويف وفقد الحماسة والإدبار بعد الإقبال والترك عد الاهتمام وحتى أفكار عبقرية في غير أوانها فالطالب منا مثلا قد تراوده فكرة مذهلة لمشروع ربحي وهو بصدد التحضير لامتحاناته! وميزة تلك الفكرة الطارئة أنها لن تظهر وتختفي في وهلة، بل تبسط نفسها على الوعي واللاوعي لتصل حد أحلام اليقظة! ولا الزمان زمانها ولا المكان مكانها وحتما ليست المرحلة مرحلتها!

إن كنا نستنكر المقارنة مهما كانت أسبابها ومسبباتها إلا أن وجود أشخاص استطاعوا أن ينجحوا من قبل فيما تسعى إليه أنت الآن أمر محفز ومقارنة مثمرة

وبما أن جزئنا اللاوعي كطفل صغير لا يعي إلا ما علمته ولا يصدق إلا ما أخبرته، فهو يترجم إحساسك العميق بالاستحقاق على أنه رفض للمطلوب ورد للمرغوب من حيث أنت في الأصل تطلبه وترغب به! فيهيئ لك مبررات الترك وأسباب التخلي عن حلمك، فتلفيه يضخم أمامك الصعاب ويزودها حجما. حتى تظن نفسك غير قادر عليه وغير جاهز للنهوض به.

إذا حدث تدني استحقاق واستصعبت نفسك رفعه عليك بالتالي: تذكر أن هدفك مهما كان –حسبك- عظيما جليلا صعب التجلي بعيد المنال إلا أنه عند رب العالمين محصور بين الكاف والنون، وأنه يسير عنده ء إذ أنه هو خالق الكون وما وسع فكيف يعجزه بضع دريهمات تريدها أو درجة علمية تسعى لتحقيقها أو شفاء من داء ألم بك أو قرب حبيب ابتعد عنك أو سفر إلى بلدة سبقتك روحك إليها.. كل هذا عنده مقدور عليه، ويبقى ما تظنه أنت فيه بخصوصك هل سيكرمك أم سيحرمك، هل سيعطيك أم سيمنعك.

لا تقلق الله جل في علاه أجابك عن هذا سابقا في حديث قدسي جميل: عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: يقول الله تعالى 🙁 أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم ، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ) رواه البخاري ومسلم.

فأنت وظنك كيفما يكون تكون عاقبتك، فكيف ظنك بربك الكريم، الرزاق، الواسع، الفتاح… فكيف بمن هو هكذا أن يحرمك مما أردت، إلا أن يكون في حرمانك منها خير لك وهذه مسألة أخرى تتصل بحسن الظن في الله والإيمان بالقضاء والقدر وليس هاهنا مجالها!

وإن كنا نستنكر المقارنة مهما كانت أسبابها ومسبباتها إلا أن وجود أشخاص استطاعوا أن ينجحوا من قبل فيما تسعى إليه أنت الآن أمر محفز ومقارنة مثمرة فبما أن فلان الفلاني استطاع وقدر فلما تقف عاجزا إزاء أمرك تضرب أخماسا بأسداس ينتابك الشك ويهيم بك سوء الظن في مستنقع كل واد! بما أن غيرك فعله فحتما ولا شك بإمكانك تكرارها أنت أيضا، أما إن لم يسبقنك إليها أحد ولم يفعلها قبلك بشر كأن تسعى لطفرة لم تؤت قبلك فذلك لعمري أشرف الشرف وأرفع درجة من الذين سعوا وراء ما سعى لهم غيرهم من قبل وكافحوا، وذاك ولا مستقر كلام الأمير شوقي حين قال: إنما تؤخذ الدنيا غلابا.

لا تتناسى كل ما مضى ولكن تعلم مما جرى، فليكن فشل الأمس درسا، ولتكن خيبة الأمس عبرة، كل هذه التراكمات ستُشكلك لا كمجموع تجارب فاشلة بل كخبرات حياتية
لا تتناسى كل ما مضى ولكن تعلم مما جرى، فليكن فشل الأمس درسا، ولتكن خيبة الأمس عبرة، كل هذه التراكمات ستُشكلك لا كمجموع تجارب فاشلة بل كخبرات حياتية

طيب، ماذا لو فعلت كل ما سبق إلا أنه وقر في فؤادي واستقر أني غير قادر على اتيان أمري ولا تحقيق مأربي فما العمل؟ أدعوك أن تحضر ورقة بيضاء وقلما أسود وتستفسر نفسك وتحاورها كما تفعل عادة مع رهط من خلانك وجمع من صحبك، أي نفسي ما الذي دهاك لما تظنين أنك دون حلمك وألا تقدرين عليه؟ والنفس من عادتها أنها تجيب كل سائل وكذلك ستفعل معك فأمنحها الأمان لتصارحك بما تخفي وأمهلها وقتا لتبوح لك بما أُشكل عليها، ثم أُخبر إجاباتها وناقشها وحللها. ولنزعم مثلا أنك تريد درجة علمية ما ولكنك أعماقك تخبرك أنك لا تستحقها وأنك دونها، تقبل الموضوع دون كثير عناء واسألها الآن لماذا هذا؟

ستجيبك مثلا أنك لم تحضر لنجاحك كما ينبغي ولم تسهر الليال الطوال تتحضر له، ولم تضح لأجله بأي غال، كما أنك لم تمض فيه ساعات ولى حتى دقائق، عندها خذ نفسك بين أحضانك وأخبرها أنها محقة ولأجل هذا ها قد عزمت الآن أن تضح برنامجا مفصلا يحوي تفاصيل تلافي هذا العرض وعليها أن تستعد لتتعبا معا كي تفرحا في الأخير معا، وان الاستمرار على حالتكما الجديدة ردحا من الزمن هو وحده ما يكفل لكما ذلك.

أما إذا كان سبب الاستحقاق أعمق وأكبر كأن يكون لعطب نفسي فيك كقلة تقدير الذات وضعف الثقة بالنفس وسوء الصورة الذاتية عن نفسك إما لتجارب متشابهة سابقة أثبت فيها أنك مثال للطالب المسوف كثير الكلام عديم الفعال، فقل لنفسك أن تلك امة قد خلت من قبل وأن ذلك زمن قد مضى وولى وأنكما على عهد جديد وبداية يانعة طريفة، لكن لا تتناسى كل ما مضى ولكن تعلم مما جرى، فليكن فشل الأمس درسا، ولتكن خيبة الأمس عبرة، كل هذه التراكمات ستُشكلك لا كمجموع تجارب فاشلة بل كخبرات حياتية أهدتك إياه الحياة بمقابل باهظ دفعته كاملا غير منقوص.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.