ربما العديد من المفكرين والنخب الفكرية والأشخاص المهتمين بالدين والعلم والكون صادفوا في حياتهم جدال علمي عقيم لا يسمن ولا يغني من جوع، عنوانه هل الله موجود، أو بصيغة أخرى أثبت علميا أن الله موجود، حتى أنا نال مني هذا العراك الفكري الضيق فوجدت فطرتي وعاطفتي تتكلم عني قبل عقلي وفكري، مما جعلني أحكم على غيري بمنطلق دكتاتوري كانت نهايته عزل من يختلف معي فكريا وتصنيفه في خانة الملحدين والعلمانيين والحداثيين بدون معرفته، أصبح هذا الفعل بمثابة صفة ذميمة أحتقر نفسي من أجلها دائما لأنها تعتبر خطأ وبداية انحراف مبادئ أي شخصية عن الصواب الواقعي.
وبما أن سؤال هل الله موجود أصبح كلاسيكي قديم تم نحر جيوش الفكرية من أجله مند ظهور فكرة الإلحاد، قدم أحدهم سؤال ضمن هذا الجدال أراه بمثابة العلم كله، لكن استغربت من ملامح صاحب سؤال كانت غريبة جدا، وكأنه واثق جدا أنه لا يوجد أجوبة لأسئلته، هل الإنسان مسير أم مخير؟ هل كتب ملايين البشر التي ماتت في الحروب العالمية الأولى والثانية؟ هل كتب ملايين البشر التي سقطت في المذابح التي حدثت باسم الدين؟ لما خلقنا وخلق النار ليعذبنا؟ وهل أفعالنا المحرمة كتبها القلم قبل أن نولد؟ إذا كان قد كتب القلم كل هذه الأشياء هل تراها عادلة إلهية صحيحة؟
يقول سبحانه تعالى في القرآن الكريم، "وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ"، وقد اتفق العلماء أن الله خلق الخلق وجعل لهم إرادة واختيارا ومشيئة، ودليل قوله تعالى "وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا"، وهذا يعني أن الإنسان مرة مخير ومرة مسير، لقوله سبحانه تعالى "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ"، هو مسير بعدم الخروج عن قدر الله الذي هو من أركان الإيمان الستة، كما أن أركان الإيمان بالقدر خيره وشره هي أربعة، العلم هو معرفة الله ما في السموات والأرض، الكتابة أن الله كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ، المشيئة وهي أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، الخلق هو أن الله خالق العباد وخالق أفعالهم. ومخير لأنه يملك عقل وإرادة ومشيئة، لهذا كل من يملك عقل هو مخير أن يعمل الخير والشر، وكما يقول العلماء. فالعبد له فعل وله صنع وله عمل، والله سبحانه هو خالقه وخالق فعله وصنعه وعمله.
حياتنا ليس إجبارية ولا قهرية وإنما يوجد الاختيار، ومهما كانت نتيجة الاختيار هي معلومة ومعروفة ومحفوظة عند الله |
الآن إذا فهمنا أن الإنسان مسير بعدم الخروج عن قدر الله خير وشره، ومخير كونه يملك عقل وصنع وعمل وإرادة ومشيئة لفعل الخير والشر، سنحاول الإجابة عن السؤال بتفكيك الركن الرابع من الإيمان بالقدر خيره وشره، هو أن الله خلق العباد وخلق أفعالهم، لهذا الله لم يكتب موت ملايين البشر في الحروب الدينية والعالمية، ولكنه كان يعلم اختيار ومشيئة البشر في إحداث المنكر بقتل ملايين من الناس، لأنه لم يأمر بقتلهم، ودليل قوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ"، الله لا يأمر بالفحشاء ولا بالمنكر، ولا يأمر بما هو فاحشة كبيرة في العقول، مثل الزنا والفسق والقتل، لهذا أفعالنا المحرمة هي من اختيارنا، واختيارنا هو معروف ومعلوم عند الله سبحانه تعالى، سواء قابلنا به أو تركناه.
مثلا أراد أحدهم أن ينهي حياة شريكه في العمل، وكانت نيته القتل وعدم الرجوع إلى الوراء، لكنه في أخر لحظة تفطن أنه يقوم بعمل إجرامي ورجع عنه، فهل أجبره أحد على الرجوع، أو بمعني حقيقي هل أجبره أحد على نية القتل، لكن كان مخير حينما خرج من بيته لنية القتل، وكان مخير بعدم ارتكاب جريمة القتل، لكن الله سبحانه تعالى كان يعلم أن فلان لن يقتل فلان لكنه لم يأمر بخروجه من البيت بنية القتل أو رجوعه وعدم القتل، وهذا يعني أن حياتنا ليس إجبارية ولا قهرية وإنما يوجد الاختيار، ومهما كانت نتيجة الاختيار هي معلومة ومعروفة ومحفوظة عند الله.
لما خلقنا وخلق النار ليعذبنا؟ هذا السؤال هو ديني بكل المقاييس ولا أثر للعلم فيه ومن قال عكس الكلام يريد أن يستمر في عناده، وكون السؤال ديني فمن الجواب الحتمي أن يكون الجواب من مصدر موثوق، والدليل قوله سبحانه تعالى في القرآن الكريم من سورة الذرايات "وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدون"، ومعنى يعبدون أي يوحدون، والغاية في خلقهم إنما خلقتُهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم. أم الغاية من خلق نار جهنم هي اختيارية كون الإنسان مخير وله عقل يجعله يميز بين الخير والشر بين الأفعال المحرمة والأفعال الصحيحة، لأن القاعدة في الخلق هي العبادة، وكوننا أننا مخيرين ولنا اختيارات كثيرة في الحياة بحكم عقلنا الراشد فلا يوجد أعدل من العدالة الإلهية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.