كنت أتمنى أن يخرج الدكتور عزيز الدويك بمؤتمر صحفي؛ قبل قرار حل المجلس التشريعي من قبل المحكمة الدستورية، ليعلن بالتوافق مع النواب عن خطوة حل المجلس التشريعي والدعوة لانتخابات رئاسية وتشريعية، وأن يُقام للنواب والدكتور عزيز احتفالية تليق بمقامهم وبتضحياتهم وبعظمة ثباتهم، فمن يرى شَيْبَةَ أَعضاء المجلس التشريعي وهي تُعَذَبْ في بوسطات السجون الإسرائيلية يدرك مدى التضحية والثبات الذي قدمه هؤلاء العظماء.
فخطوة كخطوة حل المجلس التشريعي كان من المفترض أن تصدر عن كتلة التغيير والإصلاح؛ وهي التي تم انتخابها من الناخب الفلسطيني بهدف إحداث تغيير وإصلاح في النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي الفلسطيني القائم، ولكنها لم تستطع أن تفي بوعودها للناخب الفلسطيني بفعل الاحتلال والانقسام وعدم تقبل الآخر لنتائج الانتخابات، كما أن العديد أو معظم نواب التشريعي في الضفة الغربية ممن طالتهم سنوات طويلة من السجون لم يعودوا يستطيعوا تحمل تبعات عملهم كنواب عن الشعب، فآثروا الانعزال وعدم ممارسة الحياة السياسية مع إبقائهم على صفتهم التي يحملونها بتفويض شعبي، ولكن دون أن تعود هذه الصفة على الشعب بشيء يذكر. نعم نحن بتنا أكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة، تؤسس لمرحلة جديدة وتضخ دماءًا جديدة في النظام السياسي الفلسطيني، ولكن السؤال المهم كيف ومتى يتم إجراء هذه الانتخابات؟
ان الناظر لحال الشارع الفلسطيني، يُدرك أنَّ حل المجلس التشريعي بالطريقة التي أُخرجت، يعتبر أمرًا كارثيًا، فهي وصفة لتعميق الانقسام كما أنها لا تؤسس لمرحلة جديدة يمكن أن يُبنى عليها نظام أفضل يُنهي الانقسامات في الشارع الفلسطيني. كما أن إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في هذه المرحلة ودون وضع أُسس واضحة للاتفاق بين كل الفرقاء، يعتبر وصفة لحرب أهلية وانقسامات جديدة في الشارع الفلسطيني.
قد يشكل قرار المحكمة الدستورية؛ القاضي بحل المجلس التشريعي، فرصة أمام الفرقاء للذهاب لخطوات واضحة لترتيب البيت الفلسطيني وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وإصلاح مؤسسات منظمة التحرير |
أسئلة كثيرة يجب أن يُجاب عنها قبل الذهاب لأي انتخابات جديدة، وأن يكون هناك ضامنين من المجتمع الدولي لما يتم الاتفاق عليه، فقد بدأ الانقسام الفلسطيني نتيجة لعدم تقبل نتيجة الانتخابات السابقة، فما الموقف إن حصدت الفصائل الإسلامية وفصائل المعارضة الأغلبية في الانتخابات القادمة؟ ما الموقف من كتلة دحلان إن شاركت بقوة في الانتخابات وحصدت عددًا كبيرًا من المقاعد؟ ما شكل الحريات التي ستُمنح في الضفة الغربية وغزة قبل وبعد الانتخابات؟ ما شكل الحكومة الفلسطينية وبرنامجها السياسي التي سيتم تشكيلها بعد الانتخابات؟ ما شكل التمكين لتلك الحكومة الذي سيطالب به الجميع؟
كل هذه الأسئلة وغيرها تُؤَشر أن انتخابات دون توافق واضح بين الفرقاء؛ سواءًا فتح وحماس أو فتح ودحلان، يُعتبر أمرًا كارثيا ولا يساهم إلا في تعميق الانقسام وصب الزيت على النار. الأمر الأخطر الذي قد تؤول الأمور إليه، هو الإبقاء على حل التشريعي، وعدم التوافق على انتخابات رئاسية وتشريعية لسنوات طويلة، مما يعني تحول النظام السياسي الفلسطيني إلى نظام دكتاتوري، الحكم فيه لبعض الأشخاص ممن يديرون السياسة العليا للدولة، الأمر الذي سيكون له نتائج كارثية على النظام السياسي الفلسطيني، وتداعيات كبيرة على النسيج الاجتماعي، كما أن صورة السلطة الفلسطينية في عيون المانحين الدوليين؛ وخاصة الأوروبيين، ستنهدم وسيتوقف الكثير من الدعم، مما يعني انهيارات اقتصادية جديدة لا يتحملها النظام الاقتصادي الفلسطيني.
على العقلاء من كافة الأطراف؛ سواءًا الفلسطينية أو العربية أو القيادات الوازنة في فلسطينيو الشتات، التحرك العاجل لرأب الصدع، والعمل على لم شمل البيت الفلسطيني الداخلي، والتوافق على برنامج سياسي تتوحد عليه كافة أطياف الشارع الفلسطيني، ويُنهي حقبة أليمة من الانقسام الداخلي البغيض، ويؤسس لانتخابات رئاسية وتشريعية تجرى في ظل توافق مسبق على تقبل نتائجها، وبسط الحريات أثناء الانتخابات، ووضع أُسس واضحة للرقابة على تلك الانتخابات حتى تخرج بنتائج نزيهة تمثل الشارع الفلسطيني.
قد يشكل قرار المحكمة الدستورية؛ القاضي بحل المجلس التشريعي، فرصة أمام الفرقاء للذهاب لخطوات واضحة لترتيب البيت الفلسطيني وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وإصلاح مؤسسات منظمة التحرير، كما أنه قد يشكل نقطة لتعميق الانقسام والتجاذبات والذهاب إلى المجهول، فمن يستطيع لملمة الجراح وإدارة شراع النظام السياسي الفلسطيني إلى بر الأمان؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.