شعار قسم مدونات

نجاح السيسي وفشل المعارضة.. سر المعادلة؟

blogs السيسي

يبدو أننا يجب أن نقف ولو لمرة واحدة بصدق وحرفية بل ومسئولية ومهنية لكي نواجه الحقيقة المرة والواقع المرير ونزيح الستار ونكشف الغطاء عن المأساة والوضع الخطير، فقد بات لا مفر ولا هرب من أن نخلع ثوب المخدرات والمسكنات ونخلع معها كل من يدعو إلي أنه ليس في الإمكان أحسن مما كان، وأن النظام قد فشل وأن المعارضة هي الأمل، فإذا كانت المشاريع والأعمال تقاس وتقيم بأرقام الأرباح والخسارات، فأحوال الأمم ومستقبل شعوبها لهما مقادير ومؤشرات، ونتائج ومخرجات تصحبها دلالات تشير للنجاح واحتمالاته، أو للإصرار علي الفشل ومسبباته.

وليس هناك شك ولا ريبة في أن السيسي ونظامه وحلفاؤه، قد كسبوا جولات وجولات وانتقلوا من معتركات الفشل ومن حالة انقلابية منبوذة أو مرفوضة، ليسجلوا نجاحات تلو النجاحات علي الصعيد الداخلي، أو علي أصعدة السياسة الخارجية وتثبيت أركان الحكم والقضاء علي المعارضة وعلي شرارة كل الثورات، لا يقلل من هذا النجاح أو السيطرة كونه قد قام واستمر علي أكاذيب أو مؤامرات، أو كون شجرة ملكه قد ارتوت بدماء آلاف الشهداء ودموع الضحايا وقيح من جروح المعذبين في المعتقلات، فالحروب تعرف بخواتيمها، ويكتب تاريخها منتصر لا يعبئ قلمه بعدد الآهات، أو آلام أصحاب القصص والحكايات.

يقابل هذا معارضة مغيبة تنتقل من سبات إلى سبات، وتعيش أوهاما لنجاحات أو إنجازات، تنام علي أحلام يقظة لتستيقظ على هلاوس لانتصارات، لا تتعدي حقيقة كونها صورة على شاشة تبث من آخر الدنيا بعيدا عن المصريين والمصريات، أو تقارير لمنظمات دولية لا تغني من جوع ولا تؤثر في صناعة تغيير، ولا حتى تخفف الضغط عن المعتقلين والمعتقلات، فما هو سر الحكاية ولماذا ينجح السيسي بينما تفشل المعارضة منذ البداية؟ 

الرؤية والتخطيط:
وظف السيسي ونظامه آليات محترفة وخطط ممنهجة مكنت النظام الحاكم من تحقيق غالبية أهدافه المرحلية بصورة لا تخفي علي محترف ولا تغيب عن متخصص

يجب علينا أن نعي أنه عند محاولة تقييم مدي نجاح السيسي من فشله، لا يمكن أبدا أن نضع معايير هذا التقييم بناء علي رؤيتنا نحن أبناء المعارضة أو الحالمين والعاملين من أجل مصر حرة ديمقراطية، ولكن هذا التقييم يجب أن يتم في ضوء أهداف قد حددها النظام الإنقلابي لنفسه منذ البداية ورؤية وآليات قد رسمها السيسي ونظامه ومن هم وراءه، منذ طليعة عملهم وبداية حكمهم، وقد يبدو أن أهداف السيسي ورؤيته قد تمركزت حول محاور محددة من أهمها:

أولا: القضاء على الثورة المصرية وإنهاء أي أمل في أن تشتعل جذوتها من جديد.
ثانيا: بناء منظومة اقتصادية تخدم أهداف تثبيت أركان النظام محليا ودوليا وتخدم أهدافه على المديين المتوسط والطويل.
ثالثا: رسم منظومة جديدة للعلاقات الدولية المصرية، والتأكيد على كون مصر عضو فاعل في النظام الشرق أوسطي الجديد.

الآليات والاستراتيجيات ومراحل التنفيذ:

في ضوء هذه الأهداف المرحلية المحددة فقد وظف السيسي ونظامه آليات محترفة وخطط ممنهجة مكنت النظام الحاكم من تحقيق غالبية أهدافه المرحلية بصورة لا تخفي علي محترف ولا تغيب عن متخصص، وقد يمكن تلخيص تلك الآليات والخطط الاستراتيجية في بعض الخطوط العريضة كما يلي، كون التعرض لهذا الموضوع قد يحتاج إلي مقالات ومقالات، وتحليلات لتطبيقات قد نتعرض لها لاحقا:

أولا: القمع الممنهج.. استخدم النظام الحاكم سياسة قمعية غير مسبوقة لم تعرفها مصر في عصرها الحديث، فباتت أعداد المعتقلين تزيد عن الستين ألفا والشهداء بالآلاف، أضف إلي ذلك نظام التعذيب الممنهج في السجون وأعداد المختفين قسريا وهؤلاء الذين تمت تصفيتهم بعد اختطافهم، إضافة لآلاف الأسر المنفية والفارة من جحيم الانقلاب، وقد حافظ النظام الحاكم علي مستوي من القمع والبطش لم يتغير علي مدار ثمانية سنوات فتمكن من إطفاء جذوة الثورة وبات الناس يخشون الحديث في السياسة حتي في أحلامهم، فخرج المصريين من معادلة إمكانية إحداث التغيير الثوري من جديد ولو لفترة غير قصيرة.

ثانيا: تمكن السيسي من بناء منظومة اقتصادية خطيرة وجبارة، لم يستطع حاكم مصري علي مر العصور أن يمررها في مصر وهي منظومة قد تحدثت عنها تفصيليا في عدة مقالات أخري وعرفتها بمنظومة الاقتصاد المسموم، تلك المنظومة التي تركز علي تحسين صورة الاقتصاد الكلي مع تجاهل تأثير آلياتها علي حياة المواطن، ولا شك بأن السيسي سيتمكن إذا ما كان عنده الوقت من أخذ مصر لمرحلة نمو اقتصادي ملحوظ بانت بشائره واتضحت معالمه في تقارير البنك الدولي وصندوق النقد وغيرها من المؤسسات المالية المرموقة، والتي شارك بعضها في تلك المؤامرة الاقتصادية علي الشعب المصري، فأخطر ما يمكن قوله في عجالة أن هذه المنظومة تدفع ثمن النمو الاقتصادي من حياة المواطنين ومن قوتهم وتقضي علي الطبقة المتوسطة تماما، وتستخدم القمع لتمرير أي قرارات اقتصادية متطرفة، وهنا أدعوكم لمراجعة مقالتي عن منظومة الاقتصاد المسموم علي مدونات الجزيرة وغيرها.

ثالثا: تمكن السيسي ونظامه الحاكم منح مصر عضوية النظام الدولي الجديد، حيث باتت العديد من الدول الكبرى تعتبر مصر شريكا فيما يعرف بالحرب علي الإرهاب، كما باتت مصر صمام أمان لأوروبا فيما يتعلق بتدفق اللاجئين، وخاصة في ظل العلاقات المتوترة بين تركيا وشركائها الأوروبيين، ويركز السيسي علي دور الشباب والمؤتمرات الدولية التي تبني صورة ذهنية يعشقها المجتمع الدولي ويقدرها، كما أن الدعم الإسرائيلي الغير مسبوق للسيسي ونظامه ضمن لمصر الحصول علي قروض بلا حدود وكذلك تمرير أي اتفاقيات للتسليح أو الاستثمار وعلي جميع المستويات.

لماذا تفشل المعارضة المصرية؟

قد يحتاج هذا الموضوع لمجلدات وموسوعات لشرحه وتفصيله، ولكنني أزعم بأن الأسباب الرئيسية لعدم قدرة المعارضة المصرية علي تحقيق أي نجاحات هو كالتالي:

أمل المعارضة المصرية يكمن في بناء جيل جديد يحترف التخطيط وصناعة التغيير، ويبني كيانا يكون مركزا لانطلاق التغيير داخليا وخارجيا، يتم تدريب أعضاؤه وتأهيلهم بأيد مصرية متخصصة
أمل المعارضة المصرية يكمن في بناء جيل جديد يحترف التخطيط وصناعة التغيير، ويبني كيانا يكون مركزا لانطلاق التغيير داخليا وخارجيا، يتم تدريب أعضاؤه وتأهيلهم بأيد مصرية متخصصة

أولا: عدم وجود كيان مؤهل لخوض الحرب المحترفة ضد نظام السيسي:
اتضح بما لا يدع مجالا للشك بأن المعارضة قد فشلت في أن توجد كيانا محترفا ومؤهلا لتصدر المشهد، بل مازالت المعارضة التقليدية تحارب وتهدم أي محاولات جديدة لأي كيان مختلف، يساهم ذلك في بقاء مجموعة من الأشخاص تتصدر المشهد وتتلقي التمويل وتساهم بقصد أو بغير قصد في بقاء الحال كما هو عليه وفي فوز السيسي بجولة تلو الأخرى.

ثانيا: غياب الرؤية والأهداف والتخطيط والآليات:
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستطيع رسم خطط أو تحديد أهداف ورؤية أو أليات للتنفيذ إن لم تتمكن في بداية الأمر من تشكيل كيان بقيادة غير تقليدية لتقوم بذلك.

ثالثا: وقوع المعارضة المصرية في فخ حرب الفراغ والأوهام والانتصارات الكاذبة:
تستمر المعارضة المصرية في خدمة أجندات فرعية قد تكون لجماعة أو شخص أو حزب أو ممول، في حين تستنزف تلك الأجندات محتوي الغضب وتفرغه، وتصنع انتصارات وهمية في معارك لا تخدم صناعة التغيير في مصر بأي صورة من الصور، وتبقي المعارضة كما بدأت تركز علي كوميديا السيسي وألقابه وأسماؤه وقيادته للعجل إلخ، في حين يمضي السيسي في خطته محققا لأهدافه.

حل المعادلة:

أزعم أن أمل المعارضة المصرية يكمن في بناء جيل جديد يحترف التخطيط وصناعة التغيير، ويبني كيانا يكون مركزا لانطلاق التغيير داخليا وخارجيا، يتم تدريب أعضاؤه وتأهيلهم بأيد مصرية متخصصة، ليخوضوا حربا سياسية وفكرية وثورية قد تطول أو تقصر ولكن تكون نتيجتها مضمونة ومكاسبها مرحلية، ولا أدل علي فاعلية هذه الاستراتيجية ذلك العنف ورد الفعل الغير مسبوق الذي قابل بها النظام تشكيل المجلس المصري للتغيير والذي كان يمثل نواة لهذه الفكرة.

 

حيث وظف النظام كل آلياته القمعية والاستخباراتية لكي يوقف نشاط المجلس كون هذا الاتجاه هو الأخطر علي النظام الانقلابي المحترف في مصر، ولهذا فآليات المجلس تحتاج لتعديل وتطوير أمكث عليه حاليا مع عدد من المتخصصين لكي يخرج للنور مع بداية عام ٢٠١٩ ومع الحكم في قضية المجلس كي يكون ردا عمليا علي هذا الحكم، أدعوكم للمشاركة بأفكاركم ومقترحاتكم عن كيفية وإمكانية بناء هذا الكيان الجديد المتخصص المحترف من أجل غد أفضل لمصر والمصريين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.