إذا نظرنا إلى النشء الإسلامي من الناحية العملية وجدنا أن عمل التربية للنشء الإسلامي في كل مكان من العالم الإسلامي أصبح ضعيفا جدا. وذلك لأن وسائل التأثير الإسلامي وتنشئة الأخلاق والآراء على المنهج الإسلامي كادت تختفي من آفاق الأسرة المسلمة. فالأسرة المسلمة تمتلئ الآن من الفواحش والقبائح ما يُعجِب الجميع ويُدهِشهم فقد شغل كل أفق من هذه الآفاق وسائل الرَفاَهِيَةٍ الهدامة وطرق تمويج السلوك والسيرة، وإلقاء الأجيال الصاعدة على حب كل جديد، والجري وراء كل لامع وجميل. وقد رأينا عندما كنا صغارا أن الأطفال كانوا يستيقظون على أصوات المؤذن وتلاوة الكبار ويرون أبويهم وأعضاء أسرتهم وجيرانهم يلتزمون بالصلاة مع الجماعة والنساء يرتدين الحجاب إذا خرجن من البيوت، ولكنهم أصبحوا اليوم يعيشون في محيط لا يهتم بهذه الأمور كلها.
فالطفل المسلم الذي كان يستيقظ على تراتيل الذكر والقرآن الكريم، أصبح يستيقظ على أصوات الغناء، والذي كان يرى من أبويه وأعضاء أسرته وجيرانه التزاما بمكارم الأخلاق ورعاية الغيرة الإسلامية وحبا للدين واحتراما لشعائره، أصبح اليوم يعيش في محيط لا يهتم بهذا كله، بل يشاهدون أن وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الغربية المنحررة تنال دائما من الإسلام وشعائره تسب آداب الإسلام وأخلاقه تصفها بالخلفية.
وهذه الوسائل الإعلامية عمت العالم كله، وطغت وشغلت كل ناحيةٍ من نواحي حياتنا العقلية والشعورية، فأصبحنا نعيش في الصحف والإذاعات المسموعة والمرئية، ووسائل الدعاية والتصوير المختلفة، التي تدعو إلى الخروج من المحافظة الخلقية وإلى التحرر من الالتزامات الموروثة وإلى اختيار كل جديد، وإلى الجري وراء كل ممتع ولذيذ. واتخذ زعماء المنهج الغربي في التربية أدوات مؤثرة من المصطلحات والأسماء يعبرون بها الملتزمين ويفردونهم بها عن المحافظة على الموروث القديم، ينسبون إليهم التطرف في كل شيء مع أنها أسماء ومصطلحات خالية من المعاني الحقيقية.
النشءُ الإسلامي اليوم هدف لوسائل الإعلام، فهي تهدف إلى هدمه والقضاء عليه وتجعل كل شيء على مناهج جديدة متحررة الأخلاق والسلوك، وتريد تغيير كل شيء له صلة بالقديم نافعا كان أو غير نافع |
فالرجعية كلمة يستخدمونها للتغيير عن كل قديم وموروث مهما كان صالحا ومقيدا، وقد ثبت من دراسة الأوضاع السائدة في العالم اليوم أن الذين يصفهم رجالُ الفكرة الغربية بالرجعيين هم أحسن ممن يصف غيرهم بالخلفيين في سيرتهم وسلوكهم واحترامهم لمكارم الأخلاق والآداب الإنسانية من هؤلاء المتطرفين المتجددين الذين لا توجد فيهم إلا وحشات خالية من الرحمة والمحبة بين أخوين، وبين قريبين، وحتى بين والد ولده، وبين زوج وزوجته، ولكن هذه الحالة لما وجدت في بيئة المتطرفين فلم بصفهم أحد بأنهم خلفيون ورجعيون، لأن كلمة الرجعيين لا تستعمل لهم ولا يلقبون بها، ثم إنهم يستعملون كلمات المساوات الديمقراطية والاشتراكية، والحرية، ككلمات محبة منقذة الإنسانية من كل ظلم، مع أنها بحور لا ماء فيها.
فالبلدان التي تتمتع بالديمقراطية وتفتخر على غيرها بأن حياتها أفضل من حياة غيرها وحياتها أرقى ألوان الحياة لا تخلو منها بيت ولا أسرة إلا يوجد فيها آفات اجتماعية مختلفة ومشاكل خلقية عديدة، ولا تجد لها حلولا ناجعة، فقطيعة الأرحام وحب التكاثر وطلب أطراف المتع واللذائذ والانغماس فيها والإهمال عن أداء الواجبات الإنسانية والوقوع في الأثرة الفاحشة كلها من الأخلاق السائدة في غالبة البيئات التي تتلقب بالبيئات الديمقراطية.
ولا بد لنا أن نعلم أن وسائل الإعلام تجعل من الشر خيرا ومن الليل نهارا يتحرض بها الأطفال على الخروج من القيم الإسلامية، الابتعاد عن الالتزام بالدين والمحافظة على مكارم الأخلاق، والنشءُ الإسلامي اليوم هدف لوسائل الإعلام، فهي تهدف إلى هدمه والقضاء عليه وتجعل كل شيء على مناهج جديدة متحررة الأخلاق والسلوك، وتريد تغيير كل شيء له صلة بالقديم نافعا كان أو غير نافع، فلا بد لنا أن لا نأخذ من وسائل الإعلام إلا خيرها وما ينفعنا وأطفالنا، ونجتنب منها ما يجعل أخلاق أطفالنا خرابا.
وكذلك يجب علينا أن نعود أطفالنا على القراءة، فإن كثيراً من المفاهيم والقيم يكتسبها الطفل، نتيجة لما يقرأه من قصص في الكتب أو ما يقرأه هو من قصص تتناسب مع عمره الزمني. إنّ الأفكار والقيم التي تتضمنها هذه الكتب في هذه الفترة تكون أكثر التصاقا ورسوخاً وتمثل القاعدة الأساسية لقيمه. ولا شك أنّ الإسلام يحرص على أن يوجه الطفل توجيهاً سليماً نحو ربّه وأهله وأترابه والوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه داخل الأسرة، وخارج نطاق الأسرة، وفي المجتمع العام، حتى يطابق سلوكه أو يقارب المجتمع، ويرضاه الله.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.