شعار قسم مدونات

الحُبّ.. بين المشاعر الصّادقة واللّهفة المُهلكة

blogs فراق

الحبّ هو أن ترى قدرك في عين مُحبّك، تجد فعله يسبق قوله، مشاعره تسبق بَوْحُه، روحه لا تفارقك، سعادته بقربك تقرأها في عينيه، لا تعجزه المسافات، ولا يشغله عنك شاغل إن أراد وصلك. الحبّ هو أن تبلغ أقصى الأماكن وأكثرها مشقّة ولا تشعر بعناء المسافة، الحبّ أمان واطمئنان، الحبّ أكبر من أن تختزله كلمة أو بيت شِعر.

 

"والحقيقة أنّ الحروف تحجب ولا تكشف، وتضلّل ولا تدلّل، وتشوّه ولا توضّح، وهي أدوات التباس أكثر منها أدوات تحديد. وللصّمت المُفعَم بالشّعور حُكم أقوى من حكم الكلمات، وله إشعاع وله قدرته الخاصّة على الفعل والتّأثير. والمحبّ الصّامت يستطيع أن ينقل لغته وحبّه إلى الآخر إذا كان الآخر على نفس المستوى من رهافة الحسّ، وإذا كان هو الآخر قادرًا على السّمع بلا أذن والكلام بلا نطق"

– د. مصطفى محمود

في الحبّ دون غيره، إن رويت أرضا غير أرضك، سَينبُت منها العشب الذّي سيُهلِك جُلّ زرعك. فالحبّ قادر على أن يحوّل الصحاري القاحلة إلى جنان، ينبت الغصون والأوراق في الجذوع المَيّتة، يروي الظّمأ، يهب التّسامح، يُصلح الأمور والأخطاء مهما عَظُمت. في الحبّ، اعطِ قدْر ما توهب، فمنْ وُهِبَ الحبّ وهو يعلم قدره سيردّه بالمثل بل وبأحسن منه. ولا تجعل همّك أن تسيطر على الطّرف الآخر؛ لأنّه إن طاوعكَ وأطاعكَ وكان مِلك هواكَ مَلَلْتَهُ وضجرت حياتكَ معه، وصرتَ تبحث عمّن هو ندًّا لك، فإن صار ندًّا لنْ تقدرَ على تحمّله، ولا تُمَلِّكْهُ زِمام أمرك؛ لأنّك لنْ تقدر على ردّ زحفه إن كان مسيطرًا على كلّ حصونك وقلاعك.

فلابدّ أن تُحكِم السّيطرة على مشاعرك؛ أن تجيد تقدير المسافة بين المشاعر الصّادقة واللّهفة المُهلكة، تتعلّم كيف تُوازن بينهما ولا تُسرِفْ؛ ولا تُغدِقْ فَتَغرَقْ، ولا تُمسِك فَتَهلَكْ! كيف تُمسك بطرف الحبّ؟، ومتى تتركه حرًّا يطير في محيطك دون أن يفلت؟. وكيف ومتى تُداعبه؟، فتشدّ إليك طرف الخيط وتجذبه دون أن يشعر، فيعود ملهوفا! لا تتكلّف في المشاعر، لا تكذب، واصدق القول ولا تعطِ وعودا في لحظات سعادتك إن لم تكنْ واثقًا أنّك قادر على تنفيذها. اجعل فعلك يسبق قولك، فكُثُرٌ همُ الشّعراء والمتكلّمين، ولنْ تَجِد في مواطن الإقدام إلَّا منْ كان صادق العزم.

المرأة هي الرّقم الأصعب في معادلة الحُبّ، حين تخذلنا الظّروف والأحبّة والصُّحبة نجدها الظّهر القويّ الذّي نستند إليه ولا يميل. "فمنْ يستنِـد إلى امرأةٍ تحبُّه لا يسقطُ أبداً"

فإن أردتَ ألَّا تنسى! صُنْ الحبّ، فهو كالدّرع، إن أحسنتَ صقْله وصنعه حَفِظك، وإن تهاونت في بعضه، فلا تدري من أيّة ثغرة ينفد منها السّهم إلى جسدك. كنْ كريمًا جَوادًا في وهْبِك، عزيز النّفس في طلبك. فإن أكرمت الحبّ أكرمك، وإن تعاليت عليه أهانك بالتخلّي. من يعرف الإحسان في الحبّ، يعلم جيّدًا أنّ كل خطوة يخطوها الطّرف الثّاني إليه، ما هي إلَّا قلب أجوف يحتاج إلى أن يُضخّ الدّم فيه كي يهِب الحياة. يعلم أنّ الحبّ يأتي أحيانًا على هيئة تنازلات (هزائم مزيّفة)، لا نسعى فيه للانتصار على الدّوام؛ لتستمرّ الحياة، والأكثر إحسانا من يعلم أنّ ليس كلّ تنازل ضعف وتسليم بواقع؛ بل إكرام وحُسن رَويّة، ويعلم جيّدًا كيف يردّ الإحسان بالإحسان. وأنْ تُرزقَ امرأة تحبّك مخلصة لك؛ وُهبتَ جنّة!، تكتفي بِها، تأثرها دون العالم بأشدّ لحظاتك ضعفا وفرحا، تستجمع بِها شتات قلبك، وتعلم أنّها لنْ تخذلك.

 

فالمرأة هي الرّقم الأصعب في معادلة الحُبّ، حين تخذلنا الظّروف والأحبّة والصُّحبة نجدها الظّهر القويّ الذّي نستند إليه ولا يميل. "فمنْ يستنِـد إلى امرأةٍ تحبُّه لا يسقطُ أبداً"، كلّ الحروب قربها تهون، والنّعيم دونها لا يطيبُ. دونها كلّ الرّقاب والحدود، لا يرقى لقدْرها شيء، ودونها كلّ الأشياء، كرامتها لا تُهان ولا تُذَلّ، ولا يُنقِص قَدْر الرّجل شيء بقدْر ما يُنقِصُه تعدّيه وتطاوله على امرأة مهما كانت الأسباب.

في النّفس لها شأنٌ، لها عظمتها وحرمتها، لها بهاءٌ وسحر، تجود بالغالي والنّفيس إذا ما مسّها سوء. النّفس تَتوقْ إليها والرّوح تشتاقها، ولو كنت في حضرتها. جميلةٌ أنتِ، تشبهين القدس كثيرا في طُهرها، اثنينكما تلفظان الدّنَس، ولا يقربكما إلّا من آذنتما له بذلك، إلّا من أردتما أن تُلقيا عليه محبّتكما. جميلةٌ أنتِ في عيني، للحدّ الذّي تغار منكِ السّماء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.