شعار قسم مدونات

اللغة المفقودة.. عن كتاب البديل المشروع (2)

blogs البديل المشروع

في الحلقة السابقة تحدثنا عن ملمح عام حول هذا الكتاب الجميل واليوم نعرض رؤية الكتاب حول نقطتين:

أولاً: ملمح نموذج التدين عند الخطيب كما قدمه الدكتور آل رشي: 

يقدّم الكتاب نموذجاً دينياً عظيماً لصيقٌ بتربة الوحي القرآني، فهو لا يرى الدين منعزلاً عن معركة الحياة، بل يراه جزءاً وطيداً بكينونة الشعوب وأصيلاً في الذات الاجتماعية لا ينفك عنها وليس كما يسعى متطرفو العلمانية إلى بتره من فطرة الناس. وهو في رؤيته هذه يسعى لإبراز الدين كمحرك لصيق بما توصلت له تجربة البشر، من نضج ورشد رغم أن الدين في ابهى صوره إنما هو قيم محفزة نحو النهضة، والدين أكبر من أن يكون مجرد إفراز عقلي مؤسسي فتلك هي وظيفة الاجتهاد البشري في التوصل لمثال الوحي.

والدين كما ذكر إقبال "في ارفع مراتبه إنما هو سعيٌ لحياةٍ أعظم" فالدين هنا لا يتم تسيسه بل يتم تديين السياسة وبث قيم الدين العليا فيها والمجاهدة لصبغها بأخلاق الدين. تدور فكرة الكتاب الدينية كلها حول هذا المحور المركزي، أو كما يراه الخطيب وعصبةُ المؤمنين المتوثقة بالوحي وبنص السماء الباعث نحو العدل والكرامة.

بيد أن هذا الامتزاج الفلسفي الجميل قد لخصه الكاتب في نقاط مختصرة متحدثاً عن أهم ركائز الدعوة عند الخطيب وهي:

إن الكتاب يسعى جاهداً في فكرته المركزية إلى إذابة فكرة اللاهوت الديني، الذي يدندن في أذهان كثير من العلمانيين. كما يسعى في الآن ذاته لإعطاء الروح الوطنية مكانتها.

1- استقلالية رجل الدين.

2- الحذر من الاستدراج لمواطن الخلاف.

3- الحرص على سمعة ونقاءَ الدين.

4- حفظ المسافة بين الدين والسياسة.

5- لم يطرح الخطيب الدين بشكل رجعي أو تبريري أو خطاب شعائري غايته حصر المفردات في المساجد والعبادة والعقيدة والأخلاق، بل أسس لحالة وعي وحوار وتجديد وانتماء وارتقاء.

6- إن الإسلام أوسع من أي راية رُفعت من أجله وهو بهذا يعمِّق مفهوم الانتماء للفكرة وليس إلى النموذج المحدود. وهذه الرؤية الدينية هي ألصق الرؤى بفكرة الإسلام والتي لا طاقة للمتطرفين الدينيين والمتطرفين العلمانيين أن يستوعبوها إلا أن ينزلوا للفطرة السليمة وليتهم فعلوا.

ثانياً: ثلاثيّة الديني والسياسي والوطني في الكتاب أو ثلاثيتهما في نموذج الخطيب: 

إن الكتاب يسعى جاهداً في فكرته المركزية إلى إذابة فكرة اللاهوت الديني، الذي يدندن في أذهان كثير من العلمانيين. كما يسعى في الآن ذاته لإعطاء الروح الوطنية مكانتها؛ كذلك يجاهد الكاتب في حفظ المسافة بين الديني والسياسي تجنباً للتطرف الذي نتج عن محاولة سلطات الاستبداد في الأوطان العربية إقصاء تيارات الإسلاميين والتنكيل بها. كما يسعى في ذات الوقت لإصلاح الإسلاميين أنفسهم وتجاوز الإيدلوجيا الصارخة والتوجه لسعة الإسلام والخروج من قفص النموذج لرحابة الفكرة.

فيمكن وصف الكتاب بأنه كتاب "توفيقي" فلا هو باللاهوت ولا هو بالتمييع فهو سعي لإحقاق الحق ودفع الباطل، مع الاحتفاظ بخلق المحاربين وأخلاق المقاتلين وتجنب الاقتتال بين من جمعهم مشروع نهضة، وإقامة دولة تشيع فيها الحرية والكرامة. وتعميم ذلك على الشرق الأوسط الذي ظل يئن من وطأة الاستبداد والقهر السياسي.

يمكن تلخيص المزيج بين الديني والوطني والسياسي عند الأستاذ الخطيب في عدة بواعث ذكرها الدكتور آل رشي:

1- أن الإسلام أوسع من أي راية رفعت من أجله وكثيرون يدخلون الجنة من غير طريقة. ولكن لا أحد يدخل الجنة من دون إيمان.
2- احترام أصحاب الاختصاص واجب شرعي ولا فراح للأمة عند نجاوزه.
3- المرأة والرجل متساويان في الكرامة الإنسانية ومتكاملان في دروب الحياة، وأي إهانة لأحدهما فهي عدوان على تكريم الله لهما.
4-المنابر أمانة وليست حرفة، وهي مشروع نهضة أساسي، والساكت عن الحق شيطان أخرس. وإذا كان العالِم يجيب تقية والجاهل يجهل فمتى يتبين الحق؟
5- لا إيمان من دون تضحية، والحق يجب أن يذكر لأنه حق؛ والباطل يجب أن يوضح لأنه باطل، ونرفض مناهج الجبن والهروب.
6- السياسة وسيلة لا غاية، وعمل الأنبياء هو الهداية ونفضل أن يصل الإيمان إلى أصحاب الكراسي على أن يصل أصحاب الإيمان إلى الكراسي.

ومن ذلك كله نكون قد وضعنا للقارئ تعريفاً مختصراً للكتاب محفزاً للولوج في خضم أحداثه والتي فيها روح من التفصيل وتأسيس الأبعاد للفكرة الرئيسية للكتاب. فهذا الكتاب هو جهد لإعادة الروح وتوجيه العقل الثوري للرشاد؛ دون المغالاة والتمييز بين ثوار الميادين وثوار الدبلوماسية. كما يجاهد في إذابة هذه اللغة من التفاضل بين ميادين التخصص فالكل شركاء في مشروع الإصلاح ويجب الاستعلاء على هذه الصغائر التي يستخدمها المستبدين لدس السموم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.