نكتب في التدوينات عن كل شيء، عن المشاعر، عن الأحداث، عن الفكر والمجتمع والأدب والروّاد وغيرهم، فمن يكتب عن الذين يكتبون؟ كل يوم، مع فنجان القهوة الصباحية، أو مع حصاد الأخبار المسائية، وأنت تحاول أن تبحث في الأخبار الفلسطينية عن الأخبار الجميلة، تبدو كمن يبحث عن إبرة في كومة قش. أو عن غرض أضاعه في الظلام، يتحسس كالكفيف فلا يجده.
ثمة نقاطٌ مضيئةٌ في أيامنا الحالكة، يجترحها شعبنا من قلب الأزمات، بعضُها تغطيه الأخبارُ، كمسيرات العودة الكبرى وإنجازات المقاومة في وجه الاحتلال، وبعضها لا تجد من يخصص لها الحيّز الكافي لتغطية إنجازاتها. اعتدتُ شخصياً أن أكتب مقالاً سنوياً أوثق فيه الإبداع الفلسطيني طوال العام، وأنشره هنا بعنوان "حصاد الإبداع الفلسطيني في عام…"، غير أن هذا العمل يحتاج إلى جهد يومي متواصل، لا يقتصر على مقال سنوي.. وهذا ما يحتاج تركيزاً وتفرّغاً للقيام به.
أخبار متناثرة عن إنجازات يتيمة، بحثٌ متقدمٌ هنا، تفوقٌ مميزٌ هنالك، جائزة إبداعية في الخارج، بطولة مميزة على مستوى عالمي.. كانت كلها تضيع وسط تدفّق الأخبار والأحداث اليومية. إلى أن وجدت من يهتمّ بها ويخصص لها وقتاً يومياً لتظهيرها.. حيث تفرّغت للموضوع الشابة الفلسطينية هبة الجنداوي، ابنة مخيمات لبنان، ولم يقتصر عملها على تغطية الأخبار فقط، بل توسعت لترجمة الأخبار الأجنبية عن بعض المبدعين المهاجرين، وامتدت للتواصل مع المبدعين وتبادل الأفكار، ثم صارت مرجعاً تصله الأخبار من كل حدب وصوب. وفي هذا العام (2018) أختارها موقع palestine chronicle من ضمن أربع شابات فلسطينيات الأكثر تأثيراً.
وما زالت هبة الجنداوي تبحث عن أدوات التواصل والتطوير، وتسعى لإنشاء مشروع جائزة الإبداع الفلسطيني، الذي تريده أن يبدأ من فلسطينيي لبنان، وأن تتبناه مؤسسة قادرة على جعلها جائزة دولية لكل الفلسطينيين في العالم. تدير هبة الجنداوي موقع شبكة العودة الإخبارية، الذي سخرته لإنجازات المبدعين الفلسطينيين، وأصبح زاخراً بآلاف التجارب الإبداعية، وأصبح مرجعاً في هذا المجال. فضلاً هواية التصوير التي أهّلتها لأن تقيم معرضاً "انستغرامياً" في احتفالية يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني في لبنان.
الإبداع الفلسطيني يتطور ويتصاعد، وبدأ يجد الصدى العالمي له، في الشهر الماضي (نوفمبر 2018)، خصّصت مجلة ناتشر nature العلمية العالمية تقريرين معمّقين عن البحث العلمي الفلسطيني، فيما يبدو أنه أول من يغطي هذا الإبداع.. ونشرت عدة إحصائيات، منها أن الأبحاث والمراجعات العلمية الفلسطينية تصاعدت منذ سنة 1998 من حوالي 20 بحثاً علمياً سنوياً، إلى أكثر من 600 بحث علمي سنوي في سنة 2017. وفي الوقت الذي ركزت فيه هذه المجلة على إنجازات الجامعات الفلسطينية، تركز الشابة هبة الجنداوي على الإبداعات في كل المجالات المتاحة.. من العلوم والتكنولوجيا إلى الفنون والتصوير والرياضة حتى فن الطبخ، والمسابقات الدولية والإنجازات الفردية والجماعية، وإنجازات ذوي الإعاقة من الفلسطينيين.
تقول هبة: "من خلال الرصد اليوميّ للأخبار وتصفّح موقع "فيسبوك"، وجدتُ أنّ هناك الكثير من المبدعين الفلسطينيين لا ينالون حقهم من الاهتمام وتسليط الضوء على إنجازاتهم التي ذاع صيتها عربياً ودولياً.. ومع كون الواقع الفلسطيني تسوده حالة من الجمود السياسيّ والمناكفات السياسية وقضايا تثير الهموم من حصار غزة وتهويد القدس، وتصفية وكالة "الأونروا" الشاهد على اللاجئين، كلّ تلك الأخبار تجثُم على صدور شعبنا محاولةً خنقه.
في المقابل، هناك مواضيع متعلقة بإبداعات الشباب والتي تُعدّ جانباً مشرقاً يعيد الأمل لشعبنا، والهيبة لقضيتنا في كافة المحافل الدولية.. لذلك أخذتُ زمام المبادرة وبدأتُ مشروع البحث عن المبدعين الفلسطينيين؛ وخصوصاً الشباب منهم، بقدر ما أستطيع من تقديم الجهد والوقت لهذه المبادرة، في كافة أماكن تواجدهم وأسلّط الضوء على إنجازاتهم لعلّ الجميع يرى أنّ الفلسطيني لا يقف في طريق نجاحه احتلال أو حصار أو لجوء". أمام هذا التحدي، تحدي عدم تسليط الضوء رسمياً على إنجازات شعبنا، رأيت أن أكتب هذه التدوينة، لكي يلتفت المتمولون الفلسطينيون إلى إبداع شبابنا الذي يضطر إلى الهجرة، لعلّه يجد من يرعى موهبته في الغرب. فهل سيلقى دعم مشروع جائزة الإبداع الفلسطيني في الخارج تجاوباً واستنهاضاً، في ظل غياب تبنّي الجهات الرسمية له، وتكون جزءاً من تثبيت أبناء شعبنا في أماكنه والعيش بكرامة حتى العودة إلى بلاده.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.