الابتزاز العاطفي جريمة مكتملة الأركان في عرف علوم النفس الإنسانية، ولولا عدم وجود سلاح للجريمة وجثة لكانت جريمة مكتملة الأركان القانونية كذلك، وهذا المقال جزء يتناول التقنيات المفسية والسلوكية التي يستخدمها المخلوق الذي يمارس الابتزاز العاطفي.
لو أراد أي عاقل أن يحدد أسوأ السلوكيات البشرية التي تهدم العلاقات الإنسانية وتهدد استقرارها وتؤثر سلبًا على النفس والعلاقة لكان اللوم على رأس هذه القائمة فاللوم المزمن والمتكرر هو شكل من أشكال الاعتداء العاطفي وحتى لو كنت في الواقع مسؤولًا عن بعض المواقف والأفعال السلبية لكن لا يعني بالضرورة استمرار الحصول على التقريع والتأنيب واللوم المستمر إذ اللوم هنا شكل غير لائق بل وغير مثمر من التواصل بين المحبين والأصدقاء أو أفراد الأسرة.
ولأن اللوم يضع الشخص الملام في خانة الدفاع المستمر فهي تقنية حيوية جدًا للمبتزين عاطفيًا حيث يبقي الطرف الآخر في حالة حزن مستمر ودفاع عن نفسه طول الوقت. ومن أسوا أنواع اللوم للمبتز عاطفيًا أن يلوم الطرف الآخر حتى على الأفكار والنوايا والمقاصد بل والأفعال التي لا دخل له فيها كاختيار وقت الخروج ثم تمطر السماء فيلومه على شيء خارج عن إرادته.
وأثر هذا اللوم الدخول في دائرة عميقة من ضعف الثقة بالنفس والنظرة الدونية لها وتحميلها مسؤوليات كل عجز وفشل في العلاقة المشتركة مما يؤدي إلى قبول هذا الطرف لمزيد من الابتزاز القائم على فكرة استحقاقه للوم بسبب العجز والتقصير. هذه العبارات المؤلمة قد تمثل بذور الاضطرابات الضخمة مع احترام الذات وتقدير النفس والتعامل مع الحياة بشكل أفضل.
اللوم يضعف العلاقة الحميمة ويهدم الثقة والأمان ومن الواضح أنه من الصعب الاقتراب من شخص ما أو الحفاظ على علاقة وثيقة معه عندما تكون ذراعه ممدودة بأصابع الاتهام طول الوقت. وهذا الضعف لا يؤثر في ممارسي الابتزاز العاطفي بل يجعلهم أكثر سيطرة إذ لا يضره في الحقيقة حالة الطرف الآخر ولا معاناته بل ولا راحته بل تسيطر عليه مشاعر الأنانية والفوقية.
التمارض هو حالة نفسية وسلوكية حيث يتظاهر الشخص بكونه مريضًا أو يستعرض بعض الأعراض لأمراض معينة لنفسه وفي بعض الأحيان تعرف باسم "الاضطراب المفتعل" |
بمعناه الشامل والعام فالتجاهل لمشاعر الطرف الآخر واحتياجاته النفسية قبل المادية من مثل الشعور بالأمان والراحة والتعاون والهدف المشترك والمرح والهدوء والمغامرة والاستمتاع والتواصل إلى التجاهل المادي من ثياب وطعام ودراسة أو حتى علاج. وابدأ أيها القارئ بتصور اجتماع اللوم المستمر مع التجاهل للاحتياجات النفسية والمادية كتقنيات للابتزاز العاطفي لتتكون لديك صورة مبدئية عن الشخص الذي يتعامل هذا المقال معه.
فهو الوحيد في العالم الذي يذهب للعمل للنفقة على بيته وأولاده وهو الوحيد المنزعج من وظيفته وهو الوحيد الذي يتعرض للحر والبرد في الطريق وهو الوحيد الذي يفني صحته وعمره وعافيته لأجل وضع الطعام لأسرته على المائدة والسقف فوق رؤوسهم والثياب على أجسادهم. إن حكى عن شيء في عمله هوّل من جهوده وحاجتهم إليه وأنه من غيره سيغلقون الشركة وإن تكلم عن مشكلاته كأنه وزير المالية الأمريكي في أعوام الركود الاقتصادي.
يبالغ جدًا في وصف أخطاء زوجته وعياله فمن نزل درجة في الاختبارات كأنه رسب عنده وبعض الملح الزائد في الطعام يعتبر فشلًا وعجزًا لدى زوجة تطبخ له من عشرين سنة وحذاء في غير موضعه علامة على فشل الأسرة في ضبط حياتها وواقعها ومستقبلها. الويل كل الويل لمن لم يستجب لأوامره ونواهيه فأنت الابن العاق الذي تنزل عليك اللعنات من السماء سأبقى غاضبًا عليك إلى الأبد لا تمش في جنازتي ولا تأخذ عزاي ولا تقف على قبري لا أنت ابني ولا أعرفك سأتبرأ منك إلى الأبد في حالة مسرحية متكلفة وباردة.
وهي تقنية عجيبة يمارسها المبتز عاطفيًا لمن حوله فهي مرحلة من المراحل فدعوى ارتفاع ضغط الدم والسكر في الدم وأشعر بدوخة سيغمى علي أوصيكم بأمي خيرًا سامحوني لو مت أنا حاسس أني سأموت ولولا معرفتنا بأنها تقنية من تقنيات الابتزاز العاطفي لقلنا إنها اضطراب ومتلازمة مانشاوسن وهي حالة نفسية وسلوكية حيث يتظاهر الشخص بكونه مريضًا أو يستعرض بعض الأعراض لأمراض معينة لنفسه وفي بعض الأحيان تعرف باسم "الاضطراب المفتعل". أما صاحبنا فيمارسها ابتزازًا ومحاولة منه للتخلص من بعض المواقف التي سيظهر فيها خطؤه واضحًا بحيث يلزمه الاعتذار أو التسليم بالخطأ فيمارس تقنية التمارض لهذا الغرض حتى تقول الأم : خلاص ما أحد يضغط على بابا فهو مريض ومتعب حصل خير.
سأشتري لك سيارة وأغير لك البيت والآن ننزل للسوق لشراء أغراض وثياب لك وللأولاد أنا أحبك وأرغب في استمرار زواجنا لماذا تريدين حرماني منك ومن عيالي؟ ثم يتقمص شخصية توفيق الدقن في الأدبيات المصرية حيث المكر الذي تستره الدموع الزائفة والعبرات المصطنعة يبكي ويبكي ثم يبكي حتى يشفق الجميع عليه ويبدأ قلب الحقائق ولوم الزوجة والأبناء هل رأيتم كيف أوصلتم أباكم وزوجك إلى هذه المرحلة؟ يا حرام مسكين هذا الرجل والله عيال آخر زمن وزوجة مفترية ودموعه تنهمر وقلبه يسخر من حماقة هؤلاء الذين يستجيبون لشيء بسيط مما يمكن له أن يفعله ليحصل على ما يريد بالطريقة التي يريد.
هكذا بيته وبيئته بيئة يعتاش هو فيها على توتر الشخصيات الأضعف في البيت فهو كمصاصي الدماء يعتاش فضولًيا متسلقًا لا على أموالهم في غالب الأحيان بل على ضعفهم ومشاعرهم ونفسياتهم وعاطفتهم المبذولة له رغبة أو رهبة رضًا أو قسرًا فلأجل أن يتخلص كل من حوله من التوتر والقلق والاضطراب وحالة الانزعاج الحياتي المستمر يستجيبون لكل رغباته وأهوائه فبالتوتر يحصل على ما يريد وبتوترهم يمتص حياتهم ومشاعرهم واستقرارهم هل يفرق معه ألم من حوله؟ لا وألف لا همه الأول والأخير والوحيد أن تمشي الحياة وفق رغباته وقراراته وإذا كان التوتر هو السبيل لحصوله على ذلك فليكن.
وهي شكوى غالبهم وهي شكاية مغرضة كاذبة فغالبهم لا مشكلة مادية لديه ولا متاعب مع النفقة ولا المال إلا كحال غالب الناس لكنه يخدع ويمكر بحيث ندور في فلك فكرة التهويل والمبالغة أنتم لا تعرفون كيف آتي بالمال لأطمعكم وأكسوكم؟ لو تعرفون ما بي لاستحييتم مما تفعلونه بي أنا في مشاكل في الشغل لا يعلمها إلا الله وحالتي المادية صعبة وأحرم نفسي من كل شيء لتأكلوا وتشربوا ولا تشعروا بأي تقصير وخلال يومين يدخل عليهم بشكل جديد فقد اشترى ثيابًا جديدة لنفسه وذهب إلى الحلاق وغيّر من طريقة تسريحته ويعيش حياته على مزاجه.
هل ستتركوني وحيدًا؟ أبعد كل هذا العمر والعشرة؟ هان عليكم أبوكم أن تتركوه هكذا؟ أما كان بيننا أي خير كزوجين لهذه الدرجة فتنسينه؟ أنا كبرت الآن ومريض وأحتاج للرعاية والعناية لماذا هذه القسوة معي؟ أما فيكم قلب ولا عاطفة؟ العشرة ما تهون إلا على ابن الحرام. أنا عارف إنك بنت حلال وأصيلة وعمرك ما ترضي لي إني أموت وحيدًا من غير زوجتي وعيالي. أنا حياتي ستنتهي لو طلقتك لن أستطيع العيش بدونكم بدونك سأموت.
والله لو لم تستجيبي لي سأتزوج عليك سأمنع مصاريف الكلية لن تسافروا هذه السنة لا ثياب ولا دروس ولا استمتاع ولا شيء أبدًا حتى تفعلوا ما آمركم به وبالطريقة التي أريدها وتكونوا شاكرين ممتنين لكل شيء أقدمه وتظهروا ذلك بل وتصرحوا به وعلى الجميع الاستجابة للابتزاز العاطفي وإلا وقع التهديد. وفي بعض الأحوال النادرة يهدد المبتز عاطفيًا بإيقاع الضرر البدني والجسدي على نفسه أو على الطرف الآخر.
والوصف بكلمة المادي لتتعدى المعنى "المالي" فيقع الاستغلال الجسدي للزوجة بإجبارها على الجماع أو الخدمة الزائدة عن القدرة والاستغلال لحاجة العلاج فيمنعه أو يعطله حتى تقع الاستجابة لمطلوبه. وقد يقع بالمال أيضًا في أحوال مخصوصة كما لو كانت الزوجة عاملة بالوظيفة أو التجارة وغالبًا ما يظهر هذا النوع مع الزوجة حين ترث تركة فيبتزها عاطفيًا ويخيرها بين التركة وبينه وغالبًا تختاره هو وتسلمه كل شيء متوهمة أنها تفعل الخير أو أنها تحبه.
وأختم هذا المقال بأن أطالبك عزيزي القارئ أن تتخيل شخصًا يمارس هذه التقنيات متتابعة أو متفرقة أو مجتمعة على من حوله: لوم وتجاهل ومبالغة وتمارض وبكاء وتوتر وشكوى المال واستجداء العطف والتهديد والاستغلال المادي بأنواعه. أخبرني عن حياة من حوله أخبرني عن معاني المودة والرحمة والود واللطف والرفق في حياة هؤلاء.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.