لكي تعرف مدى قسوة العالم، انظر إلى معاناة أطفاله، فالطفل في بلداننا الآن يفتح عينه على قسوة وظلم وقهر لم يتحمَّله الكبار فكيف سيتحمَّله هو. إما يفتح عينيه على مجاعات وحصار وأسرة لا تستطيع توفير قوت يومها وتتصارع مع الحياة لتؤمن ولو وجبة واحدة فقط في اليوم، فيستقبله الشارع ليكون مأواه الأساسي في الحياة ينتقل من شارع إلى شارع ماداً يديه إلى أفراد ليسوا بأكثر رفاهية منه كثيراً.
فأصبح الجميع في دوامة واحدة، وهي دوامة الفقر والمجاعات. أو أن يفتح عينيه على احتلال وظلم وصوت القتل والقهر، وغالباً يسمع صوت الرصاصات تخترق جسد أحد والديه أو كلاهما، قبل حتى من أن يتمكًّن من تمييز صوتيهما عن غيرهم. وقد يفتح عينيه على بلد عنصري، بلد اختلت موازين الصواب والخطأ فيه، بلد تتفوق فيه نسبة الجهل وتتخطى النصف بمراحل. تلك الصورة التي انتشرت مؤخراً على السوشيال ميديا لبائعة حرة كانت تفترش الأرض، وجاءت الشرطة لتدمر فرشتها على الطريق وتضيع ما كانت تحلم تلك السيدة أن تجنيه من فرشتها.
عندما نُقدم للأطفال عالم بهذا الشكل في مراحل عمرهم الأولى، ذاك العالم الذي طبع في قلوبهم كره الحياة وهم مازالوا في بداية حياتهم، هل سيكون لدينا الحق في محاسبتهم عندما يكبرون.. |
تلك الصورة التي تحمل معها كل معاني القهر والحسرة والذي لفت انتباهي طفلها الصغير القابع بجوارها، وعليه نفس ملامح الحسرة التي تسكن ملامح والدته وهو على صغر سنه يشعر بحسرة وحزن والدته. فكرت في ذلك الطفل والشعور الذي سكن قلبه وهو ظلم واستبداد العالم من حوله وكرهه للفقر الذي ارتبط بأمه وأسرته كلها من طفولته بكل تأكيد سيُطبع بقلبه كره العالم.
وجدتُ نفسي أتساءل عندما نُقدم للأطفال عالم بهذا الشكل في مراحل عمرهم الأولى، ذاك العالم الذي طبع في قلوبهم كره الحياة وهم مازالوا في بداية حياتهم، هل سيكون لدينا الحق في محاسبتهم عندما يكبرون ونجدهم قد أصبحوا قساة القلب واتجهوا لجلب المال بطرق كثيرة غير مشروعة، وعندما يصبحون بشر غير أسوياء؟ سؤال راودني كثيراً عندما وجدتُ نفسي أشاهد النسخة السينمائية لفيلم ديزني الشهير (الجميلة النائمة) والذي كنت أظنه سيعرض تلك النسخة التي نعرفها جميعاً من الفيلم الكارتوني.
تلك الفتاة المسكينة الطيبة ابنة الملك الذي اضطر أن يُبعد ابنته عن أعين الساحرة الشريرة، حتى لا تؤذيها بتعاويذها وتهلك ابنته الوحيدة من أثر تلك التعاويذ. جميعنا قد كره تلك الساحرة الشريرة في صغره، وذلك هو التسلسل الفكري الطبيعي. حيث أن القلوب تنجذب إلى الطيب، ولكن القلوب جميعها فطرتها الطيبة فلماذا أصبحت تلك الساحرة بكل ذلك الشر؟ هذا ما وجدته في نسخة ديزني السينمائية، وهو قصة تُجيب على سؤالي بأن الشر لا يخرج من تلقاء نفسه في معظم الحالات. لكن العالم وقسوته وظروف الحياة هي التي تُجبر أنواع كثيرة من البشر، خاصةً الضعاف أساساً بطابعهم إلى التحول من الطيبة والضعف، إلى القسوة المصطنعة التي أول مَنْ تحطمه هو صاحبها للأسف وأيضاً لأنها تؤلمه وتُقهِر إنسانيته.
الفيلم الذي يُسمى ملافسينت الذي تقوم ببطولته أنجلينا جولي، والذي تجسد فيه شخصية الساحرة الشريرة وكانت في صغرها جنيَّة تحمل من البراءة والطيبة الطفولية. حيث كانت تكره البشر بسبب ما يفعلوه في بلادها ولكن القدر سيجعلها تحب شاب بشري يحاول أن يغير شعورها اتجاه البشر، وبعد أن تصدقه وتُغير شعورها اتجاه البشر ستُصدم بخداع ذلك البشري لها ويقص جناحها مُرسلاً إياه إلى الملك.
وتمر الأحداث وسيصبح ذاك البشري هو الملك، وسيكون هو والد تلك الفتاة التي ستريد الساحرة التي أجبرها ظلم العالم بأن تتحول من الطيبة إلى الشر، وستريد أن تنتقم من الملك عن طريق ابنته ولكن ستغلب طيبتها كرهها للملك وحبها ورغبتها في الانتقام.. وستحب الفتاة حباً حقيقياً وستساعدها بعد ذلك. المقصود من كلماتي تلك هل جزاء الإحسان إلا الإحسان فلنجرب أن نُحسن جميعاً إلى بعضنا حتى نكون بشر أسوياء وحتى لا تُظلَم الأجيال القادمة بذلك العالم الذي نشوهه نحن بأفعالنا الآن.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.