لا شك أن العالم الإسلامي يعيش اليوم فترة ركود وتقوقع لا سابق لها في التاريخ. عن إشكالية الاقتصاد والتطور والثقافة، يبقى العالم العربي الأقل نمواً وتأثراً بكافة الأدوات والعناصر المستجدة على عالمنا اليوم، هذا رغم كل ما يبذله الشباب من خطوات لدحض وجهات النظر هذه. إن جوهر المسألة تتعلق بكيفية فهمنا للحياة، ومسألة أن اللُبنة الذهنية التي تجمع كل فئات المسلمين أو ما يسمى اللاوعي الجماعي تقوم على مبدأ أن الله هو القادر، وهو المغير، وبيده كل شيء، وعلى الناس التوكل وما إلى هنالك. ولكن إلى أين يأخذنا هذا النسق الذهني؟ وكيف نخرج من هذه الصورة النمطية؟
إن من يتابع الحالات النفسية المستجدة في مجتمعنا القريب – أُتابعها شخصياً – وخاصةً القلق والإحباط والاكتئاب، يرى أن أغلبها نابع من منطلق القدر والحظ وما إلى هنالك. في قراءة للدكتور على الوردي في كتابه (اللاشعور) نجد أنه كرّس جزءاً واسعاً من كتابه على منطق التواكل وفهم الغيب – قراءة على المجتمع العراقي. يقول العلماء أن عقل الانسان بطبيعته تحليلي، هو يحلل كل شيء، كل ما يراه ويسمعه ويشعر به. باعتقاد الدكتور وردي – وهو عالم نفس اجتماعي تخرج من جامعة تكساس في خمسينيات القرن المنصرم – أن وظيفة عقل المجتمعات الغيبية شبه معطلة اليوم، وذلك بفعل إرجاء كل حدث ومستجد للغيب والقدر، أننا غير مبرمجين لتحليل وتبرير الخسارة أو الفشل أو حتى النجاح، فهو دائماً بيد الله وليس بفعل الإنسان.
إن الله خلق ثوابت وقوانين أرضية ثابتة على كل البشر، هي قوانين ما زلنا نسعى للوصول إليها واكتشافها مع تقدم الزمن، وأكثر من ذلك، هي تندرج في طبيعة الانسان لاكتشافها والعمل بها. |
حيث أن أساس التخلف والجمود بنظره، هو البقاء على هذا النسق الذهني في إدراك الأمور والأحداث. إن الله خلق ثوابت وقوانين أرضية ثابتة على كل البشر، هي قوانين ما زلنا نسعى للوصول إليها واكتشافها مع تقدم الزمن، وأكثر من ذلك، هي تندرج في طبيعة الانسان لاكتشافها والعمل بها. هي نظرية انطلق منها الدكتور الوردي لشرح وجهة نظره، وقد أضاف إليها مبدأ أن كل انسان (مركز ذاته) ومنطلق لطاقات سلبية كانت وإيجابية. أي أن الأمر يعود للإنسان في استقطاب الحظ السيء أو الجيد، وذلك من خلال طاقات لاشعورية تتعلق بالدماغ والجسد.
لا أخفي أن هذا الكتاب حقق نتائج جذرية في خرق المعتقدات السائدة عن الغيب لدى شريحة لا بأس بها من الناس مع تجدد طباعات هذا الكتاب وإعادة إحيائها في ال 5 سنوات الماضية، إذ نستطيع أن نشاهد التعليقات والآراء عبر أي منصة رسمية تتعلق بالكتاب. وفي إطار آخر، تحدث ماكس فيبر في كتابه (الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية) عن أن من أسباب تقدم الانجيليين، مبدأ أن نجاح الدنيا يعكس رضا الله في الأعلى، وهو نسق ذهني جمعي يقود إلى فكرة أن من نجح في الدنيا فهو سعيد في الاخرة والعكس صحيح، من سقط في الدنيا سقط في الاخرة، وهو بشكل أو بآخر يحفّز الجهد الذهني للنجاح والعمل والاستقامة.
وقد استفاض في شرح وإبراز هذه النقطة في العقيدة المتبناة ودورها في تطور وتوسع المجتمعات الانجيلية، وهي بشكل خاص مجتمع أميركيا وألمانيا وانكلترا ذو الأغلبية لتابعي هذا المذهب. قد يبادر إلى البعض مقولة كارل ماركس أن الدين هو (أفيون) الشعوب، وهو يندرج حقيقةً تحت نوايا الإلحاد والعزوف عن الإيمان بالوجود، وهي بطبيعة الحال تختلف عما تطرقت إليه عن ضرورة الايمان بالله الخالق عز وجل. هي شخصياً دعوة صريحة نحو ربط الواقع الذي نعيشه بطريقة فهم النصوص الدينية التي اكتسبناها والتي يتشارك بها فوق المليار إنسان.
ثانياً، هل فعلاً نحن مدركون لطبيعة تصوراتنا الذهنية عن الغيب وسير الحياة وهل نحن بحاجة لتعديلها؟ برأيي أن النصوص الدينية والأحاديث النبوية مليئة وواسعة بما استحضرناه من وجهات نظر عبّرنا عنها، هي ليست دعوة إلى تغيير الدين أو المذهب، بل هي دعوة مباشرة إلى المنابر الدينية ومحركي الرأي العام عن علاقة فهم الغيب والوجود بالواقع الاجتماعي والإنسان ككل، وهي فرصة لإعادة التموضع والهروب نحو الأمام.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.