الدراسات الصومالية هي عبارة عن فرع بحثي متعدد التخصصات من الأدب مرورا بالتاريخ وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا والدراسات الاسلامية ودراسات الفنون. فأنتجت هده الحقول مجموعة من الدراسات والمعارف المرتبطة على الأمة الصومالية. وبعد انهيار الدولة الصومالية اكتسبت الدراسات الصومالية أهمية بالغة جدا لفهم أسباب الحروب الأهلية وانهيار الدولة والكوارث الطبيعية وأسس المصالحة بين القبائل، والتطرف الديني والقراصنة، وغيرها من الظواهر التي ارتبطت بالواقع الصومالي.
جمعية الدولية للدراسات الصومالية SSIA والتي تأسست عام 1978، تعتبر أهم مؤسسة بحثية تشمل الباحثين المهتمين بالدراسات الصومالية. انتخب البروفيسور حسين أدم تنزانيا رحمه الله كأول رئيس، وجاءت فكرة المؤسسة في المؤتمر الخامس للدراسات الأثيوبية في شيكاغو في عام 1978. ومع ذلك لم يتم تدشينها رسميا إلا في 4 نوفمبر في نفس العام. وتزامنت توقيت تأسيس الجمعية فورا بعد الحرب الصومالية-الإثيوبية في عام 78/1977 حيث كانت الدراسات الصومالية حقلا هامشيا من الدراسات الأثيوبية، فأصبحت مرفوضة عند بعض الباحثين الصوماليين وعلى هذا الأساس تم فصل الدراسات الصومالية من الدراسات الأثيوبية كليا.
الدراسات الإسلامية: الفقه والتصوف
في المقام الاول تأتي الدراسات الفقهية باعتبارها منهجا علميا له أسس بحثية، بداية الدراسات الصومالية حيث يمثل الشيخ اويس البراوي من أوائل المثقفين الصوماليين، وقد يعتبره البعض مؤسس الدراسات الصومالية. ولد شيخ أويس البراوي في مدينة براوه والتي تقع على ساحل بنادر وهو من أسرة متدينة معروفه بالعلم والدين. درس العلوم الإسلامية، القرآن والتفسير والنحو وعلم التصوف على يد الشيخ أحمد شيخ تيني الشاشي. وقد سافر الشيخ أويس إلى بغداد، وقد تركت عليه أثرا بليغا في نفسه وتلقى إجازة من أبرز علماء القادرية في بغداد.
تطورت الدراسات الإسلامية لاحقا وذلك بسبب التطرف الديني السائد، ومشكلة هذه النوع الدراسات أنها اكتفت بالجانب الأمني أكثر من الجانب المعرفي الأكاديمي |
وقد كان الشيخ وغيره من العلماء الصوفية بمختلف طرقهم نجحوا في خلق جسر توافقي بين المجتمع وبين الدراسات الإسلامية المكتوبة باللغة العربية، حيث قاموا بصوملة الفقه وفق متطلبات الواقع الصومالي. الشيخ أويس أسس فرع صوفيا أخذ اسمه حيث اتخذ الشيخ بلد الأمين قرب مدينة أفغوي على بعد 40 جنوب غرب مقديشو مقرا له، ومن أبرز طلابه الشيخ عبد الله القطبي والذي بدوره ذهب إلى الأزهر الشريف وأصبح من أبرز علماء الصومال في القرن العشرين.
وقد تطورت الدراسات الإسلامية لاحقا وذلك بسبب التطرف الديني السائد، ومشكلة هذه النوع الدراسات أنها اكتفت بالجانب الأمني أكثر من الجانب المعرفي الأكاديمي، وقد يعتبر الآن الدكتور عبد الرحمن باديوا من أبرز الأكاديميين الصوماليين في مجال الدراسات الإسلامية. ورغم تعرض الدراسات الإسلامية تشوهات كثيرة، ذلك من قبل النهج التعليمي الحديث حيث أصبحت كلية الشريعة من أضعف الكليات العلمية على الإطلاق. فعند قدوم الاستعمار تطورت الدراسات الصومالية بشكل أكثر منهجيتاً حيث ظهرت المدراس الحديثة وأهمل الدراسات الإسلامية واللغة العربية بشكل كبير، وأصبحت اللغة الإنكليزية لغة الدراسات الصومالية.
المدرسة الحداثوية: الاستشراقيون الوظيفيون:
يمثل البريطانيين ريتشارد بيرتون Richard Burton و أ. م. لويس I. M. Lewis والإيطالي انريكو سيرولي Enrico Cerulli اباء الاستشراق في الدراسات الصومالية حيث قدموا الأطروحات الأولية عن الصومال بمنهجية حديثة. كانت المدرسة الوظيفية Functionalist تهيمن البحوث والدارسات الإنثربولوجية بصورة عامة، وكانت هذه المدرسة التي يقودها كما ورد اسماه من قبل تدرس الهيكل الاجتماعي وعلاقته بالحداثة وتركز الانتقال من التقليد إلى الحداثة، وتستند نظرياتهم بالاعتقاد بأن التقدم يقوم بنفس الأسس الاقتصادية والسياسية التي تقدم بها الغرب، بحيث تسعى هذه المدرسة إلى الغاء كل المؤسسات التقليدية ومن بينهم الاسلام والعشيرة كالحالة الصومالية بالضبط، وكان هذه المقاربة هي المهيمنة في الدراسات الصومالية في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، واتبعها معظم قادة الحركات القومية في دولة ما بعد الاستعمار الحديثة، تقاليد المدرسة الاستشراقية ونظرية التحديث ومنها تم وضع اسس الدولة الحديثة والقومية الصومالية.
المقاربة الماركسية:
وهناك في نفس المستوى باحثين صوماليين وغيرهم انتقدوا مقاربة المدرسة الاستعمارية وتقاليدها لأنها تفرض قيود على الثقافة الاجتماعية ومن بينها الإسلام، ويفتقر الخصوصية التاريخية والثقافية بل يحاول أن يطمس هذا التاريخ ويلغيه لصالح التحديث، وبالتالي فإن المجتمعات يحق لهم حفظ خصوصياتهم. استرشدت هذه الأطروحة بالماركسية وابرز علمائها ليدوين كانتبنجر وعبد إسماعيل سمتر وأحمد سمتر، غير أن الاخوين سمتر قاموا بتغير وجهة نظرهم واتجهوا إلى منظور أكثر شمولية يقوم على تحليل المجتمع الصومالي التقليدي في إطار نموذج ثلاثي يضم، العشيرة TOl والقانون التقليدي Xeer والشريعة الإسلامية، حيث يشير أحمد سمتر إلى الحاجة إلى عمل توليفة ناجحة بين القرابة والدين والدولة، وفقا لهذه النظرية فإن الديناميات الداخلية بينهم والتفاعلات بين عناصر هذا النموذج (العشيرة والقانون-حير- والشريعة) ملزمة جدليا، ويعترف سمتر بأن الصعوبة يمكن في الانتقال والتفاعل.
ما بعد البنيوية: مدرسة اختراع الصومال:
بعد انهيار الدولة ظهر مقاربة أخرى ونزعة تم فيها نقد المنظورين المذكورين أعلاءه، حيث تسعى هذه المقاربة إلى إعادة قراءة التاريخ والروايات والأساطير التي ساهمت صناعة التصور الصومالي، ويحاولون إلى أزالة الغموض عن الصورة التقليدية للصومال باعتبار أن هذه الصورة شيدها "القوميون المثاليون" وعلماء الاستعمار، والعشائر المرتبطة بالاستعمار التي هيمنت دولة ما بعد الاستعمار.
وعلاوة على ذلك فإنهم ينتقدون ذلك التاريخ المبني على الشوفينية، الذي يركز على الرعاة الشماليين على استبعاد وإقصاء السكان الزراعيين الجنوبيين في الصومال، وانطلاقا من هذا التصور قاموا بمراجعة وإعادة النظر في الرموز الوطنية التقليدية والأساطير والتجانس العنصري والوحدة اللغوية والثقافية والذاكرة التاريخية المشتركة. ومن أبرز رواد هذه المقاربة مجموعة من النخبة أمثال الدكتور محمد حاج مختار، وأستاذ علي جمعالى، وعبد كوسو وحسن مهد الله، وكاترين بستمان.
ومن الأعمال المهمة التي قاموا بها نشر مجموعة أوراق في كتاب واحد بعنوان "اختراع الصومال" The invention of Somalia” التي حررها الأستاذ علي جمعالى وكذلك الأستاذ عبدي كوسو. وتكمن محور موضوعهم بالمظالم والطبقية والتحيز للبداوة واحتكار التاريخ والدولة والثقافة.
مقاربة النقدية التابعة للمدرسة البنيوية:
هناك منظور أخر وهي بالذات مقاربة يمكن تشبيها بالتجميعية Comprehensive perspective وتعيب هذه المقاربة جميع المقاربات السابقة بإهمالهم المرأة والإسلام في أبحاثهم وتحليلاتهم، وتتفق هذه المقاربة مع أحمد سمتر عن دور الإسلام في بناء الدولة الصومالية، ويمثل الأستاذ عبد الرحمن باديو من أهم المنظرين في هذا الاتجاه، وخاصة في بحث بعنوان القبيلة والقومية والإسلام، أزمة الولاء السياسي في الصومال، وهذا الدراسة قدمها لنيل درجة الماجستير إلى معهد الدراسات الإسلامية في جامعة ماكجيل.
وتحتج هذه المقاربة بأن الولاءات المتعددة المستويات تخلق نزاعا داخليا بين الأفراد والمجتمعات والأمة بأسرها، وتطالب بطرق سليمة بالتوفيق بين هذه الولاءات، وبالتالي فإن المرأة الصومالية تعتبر مهمشة في التاريخ والدراسات لذلك تسعى هذه المقاربة بإعادة النظر في الأبوية التي تهمش دور المرأة أو تفرض عليها قيود يمنعها من المشاركة في صنع القرار. وتقترح أيضا بإعادة النظر في العشيرة والانتقال من القبيلة والقومية إلى الدولة والمجتمع.
دراسات البيض: الدراسات التابع بطبعتها الصومالية:
قدم مجموعة من الأكاديميين الصوماليين رسالة مفتوحة إلى الباحث الألماني المهتم بالدراسات الصومالية الدكتور ماركوس هوين Markus Hoehne ومجلة صوماليلاند للدارسات الأفريقية، حيث أشاروا أنهم منزعجين جدا من تصريح سيد هوين في الفيسبوك واستبعاد الباحث الصومالي والهيمنة الغربية في مجال الدراسات الصومالية بشكل أعم.
من هناك تم إطلاق هاشتاج دراسات البيض Cadaan Studies. لكننا يجب أن نتوقف قليلا في رد سيد هوين الذي أصر بأن العمل في ميدان الإنسانيات والعلوم الاجتماعية يحتاج إلى وقت وإلى مثابرة، حيث قال أنه يجلس في اليوم ثمانية ساعات وقراءة وكتابة شهورا لأجل كتابة نص ما، وإضافة إلى ذلك انعدام نوعية التعليم العالي في العلوم الاجتماعية في الصومال، لا تتيح للصومالي أن يدخل منافسة في هذا المجال، وطلب من الباحثين الشباب الصوماليين بأن ينخرطوا بصورة جادة في ميدان الإنسانيات والعلوم الاجتماعية، وإثبات وجودهم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.