ذكرنا في المقال السابق معنى التنافس التربوي وشروط وإيجابيات استخدام اسلوب التنافس في التربية، وهنا سنكمل الكتابة عن محاذير استخدام أسلوب التنافس بين الأطفال في العملية التربوية. حيث أنه من السهل على المربي خلق جو من التنافس بين الأطفال، لكنه ليس من السهل السيطرة عليه والخروج بأفضل النتائج، لذا ينصح بالانتباه إلى المحاذير التربوية التالية:
1- يجب أن يقدم المربون من أنفسهم القدوة في التعامل من خلال أسلوب التنافس من حيث تقبل الآخرين، والتحلي بالروح السمحة الرياضية.
2- تُفضل المنافسات الجماعية التي تُعزز قيم التعاون والإيثار وروح الفريق الواحد، عن الألعاب الفردية التي تبني الأنانية في نفس الطفل.
3- عدم نبذ الخاسرين ووصمهم بالفاشل والخاسر؛ فهذا من شأنه تحويل التنافس إلى صراعاً وانتقاماً؛ وهذا يتعارض مع أهداف وأسس التربية السليمة.
4- عدم مقارنة الأطفال ببعضهم البعض، حتى لا يُقّوى شعور الغيرة وتتولد الأحقاد والأضغان بينهم.
5- يجب مراعاة الفروق الفردية ومراعاة التكوين النفسي لكل الأطفال، وإظهار ذلك التقدير للجميع.
6- عليك بتنمية الصفات أو المميزات الخاصة بكل طفل لديك على حده، وهكذا سيتميز كل طفل بما لديه من مواهب. وهذا يجعله يشعر بأنه جزء مهم في الأسرة ويرفع من ثقته بنفسه، ويشعر بالتميز ويبعد عنه الشعور بالغيرة.
8- أفضل التنافس هو ما يكون مع الطفل ذاته، جعل الطفل يقارن نفسه بنفسه، يتنافس مع ذاته، يقارن أداءه وانجازاته ببعضها، يركز على أهدافه وليس الآخرين.
9- غرس في نفس الأطفال أن التنافس يكون في أعمال الخير والنفع للفرد والمجتمع وفيما له قيمة، وأن الأمور الهامشية لا تستحق عناء المنافسة.. فكما يقول الإمام الحسن البصري: (من نافسك في دينك فنافسه ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره).
التنافس والتسابق في أعمال الخير يُعتبر وقوداً للهمم، ومُحفزاً على العمل المتواصل، ومُفجراً للطاقات الكامنة في النفوس |
إذا أردتِ أن يلتزم طفلك بسلوك معين، فاجلسي معه وبهدوء اشرحي فوائد هذا السلوك (مكون عقلي)، وحببيه في هذا السلوك (مكون وجداني)، ثم اتفقي معه على الحد الأدنى من القيام بهذا السلوك (مكون سلوكي). ثم أرصدي له جوائز متوافقة مع معدل إنجازه لهذا السلوك (تحفيز على السلوك).. بعد ذلك كرري هذه التجربة مرة بعد مرة، ثم ارفعي الحد الأدنى، وجددي في المكافآت، ونوّعي في قصص لإقناعه وتحبيبه في هذا السلوك، وبشكل تدريجي سيتأصل السلوك في نفسه عقلياَ ووجدانياَ وسلوكياً.. ولا تنسي أن تكوني قدوته في ذلك، والدعاء له باستمرار.
وتطبيق عملي على استخدام التنافس في التربية؛ تقوم الأم بعمل جدول لتحفيز أولادها على القيام بمهامهم اليومية كترتيب غرفهم وأداء واجباتهم وصلواتهم.. إلخ. هذا الجدول عبارة عن أسماء الأطفال بشكل رأسي، وأسماء المهام بشكل أفقي، تقوم الأم بكتابة المهام المتفق عليها مع الأطفال أمام كل طفل، ومع انجاز الطفل للمهمة تضع له نجمة أو وجه ضاحك أو علامة صح، ومع كل علامة تزيد درجاته. وهنا نأتي إلى جزء المكافآت حيث تتفق الأم مع طفلها مسبقاً على الجوائز التي يمكن للطفل الحصول عليها إذا وصل لمعدل درجات معينة؛ إذا حصل على 20 درجة فإن من حقه الحصول على آيسكريم مثلا وإذا حصل على 40 درجة فإن من حقه نصف ساعة زيادة من وقت الآيباد. أما إذا وصل إلى 100 درجة فإننا نخرج إلى الملاهي..
وهكذا فإننا نختار مهام مناسبة لعمل الطفل وقدراته وتكون المكافآت حسب الاتفاق مع الاطفال.. ويمكننا الانتقال وتنويع المهام للطفل الواحد، فحينما يتقن الطفل سلوكاً معيناً بعد التدرب عليه من خلال جدول التحفيز فإننا ننتقل إلى السلوك التالي وهكذا.. ميزة هذه الوسيلة أن الطفل يتنافس مع نفسه في أداء مهام مناسبة لسنه وقدراته للحصول على مكافآت تم الاتفاق عليها مسبقاً.. وبشكل عام فإن التنافس والتسابق في أعمال الخير يُعتبر وقوداً للهمم، ومُحفزاً على العمل المتواصل، ومُفجراً للطاقات الكامنة في النفوس فيعود بالخير على الفرد والمجتمع في جوٍ من الإخاء والمحبة، ومن هنا يكون التنافس ما هو إلا صورة من صور التعاون بين الأفراد لتحقيق أهداف إيجابية غايتها خدمة المجتمع وتقدمه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.