شهدت الآونة الاخيرة بالمملكة المغربية ركوداً على مستوى العروض الكوميدية وتراجعاً ملحوظاً، خصوصاً بعد ازدياد المحتوى الرقمي على اليوتوب والشبكات الاجتماعية. حيث وفرت هذه الأخيرة خيارات عدة أمام الجماهير، هذا التحول الرقمي على مستوى الانتاجات الفنية فرض كذلك على الفنانين الانتقال إلى هذا العالم، والاتجاه نحو الانتاج الخاص، عبر تقديم كبسولات فكاهية وعروض كوميدية تتوافق والقالب الجديد.
يقول الكوميدي المغربي الشاب محمد باسو: أن ولعه بميدان الكوميديا يعود فيه الفضل الكبير إلى الحفلات التي كانت تحييها المدارس المغربية فترة التسعينات احتفالاً بالمناسبات الوطنية، ما يفسح مجالاً للتلاميذ للتعبير عن مواهبهم والكشف عن إبداعاتهم. أما الشهرة فبالنسبة له لم تكن يوماً حلمه ولا مخططاً لها من قبل، حتى أنه لم يتوقع يوماً أن يصل إلى هذا المستوى من الشهرة في مجال الكوميديا أو الـ "ستاند اب كوميدي" في الوسط المغربي.
هذا التيه والتشتت قاد الفنان محمد باسو إلى البحث في الكوميديا من خلال بحث الدكتوراه، وذلك بدراسة الكوميديا التقليدية بالمغرب وأمريكا، من خلال عنصر الممارسة والحرفية.. |
ويضيف أن السنوات التي قضاها في مجال الكوميديا تجربة رائعة، بَصمت حياته بالعديد من الاشياء المميزة من محببين ومعجبين، أضافت على كاهله ثقلاً ومسؤولية كبيرة، ما دفعه إلى البحث في هذا المجال وسبر أغواره بالدراسة. محمد باسو ابن مدينة زاكورة المغربية، حصل على الإجازة في الدراسات الإنجليزية بجامعة ابن زهر، وعلى الماستر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك بالدار البيضاء، وهو الآن طالب دكتوراه في السنة الثالثة، يحضر دكتوراه في الكوميديا المغربية والأمريكية.
وفي إطار مقاربته لتجربة الأجيال، يرى أن جيله اليوم صنع ثورة في مجال الكوميديا بالمغرب، وقطع أشواطاً كبيرة تستحق الدراسة، حاول من خلالها هذا الجيل الثوري أن يلمس مجموعة من الطابوهات التي كانت محرمة آنذاك في التسعينات، حيث لا يسمح الخوض فيها، وفككوا الأغلال التي فرضها المجتمع التقليدي في شتى المجالات. بما فيها المواضيع السياسية التي تسببت في توقيف مجموعة من الكوميديين وعزلهم. ويعزوا باسو انتصار جيله وتفوقه إلى مجموعة من البرامج التلفزيونية التي كان أحد المتخرجين منها سنة 2009، حيث فاز بلقب أحسن كوميدي في برنامج كوميدياشو الذي تبثه القناة الأولى المغربية، والتي استطاعت أن تخلق الفارق وتبدع في أشكال كوميدية مختلفة.
وقد ظهرت مجموعة من الطاقات الشابة مع هذه الموجة من البرامج المشجعة للمواهب الشابة، وهذه الأفواج اليوم هي التي تُنشط الساحة الكوميدية المغربية، بل استطاعت كذلك أن تقوم بجولات في أرجاء العالم متخطيين بذلك الحواجز الجغرافية، منفتحين على الجالية المغربية بالخارج والمغاربية بشكل عام. ومع ذلك كله وهذا التقدم البارز والملحوظ، فلا يزال باسو يؤمن أن تجربة جيله من الكوميديين غير كافية، وتفتقر إلى المزيد من المقومات حتى تصبح تجربة كاملة. خصوصاً أن العديد من المتخرجين اختفوا عن الأنظار ولم يعد لهم حضور في التلفزيون ولا فوق المنصات، وذلك بعد توقف هذه البرامج التلفزيونية عن البث بشكل غامض، بعد ظهور اختلالات على مستوى الإنتاج.
وفي أفضل الأحوال يحظى الكوميدي بعروض بسيطة تفتقد لأدنى شروط النجومية والفن، من طرف شركات خاصة أو دعوة من مهرجانات هنا وهناك، وعلى مستوى حرية التعبير في النص، فإننا نجد فروقا شاسعة بين الكوميديا المغربية والأمريكية. فالكوميديا المغربية ماتزال تحوم حول مواضيع مستهلكة لاكتها الألسن مرات متعددة فوق المنصات. كما أن المجتمع كذلك يفرض قيوداً على هذه الإبداعات ويصدر انتقادات واحتجاجات على شبكات التواصل والمقاهي، وأماكن التجمعات، كلما أحس بتجاوز الخطوط الحمراء.
صحيح أن هناك تحسن طفيف على مستوى حرية التعبير، وأن الشباب استطاعوا اختراق مجموعة من الحواجز والطبوهات، ألا أن سقف الحريات لم يلحظ تغيراً بارزاً، هذا في عروض الصالات المغلقة والمنصات. أما التلفزيون والمهرجانات فتتغير فيها النصوص وتهيئ وفق الجمهور، غير أن هذه الامور كلها لا تنفي أن جيل باسو استطاع أن يخلق الفارق بمجهوداته الفردية. وأن يضع بصمة في عالم ستاند أب كوميدي، لذلك قرر باسو أن يبحر في هذا العالم ويخلق جسراً تواصلياً ين الكوميديا الأمريكية والمغربية، وذلك بتحضير دراسة دكتوراه حول الأمر نفسه من أجل تقريب الصورة وتبيين الفوارق آخداً بعين الاعتبار الإمكانيات المتوفرة وبيئة الاشتغال.
هذا التيه والتشتت قاد الفنان محمد باسو إلى البحث في الكوميديا من خلال بحث الدكتوراه، وذلك بدراسة الكوميديا التقليدية بالمغرب وأمريكا، من خلال عنصر الممارسة والحرفية، وكذا اللغة المستعملة في الكوميديا والخطاب الكوميدي الموجه للجمهور. ويسعى من خلال تحليل هذه المكونات، كي يبرز للمتلقي والجمهور أن الكوميديا عنصر مهم في فهم الثقافة، وأن الكوميديا بشكل عام ليست فقط جزءً من الثقافة بل هي الثقافة بعينها. كما يعتقد كذلك أن فهم أو إدراك ما يضحك الجمهور هو معرفة خالصة لمجموعة من الجوانب المتعلقة بممارسته الحياتية، وأن عدم فهمك للنكت المغربية مثلاً تنم عن جهلك بجزء كبير من الثقافة المغاربية، حيث أن هذه الأخيرة غالباً ما يتم اختزالها في قصص هزلية كوميدية، كما غاص في بحثه هذا وحاول أن يقف عند مختلف تعريفات الفلاسفة للكوميديا.
وفي خضم هذه التحولات والارهاصات التي تتخبط فيها الكوميديا المغربية، يحاول العديد من الشباب إحياءها وتارة الابداع فيها، بإصدار إنتاجات بإمكانيات بسيطة وبمجهود فردي على شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك لضعف الإمكانيات وغياب المؤسسات الانتاجية في هذا المجال. بالإضافة إلى ضعف سوق الدعاية المغربية، وافتقار المغرب كذلك إلى مؤسسات متخصصة في تدريس الكوميديا كمادة قائمة بذاتها. يظل هذا المجال يعيش على أنقاض أجيال يجمعها عشق المجال والوفاء له، في انتظار عصى سحرية قد تصنع سوقاً للـ "ستاند اب كوميدي" مستقبلًا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.