شعار قسم مدونات

هل يُصلِحُ الندم تقصير البشر؟!

blogs حزن بكاء

حبيبتي أعترف لك بأنانيتي ونرجسيتي حينما كنتِ تستيقظين غَلَسا لتُعِدّي الفطور والشاي لي قبل ذهابي لعملي، وأنا نائم أتقلب في الأحلام، حبيبتي أدرك الآن عِظم ذنبي حينما كنتُ أظل الليالي ذواتَ العدد أتفسح وأسهر مع أصحابي، وأنتِ -يا مهجة قلبي- تُعدين الطعام، وتغسلين وتكوين الثياب، وتنظفين المنزل، وتُلبين طلبات والديَّ -عليهم رحمة الله-، محرومة من الراحة والاستجمام، وفي الأخير آتي عقبى ليل، أتمايل من شدة التعب والنعاس، لكي أفرغ عليكِ غضبي وخَيْبتي، ثم لا ترضينَ إلا أن تكوني أنت المخطئة، وتتوددين إلي لكي أقبل الاعتذار، عن أي اعتذار تتحدثين حبيبتي!

 

إنكِ بريئة منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب، لكنه قلبكِ الكبير، الذي لا يرضى إلا أن يراني سعيدا دائما وأبدا، أذكرُ جيدا تبذيري للمال على الأصحاب والمعارف، ثم إعطاءكِ نَزَرا قليلا، لا يغني، ولا يسمن من جوع، ودائما ما أتهمكِ بتبذيره، ورغم معرفتي بقلته، إلا أنني لا أزيدُه، ورغم يقيني ببخلي، إلا أنكِ تمدحينني دائما بالكرم، أهِيَّ عين المحب الكليلة، أم هو التركيز على القطرة التي في الكأس، أم هو صفاءُ رُوحٍ، ونقاء قلب!

حبيبتي لقد كنتُ مُخطئا حينما ظننتُ أن الحياة تستقيم دونكِ، حينما تخيلتُ أن أية أنثى تستطيع أن تَحُل محلك، وأن أية امرأة قادرة على إسعادي، وإعادة البهجة لي، هل تدرين كم خطبتُ بعدكِ من مرة، وحين انتبهتُ إلى أني غير قادر على مواكبة العد تزوجت، لكني سرعان ما طلقت، ثم تزوجت وطلقت، تكرر الأمر كثيرا حتى أدركت متأخرا أني أبحثُ عنكِ، مُفتشا بين ثنايا النساء عن ذِكراكِ، وأن المرأة التي لا تطابقكِ قبيحة منبوذة عندي، وأَيٌّ امرأة تبلغ مِعشار ما تَبلُغين!

 

نَدَمِي على ظلمي لحبيب، على عُدواني كحبيب، على جهلي كزوج، على تقصيري كصاحب وأنيس، لكن هل يُصلِحُ الندم تقصير البشر، وهل يُصارِعُ التمني ما سَطّر القدر

نعم لقد كنتُ ابحثُ عنكِ، واستنسخكِ دائما في زيجاتي؛ لون ثيابك، تسريحة شعرك، وجباتك، طريقة كلامك، وتصرفاتك، وضحكك وتغنجك ودلالك، لا أحد يُشبهك، ولا حتى تقليدا أو إعدادا، هل تعرفين أن جميع من تزوجتهن يَحْمِلن اسمك، أهو صدفة، أم عن سبق إصرار وترصد، إن كانت صدفة فلقد تكررت كثيرا حتى أَضْحَتْ قاعدة، وإن كانت عن سبق إصرار وترصد، فهو أمر دُبر بليل، ولا علاقة لذاكرتي به، فلقد تم خارجها، ولا علم لها به، كل ما أعرفه أن اسمك يُطربني، يدغدغ مشاعري، يتسلل لخلاياي ويُراقصها طربا، حتى تسكر وتذوب حبا وولها، لكن سرعان ما اكتشفتُ أن الاسم قد لا يكونُ له حظا من مٌسَمَّاهُ، فأرجع للبحث من جديد، أهو إذن إدمان خفي، أم عشق وهُيام!

حين اتصل علي الضابط الدركي يُنْبِئُني بتعرضكِ لحادثِ سير، ظننتُ أن الأمر بسيط جدا، وحين أخبرني بأنكِ لم تنجي من الحادث كان الأمر أيضا بسيطا، فلقد حصدت السيارات على مر الزمن أحبابا كُثُرا لي، كان الجيران أكثر مني تأثرا، ظن الجميع أن الصدمة كانت أقوى مني وأشد، وهو ما يقضي الانهيار، أو اللامبالات، فكانت اللامبالات نصيبي على رأيهم، لكني عرفتُ أنهم مخطئون، فما أنت إلا امرأة كما النساء، وسأعوضك بأخرى في الوقت المناسب، كنتُ قويا لا أعرف الحزن، ولا أرضى البكاء على الأطلال، وأظن أن الحب أسطورة الضعفاء، وشماعة الكسالى والمخبولين، ولم أدرِ أنكِ كنتِ حُبّ حياتي الذي لن يتكرر، ومهجة قلبي الذي لن يتفتح بعدك.

أحيانا أتمنى أن يكون هذا مجرد حلم، إذن لكنتُ المستيقظ الأول، ولكنتُ الطباخ والغسال والمنظف الأوحد، وَلَمَا عشتُ إلا خادما بين يديك، كيف لا والحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))، لكن التّمني من بعضه المستحيلٌ. نَدَمِي على ظلمي لحبيب، على عُدواني كحبيب، على جهلي كزوج، على تقصيري كصاحب وأنيس، لكن هل يُصلِحُ الندم تقصير البشر، وهل يُصارِعُ التمني ما سَطّر القدر.

عَتَبِي على أُناس لا تزال لديهم الفرصة، على بشر يكررون أخطاء غيرهم وهم لا يتعظون، على أزواج وزوجات وأصدقاء، ينفخ الشيطان وينزغ بينهم، ويُوَسْوِسُ أعوانه ويَدُسُّون، آن لكل واحد منكم أن يحمل هديةً لصاحبه، لزوجه أو شريكه، وأن يقدمها له عربون صداقة، ونعمة أخوة، وذكرى محبة تتجدد، أَوَلَيْسَ الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تهادوا تحابوا)). قُمِ الآن واختر هديتك، وقدمها بقلب يملؤه الحب، وبوجه تعلوه الابتسامة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.