شعار قسم مدونات

هل تعدد الزوجات يزيد العفة ويقضي على العنوسة؟!

blogs الزواج

(..وكان أهل البلدة يتندرون علينا ويقولون أننا نخاف من زوجاتنا، إلا عمي عبد الكريم، كان مطلاقا مزواجا وزانيا أيضا!)

– الطيب صالح، موسم الهجرة إلى الشمال

 

عطفا على استعراض نسبة المواليد خارج الزواج في المقال السابق (تعدد الزوجات.. الملف المفتوح باستمرار!) في أوروبا، ثمة سؤال مهم يطرح نفسه: هل التعدد يزيد من العفة عند الرجال والنساء في مجتمعنا، وبالتالي نضمن مجتمعا لا لقطاء فيه؟ ثم هل نحن أمام هذه الثنائية الإلزامية المجحفة: إما تعدد الزوجات، وما ينتج عنه من أزمات اجتماعية، أو انتشار اللقطاء في المجتمع؟ وفق أي منطق نحشر الأمة بين هذين الخيارين؟!

 

وتتولد أسئلة أخرى من قبيل: هل نحل مشكلة محتملة، بمشكلة اجتماعية أكبر؟ ثم ألا يمكن أن يكون التعدد دافعا لبعض الزوجات للخيانة من باب الكيد والانتقام مثلا؟ هل ظروفنا الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، بل حتى القدرات الفسيولوجية تناسب فكرة التعدد في زمننا الحاضر؟ وغير ذلك من الأسئلة. وأرى أن من أكبر المشكلات عندنا هي أن الأقطار العربية غالباً تتأثر بالسلوك الثقافي والاجتماعي في أوروبا، ولو بالرذاذ منه، وبناء على ذلك عكفت على محاربة تعدد الزوجات قانونيا، إما بحظره تماما (تونس مثلا) أو بتقيده بشروط تعجيزية (مدونة الأسرة في المغرب).

 

وبغض النظر عن تبريرات هذا التقنين والذي جاء بضغط من المنظمات النسوية، التي ازداد نفوذها في السنوات الأخيرة، وهي غالباً متأثرة بظلال الثقافة الأوروبية.. بغض النظر عن المبررات، فإنه لم يكن ثمة شيء مواز يحدّ من العنوسة، ويضيق باب الحرام، ويوسع باب الحلال، وهذه من أكبر مشكلات محاربي تعدد الزوجات؛ حيث أنهم يرون في التعدد كارثة كبيرة، وداء عضالا وجب علاجه، ولكنهم لا ينظرون إلى العنوسة وتأخر سن الزواج، وازدياد العلاقات المحرمة بذات النظرة!

 

محاربة التعدد أمر يجلب من المشكلات والأزمات، أكثر مما يجلبه التعدد؛ ذلك أن التعدد يظل محدودا في مجتمعنا، والتقارير تشير إلى تراجع النسبة

ولكن في بريطانيا أو فرنسا أو الدول الاسكندنافية، يمكن للرجل أن يقيم علاقات عابرة مع عدة نساء، ويمكن للمرأة أن تفعل ذات الشيء، دون التبعات المذكورة، بل إن هناك مكافآت أو محفزات مالية للأم العازبة التي تريد أن تربي وتعتني بطفلها، توفرها الحكومات. وبالطبع شرعنا الإسلامي، وتقاليدنا العربية، وتركيبتنا النفسية، لا تقبل هذا الوضع الشاذ، الذي كما نعلم حتى في داخل المجتمعات (الفرنجية) ثمة من يدعو للتخفيف من غلوائه، بتشجيع الزواج وبناء الأسرة.

 

وربما رد المنظمات والمؤسسات النسوية على ذلك يكون بنفي قاطع لفكرة نقل الحريات الجنسية إلى مجتمعاتنا، وأن الهدف من وراء السعي لقوانين تحظر التعدد أو تضع دونه عقبات قانونية، لا يستبطن استنساخ الحالة الموجودة في المجتمعات الغربية أو غيرها إطلاقا! ولكن وبافتراض حسن النوايا، فإن النتيجة ليست إيجابية بتاتا، وأعتقد اعتقادا جازما، أن محاربة التعدد أمر يجلب من المشكلات والأزمات، أكثر مما يجلبه التعدد؛ ذلك أن التعدد يظل محدودا في مجتمعنا، والتقارير تشير إلى تراجع النسبة.

 

التعدد في تراجع

فحسب الأهرام المصرية في صيف العام الماضي 2017 بلغت نسبة التعدد في مصر 4% وهي الدولة الأكبر من حيث عدد السكان، وفي دول الخليج 8%. وحسب الهيئة العامة للإحصاء في السعودية فإن عدد المعددين في المملكة بلغ نصف مليون رجل في عام 2016، وهو عدد ليس كبيرا نسبيا (عدد سكان المملكة 32 مليون نسمة) إذ أن المملكة لا تفرض قيودا على التعدد شبيهة بدولة مثل المغرب. أما في قطر فقد تراجعت نسبة التعدد من 6% إلى 4% في بلد معروف بانتشار التعدد كسائر بلدان الخليج. أما في الأردن فما بين الأعوام(2011-2015م) فإن عدد عقود الزواج المكرر حوالي 28 ألفا بنسبة 7.5% تقريبا من إجمالي عقود الزواج.

 

السودان.. تعدد بتشجيع رسمي

تعمدت وضع الاقتباس في أول المقال من رواية الراحل (الطيب صالح) المشهورة (موسم الهجرة إلى الشمال) وأظنني لست بحاجة إلى الحديث أكثر عن الرواية، أو الراوي/الكاتب، وما تضمنته من صور ولوحات للقرية السودانية الجميلة البسيطة الطيبة هي وأهلها.  وتذكرت مقولة قرأتها وأنا طفل صغير، بأن السودان بلد خصب لدراسة ما صرنا نعرفه لاحقا بـ (الأنثروبيولوجي) وملحقاتها.

 

أقرن عمر البشير دعوته بالتطبيق الفعلي للتعدد بزواجه من أرملة العقيد إبراهيم شمس الدين الذي توفي في حادث تحطم طائرة، علما بأن الزوجة الأولى للبشير هي ابنة عمه
أقرن عمر البشير دعوته بالتطبيق الفعلي للتعدد بزواجه من أرملة العقيد إبراهيم شمس الدين الذي توفي في حادث تحطم طائرة، علما بأن الزوجة الأولى للبشير هي ابنة عمه
 

الاقتباس يجيب على السؤال الكلاسيكي (هل التعدد يزيد العفة؟!) بأنه على مستوى الفرد ليس شرطا، فلا يخلو الأمر من رجال فاسقين، ولكن على المستوى الأوسع، فإن التعدد يحدّ من البعد عن العفة، ويجعل الانحراف استثناء مرفوضا، لا شيئا يألفه الناس بالتقادم.. وهذا للأسف ما قد تقود له القوانين التي تمنع التعدد. وعودة إلى السودان، فإن الرئيس عمر البشير، قد شجع في 2001 على تعدد الزوجات، لزيادة عدد السكان، في بلد كان يشهد نزاعا مسلحا في الجنوب، وأقرن دعوته بالتطبيق الفعلي بزواجه من أرملة العقيد إبراهيم شمس الدين الذي توفي في حادث تحطم طائرة، علما بأن الزوجة الأولى للبشير هي ابنة عمه.. والناس على دين ملوكهم!

 

وليس البشير وحده من الطبقة الحاكمة من المعددين فثمة وزراء ومسئولين كبار متزوجين بأكثر من امرأة. أما هيئة علماء السودان في العام الماضي 2017 وعلى لسان رئيسها (محمد عثمان صالح) نصحت بالتعدد كحل للتصدي لارتفاع نسبة العنوسة والطلاق. ولطالما ارتبط موضوع التعدد بفكرة الحد من العنوسة في المجتمع، ولا شك أنه حل عملي ومعقول. ولكن أنّى يكون بمقدور الرجل الزواج من المرأة الثانية إذا كان عاجزا عن توفير متطلبات العيش للزوجة الأولى؟ خاصة في بلد يعاني من أزمة فقر كالسودان، فهذا حل يحتاج إلى ما هو أكثر من التشجيع من رأس السلطة في البلد، والعلماء والفقهاء، أي حل مشكلة الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار. والحال كذلك أرى أن لا داعي لهذه الهجمة على فكرة التعدد والسعي الحثيث لسن قوانين تحد منه؛ فالمشكلة هي العنوسة الناجمة عن الفقر والبطالة، وتغير الثقافة العامة حول الزواج والأسرة.

 

قبول التعدد اختلف

تقول نساء يرفضن التعدد:ي حفظ الرجال ذوي العيون (الزايغة) قول الله تعالى (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) أكثر ربما من حفظهم لفاتحة الكتاب، وينسون ما قبل وما بعد خاصة قول الله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً). ويقول رجال: المرأة تظل مسلمة حتى يأتي موضوع التعدد فتتحول إلى دين آخر ليس اعتقادا بل تشريعا برفضها وحربها الشرسة، حيث أنها لا تتردد بالقول بأن التعدد (حرام بل كفر). هذا ما يحصل في كثير من المناطق، وتظل بعض المناطق (كما هي حالة الحاج أبو محمد في المقال السابق) استثناء في زمننا ولا بد وصلتها رياح الرفض للفكرة.

 

والحقيقة أن الزوجة الثانية اسمها هو(الضرّة) أي في جناس مع الضرر، والمثل الشعبي يقول (الضرة مرة ولو كانت جرة!). وهذا المثل قبل أن تغزونا الثقافات والأفكار القادمة من البلاد الباردة، ولكن الفرق كان في التعايش مع (الضرّة) وتقبل وجودها ولو ضمن حالات كيد وخصام معلنة أو مكتومة سابقا، والآن الرفض القطعي لوجودها، حتى لو كان الثمن هو طلب الطلاق، أو لربما ارتكاب جريمة بحق الزوج. إضافة إلى سعي دؤوب لسنّ قوانين وتشريعات تحظر أن يكون للزوجة ضرّة! فالنفوس لم تعد كالسابق، وللأمر أسباب مختلفة، لا مجال لذكرها. ولكن هل فعلا لا حاجة لرجال العصر بالتعدد؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.