إدلب وآخر معاقل الثورة السورية، انحسار الثورة في محافظة إدلب المحررة لا يحكم على انتهائها بل رقود ثوري حملَ في طياته وعود دولية بمزاعم كذبة الحل السياسي والسبب الأهم كان هو التفتُت الثوري من الناحية العسكرية بين فصائل الثوار الحقيقيين، انتهت ملحمة الغوطة وداريا ومن قبلهم حلب وغيرهم من المناطق التي عاشت ألَقْ الثورة بعنفوانها وصمودها الذي كسر غطرسة الأسد وحاشيته حتى حدث مالم نريد حدوثه وما لم نتوقعه في حين أضحى الجميع في الموطن الأخير إدلب. إلى تاريخ يومنا هذا الفاتورة التي يتم دفعها في سوريا فاتورة قاسية ومؤلمة يتكبدها الشعب السوري، حالياً أكثر من 7 ملايين مهجر وأعداد الشهداء والضحايا عدد ضخم وغير متناهي ومستمر بشكل يومي إن لم يكن في القصف فيكون في ظلام الزنازين والمعتقلات والمسالخ البشرية، في المخيمات من البرد ونقص المواد الغذائية والطبية، على الحدود والتشريد المستمر.
هناك من يقول أن ذلك كان سببه هو عسكرة الثورة وتحوّلها من سلمية إلى حرب عسكرية ضد النظام لكن هذه عقلية خاطئة تماماً، النظام ليس اليوم حتى بدأ حتى بقتل الأطفال بل منذ 2011 الواقعة التي لا يمكن أن تنسى بعد أن أمسك بهم واعتقلهم وعذبهم واقتلع أظافرهم ومثَّلَ في أجسادهم كالطفل حمزة الخطيب ظاناً أنه سيُرهب البقية ليُنَكِّسوا رؤوسهم، بل النظام معروف بإجراميته واستخدمها ضد أول صرخة مسالمة ضده وهذا أدق دليل على مدى دمويته، تحوُّل الثورة إلى حرب عسكرية من قِبَل أبناء الشعب السوري ضد النظام سببه هو إجرام آل الأسد المستمر منذ عهد حافظ، ما فعله آل الأسد في سوريا جعل الجميع متعطش للخلاص من هذه العائلة التي تتربع على عرش السلطة بكل اجرامها وغطرستها ودكتاتوريتها، كانت أضعف من أن تجابه ثورة 2011 ولكن أصبحت صلبة بفضل الروسي والأمريكي والصهيوني وسيأتي يوم يذوب حتى الصلب فيه.
الأسد صمد بفضل من يعتبرهم حلفائه والذي يعتبر عندهم الكلب الوفي المدلل لا أكثر لكن! الثورة ما الذي أفقدها قوتها وحراكها؟ وما الذي أضعفها حدَّ السكون والحصار والتضييق؟ الأسد مجرم حرب لا يتكرر في حال تحطيمه بوقت تحتاج إلى أمثاله الدول الكبار وهذه نظرة ملوك الغرب إليه فلذلك لم يستطيعوا التخلي عنه بكل تلك السهولة لأن ما فعله بشعبه لم يفعله طاغية على مرّ التاريخ، أما الثورة السورية الكثير ممن كانوا حلفاء وأصدقاء لها ولأهلها ظهروا مؤخراً بأنهم وقفوا خلف مصالح سياسية تتطلب منهم كتلك المواقف لا أكثر ولو كان هذا الكلام خاطئاً لما عاشت الثورة كل هذا التضييق مع كل الصمت العربي ولما استمرت الثورة وتأخر انتصارها إلى هذا الوقت وقالها الكثير لو كانت الثورة تملك أصدقاء كأصدقاء الأسد لكانت بألف خير.. ولكن شتان بين هذا وذاك.
الثورة انحسرت واضمحلت وإن لم يكن هناك ثوار سندعو أن يخرج أولئك الثائرون من بطن الأرض ليقتصوا من هؤلاء الذين لطخوها بعار الخيانة وأضعفوها وليكملوا الحكاية |
هذه نقطة والنقطة الأخرى هي الإجابة على السؤالين السابقين، مع تتابع سنوات الثورة أضحى على الأرض السورية أكثر من ألف فصيل مسلح مواقف الكثير منهم كانت تدَّعي قتال نظام الأسد والوقوف في صف الثورة والشعب، أكثر من ألف فصيل كان صُلب الشذوذ فيهم أنهم لم يجتمعوا تماماً وكل قائد كان له ارتباطاته ومواقفه المختلفة، هي ثورة وليست حرب وكان فيها شخصيات أثبتت ثوريتها ووطنيتها الحقيقية والذين مرّوا ولم يعودوا في هذه الثورة أصبحوا تاريخاً فيها وتركوا أثراً كبيراً بحيث كلما نظرنا الى حال الثورة اليوم نترحم على أيام الثورة في وجودهم.
العديد من الأطراف تدخلت في سوريا واستحكمت مجموعات مسلحة واشترتها وبدأت بدعمها والتحكم بها بالريموت وكانت هذه المجموعات تمتطي سيط الثورة وترفع شعارها والتي كانت حقيقة مزيفة غير واضحة، الحقيقة الصادقة لهؤلاء أظهرها الزمن حتى وصلنا اليوم، خسارة سوريا عموماً وبقاء إدلب يتيمة كان أكبر دليل أن الثورة اختُرقت بالكثير من العصابات المسلحة وكانت كارثة وطامة كبرى أوقعت الثورة اليوم بضيق حتى المقايضة علناً وأصبح الجميع يزايد ويقايض بنا وبأرضنا. في سنوات الثورة كنا نرى العديد ممن يصولوا ويجولوا ويذهبوا يمنةً ويسرةً ولهم علاقاتهم ومكانتهم الثورية كان الشعب ذا قلب ثوري أبيض وبحاجة الى أكبر تعاضد في ثورته لم يكن يُفكر بأن يشكك بثورية أحد بحيث كانت المظاهر تعكس تماما حقيقة ما يدور فعلياً حتى أنه لم يتوقع أن يظهر أن نسبة كبيرة بعض الشيء ممن كان يصول ويجول كان عبارة كأقل وصف تاجر يدَّعي الثورية آخر همومه الثورة وأولها المصالح هذا أكثر ما تجلى في الثورة وطعن الثورة من خاصرتها.
وإلى تاريخ الثورة اليوم في حين نرى المناطق التي استعادتها كل من روسيا وإيران والمرتزقة إلى كنف الأسد ويلعب على وتر كذبة المصالحات والحل السياسي والكلام عن دعوة كل السوريين الى سوريا بعد مزاعم أنه دحر الإرهاب وحررها، نسمع أصوات أولئك الذين تاجروا وصرخوا واستشرفوا ليصرخوا من بلاد لا أحد يعرف أين هي لا للمصالحات ولا للعودة الى مناطق تحت حكم الأسد بحيث يستمروا بكذبتهم خلف قناع الثورة والتي باتت حقيقة واضحة للجميع وكانوا هم أول وأسرع من هرب كما قال نابليون بونابرت: في الثورة نوعان من الناس مَنْ يقومون بالثورة ومَنْ يستفيدون منها، كان هؤلاء وأمثالهم أكبر خنجر طعن الثورة وأضرم نيران الشتات والتفتت فيها ولا بد أن تتخلص الثورة من هؤلاء التجار والمأجورين. وستصرخ هذه الثورة اليوم ليس ضد الأسد ومن حاربها فقط بل بحاجة أن تصرخ اليوم إلى عودة زمن الثائرون القدامى الذين تركوا الثورة كأمانة ورحلوا لا بالأقوال بل بأفعالهم التي خُطَّتْ بالدماء لا بالهرب والتجارة، بحاجة إلى صرخة لتعيد ألقها ولتتطهر من إرهاب هؤلاء قبل أن تتطهر من الاسد لأن هؤلاء اليوم أخطر على الثورة من الأسد ذاته ولا يمكن العودة الى محاربة الأسد إن كان بِظَهرِ الثورة هؤلاء.
السنة السابعة من عمر الثورة التي لا تستحق أن تهرم على يد هؤلاء في حين أن قوى كبيرة لم تستطع أن تجعلها تشيب وتخنع، الثورة انحسرت واضمحلت وإن لم يكن هناك ثوار سندعو أن يخرج أولئك الثائرون من بطن الأرض ليقتصوا من هؤلاء الذين لطخوها بعار الخيانة وأضعفوها وليكملوا الحكاية، وبالختام الى من يدَّعي الثورية وأنه ثائر عليه ألا ينسى قول تشي جيفارا: الثورة شيء تحمله في أعماقك وتموت من أجله.. وليس بالشيء الذي تحمله في فمك وتعيش على حسابه.. والسلام.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.