شعار قسم مدونات

حرب الأمراض.. كيف نهزم الإنفلونزا؟

مدونات - طبيب مختبر

إنه فصل الشتاء، إعلان بداية موسم الإنفلونزا السنوي، الجميع يعد نفسه لتفادي الإصابة بالفيروس، ومن ذا الذي يقف في وجه فيروس أودى بحياة ما يزيد عن 40 مليون إنسان في سنة واحدة؟ على الجهة الأخرى الصيادلة على أهبة الاستعداد، يزيدون من تعبئة الأدوية المعالجة لأعراضه. فالشتاء فصلهم المميز لجمع المال، وطالما كانت هذه هي القاعدة المتبعة في رأس العامة: كلما زادت الأمراض وتفشت، زاد إنتاج الدواء، وبالطبع زادت أرباح الصيادلة، ولكن كيف بدأت الإنفلونزا؟ إن كانت الوقاية خيرٌ من العلاج، فما هي أفضل الطرق للوقاية من هذا الفيروس المتجهم للبشرية كافة؟ وماذا عن أنسب علاج إذا ما نجح في معركته مع جهاز المناعة؟ وهل يجدي المضاد الحيوي نفعًا معه، أم أنه يعجز عن فعل شيء له؟

بداية ظهور الإنفلونزا

نشأ اسم الإنفلونزا في إيطاليا في القرن الخامس عشر من الاعتقاد بأن وباء الأمراض التنفسية "تأثر" بالنجوم، ويبدو أن وباء الإنفلونزا العالمي الموثق الأول قد وقع في عام 1580م. ويتتبع الأدب اليوناني القديم تقارير عن وجود إنفلونزا محتملة ترجع إلى عام 412 قبل الميلاد، ومن المُرجح أن تفشي الإنفلونزا الموسمية والأوبئة قد حدث سنويًا. ونظرًا لأن الإنفلونزا نادراً ما تسببت في وفيات كبيرة على نطاق عالمي، فإن تقارير الإنفلونزا في الأدبيات التاريخية تركز على أوبئة الإنفلونزا وليس على الإصابات الموسمية.

كيف يحدث الوباء؟

تحدث أوبئة الإنفلونزا عندما تظهر سلالة جديدة من الإنفلونزا لها تأثير عالمي على البشر، لأن معظم الناس – أو فئات عمرية معينة من السكان – لا يتمتعون بمناعة طبيعية ضد سلالة الإنفلونزا الجديدة، وبينما تؤثر فيروسات الإنفلونزا عادة على كبار السن وذوي المشاكل الصحية المزمنة، تميل أوبئة الأنفلونزا إلى التأثير أيضاً على الأشخاص الأصغر سنًا، سواء الأصحاء أو الذين يعانون من أمراض مزمنة. تبقى هذه الأوبئة وما خلفته من ضحايا، خالدة في ذاكرة البشرية، إلا أن وباء الإنفلونزا في عام 1918م، وما خلفه من ضحايا قُدر عددهم بنحو 50 إلى 40 مليون إنسان يظل هو الأبقى في الذاكرة، رغماً ما تبعه من أوبئة أخرى.

ما الفرق بين البرد والإنفلونزا؟
العادات الصحية الجيدة مثل تغطية السعال وغسل اليدين، يمكن أن تساعد في وقف انتشار الجراثيم ومنع أمراض الجهاز التنفسي في حالة غياب المصل.

بدايةً لا بد وأن نعرف الفرق بين الإنفلونزا ونزلات البرد – التي هي أمراض تنفسية تسببها فيروسات مختلفة – فإن هاذين النوعين من الأمراض لهما أعراض مشابهة، فمن الصعب تحديد الفرق بينهما على أساس الأعراض وحدها. لكن بشكل عام، تكون الإنفلونزا أسوأ من نزلات البرد، والأعراض فيها أكثر تنوعًا وشدة. أما نزلات البرد فلا، والأشخاص الذين يعانون من نزلات البرد أكثر عُرضة للإصابة بسيلان الأنف أو انسدادها، ولا تسبب نزلات البرد بشكل عام مشاكل صحية خطيرة، مثل الالتهاب الرئوي، ولكن يمكن أن يكون للإنفلونزا مضاعفات خطيرة مرتبطة بها. إضافةً إلى ما اعتمدته مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) أن الإنفلونزا، يصحبها ارتفاع درجة الحرارة، والسعال، والتهاب الحلق المتوسط، وآلام العضلات والجسم، والصداع والشعور بالإرهاق.

كيف نحمي أنفسنا؟

القاعدة الطبية الأبدية: الوقاية خير من العلاج، وطبقًا لما توصي به مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) فإن أفضل طريقة لمنع الإنفلونزا الموسمية هي الحصول على اللقاح (المصل) كل عام. لكن العادات الصحية الجيدة مثل تغطية السعال وغسل اليدين، يمكن أن تساعد في وقف انتشار الجراثيم ومنع أمراض الجهاز التنفسي في حالة غياب المصل. هناك أيضاً الأدوية المضادة للفيروسات التي يمكن استخدامها لعلاج الإنفلونزا، وهذه بعض النصائح التي تُجنبك الإصابة بالعدوى:

1. تجنب الاتصال عن قرب: تجنب الاتصال الوثيق مع الناس الذين يعانون من المرض، عندما تكون مريضًا، كُن على مسافة من الآخرين لحمايتهم من الإصابة بالمرض أيضاً.

2. الزم المنزل عندما تكون مريضًا: إذا كان ذلك ممكنًا، فابقَ في المنزل من العمل عندما تكون مريضاً، سيساعد هذا على منع انتشار مرضك للآخرين.

3. غطِّ فمك وأنفك: غطِّ فمك وأنفك بمنديل عند السعال أو العطس، حتى تمنع من هم حولك من الإصابة بالمرض؛ إذ تنتشر الأنفلونزا وغيرها من أمراض الجهاز التنفسي الخطيرة، مثل الفيروس المخلوي، والسعال، والمتلازمة التنفسية الحادة، عن طريق السعال أو العطس أو اليدين غير النظيفة.

4. نظف يديك: إن غسل اليدين كثيرًا يساعد على الحماية من الجراثيم، إذا لم يتوفر الصابون العادي والماء استخدم الكحول. لا تستخدم الصابون القاتل للبكتيريا كثيرًا، لأنه يساعد في انتشار سلالات بكتيرية مقاومة للمضادات الحيوية.

5. تجنب لمس عينيك أو أنفك أو فمك: غالبًا ما تنتشر الجراثيم عندما يلمس الشخص شيئًا ملوثًا بها ثم يلمس عينيه أو أنفه أو فمه، فكن حذرًا.

6. مارس عادات صحية جيدة أخرى: نظف وطهر الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر في المنزل أو العمل أو المدرسة، خاصةً عندما يكون في المكان مصابًا. احصل على الكثير من النوم، وكن نشطًا جسديًا، نظم مجهودك، واشرب الكثير من السوائل الدافئة، وتناول الطعام المغذي، والمفيد لجهاز المناعة، كالبرتقال، الثوم، والبصل، وغيرهم من الخضراوات والفواكه الطبيعية.

يمكن أن تقلل مخففات الألم والالتهاب - دون وصفة طبية - من أعراض البرد والانفلونزا، ولكنها لن تعالج العدوى الفيروسية الأساسية، التي يمكن أن تعالج بأدوية مضادة للفيروسات كخط دفاع ثان، بدون المصل
يمكن أن تقلل مخففات الألم والالتهاب – دون وصفة طبية – من أعراض البرد والانفلونزا، ولكنها لن تعالج العدوى الفيروسية الأساسية، التي يمكن أن تعالج بأدوية مضادة للفيروسات كخط دفاع ثان، بدون المصل

رغم هذه الخطوات القوية، لمنع الإصابة بالفيروس، إلا أنه قد يتمكن من التسلل إلى الجسم واختراق جهاز المناعة الحصين، وحينها سيُقلب جسدك إلى ساحة معركة كبيرة، بين الإنفلونزا، وجهاز المناعة. ومن ثم ستكون الأعراض كارتفاع درجة الحرارة، وانسداد الأنف، نتيجة لهذه المعركة، ولن يكون في وسعك إلا معالجة الأعراض حتى تنتهي الحرب، ويقضي الجسم على الفيروس، ولكن كيف نعالج الأعراض؟

1. العلاج بالأعشاب والمكملات

ليس هناك الكثير من الدعم السريري القوي لفعالية العلاج العشبي، ولكن العديد من الناس يعتقدون أن الأعشاب يمكن أن تساعد في منع أو علاج أعراض البرد والإنفلونزا، وهذا ما يسمى بتأثير الدواء الوهمي (Placebo Effect) غير أن بعض الدراسات تشير إلى أن عرق السوس يساعد في علاج التهاب الحلق. كما يساعد النعناع في تخفيف البلغم، في حين أنه لا يوجد دليل قوي، وقاطع على أن المكملات الغذائية يمكن أن تساعد في علاج البرد أو الإنفلونزا، تشير الأبحاث إلى أن فيتامين C حمض الأسكوربيك والزنك المعدني قد يقللان من شدة وفترة البرد.

2. العلاج المُصنَّع

يمكن أن تقلل مخففات الألم والالتهاب – دون وصفة طبية – من أعراض البرد والانفلونزا، ولكنها لن تعالج العدوى الفيروسية الأساسية، التي يمكن أن تعالج بأدوية مضادة للفيروسات كخط دفاع ثان، بدون المصل. وهناك العديد من الأدوية بدون وصفة طبية متاحة لأعراض البرد والانفلونزا، بما في ذلك: اسيتامينوفين، باراسيتامول، وهو آمن جدًا، إلا في مرضى الكبد يمنع استخدامه، ايبوبروفين، سودوفيدرين، ومستحلبات الحلق. يجب مراجعة الصيدلي أولًا أو الطبيب للتأكد من تناول الدواء المناسب، بالجرعة المناسبة، التي لا تتعارض مع أي مرض آخر، باختلاف كل حالة مرضية، وتنوع الفئة العمرية.

ومع ذلك، فإن هذه الأدوية لها آثار جانبية ويمكن أن تشكل خطرًا صحيًا على المرضى الذين يعانون من أمراض موجودة مسبقًا، مثل ارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب أو الحساسية، والتي يمكن أن تخفف الراحة المنزلية، مع السوائل الدافئة، وتناول الأطعمة الغنية بفيتامين C والزنك من حدة الأعراض ومدة المرض. وتحذر إدارة الغذاء والدواء الأمريكية من أن استخدام الأدوية المضادة للالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs)، مثل الأيبوبروفين، يزيد من خطر الإصابة بنوبة قلبية وسكتة دماغية. كما يرتبط الاستخدام المتكرر لمضادات الالتهاب غير الستيرويدية على مدى فترات زمنية طويلة أيضاً بالنزيف المعوي.

الكارثة

الإنفلونزا ونزلات البرد أمراض فيروسية، لا علاقة لعلاجها بالمضادات الحيوية التي تعالج الأمراض البكتيرية فقط، ولقد شاع هذه الأيام وصف المضادات الحيوية، بين العامة للأطفال والكبار، دون أي علم، بالكارثة التي يسببها الناصح للمريض. ناهيك عن فشل العلاج من الأساس، الأمر أشبه بكونك تضع الملح في الشاي. الشيء المحزن أن الكثير من الصيادلة والأطباء لا يجدون أسهل من صرف المضادات الحيوية، في هذه الحالات، لا لشيء إلا لجمع المال، وتعجيل الشفاء، وهو ما يعود بالضرر على الجسم. ناهيك عن أنه لا يُعطي المريض معلومة صحيحة عن مدى خطورة الانقطاع عن استكمال الجرعة العلاجية. تأكد من أنك مصاب بعدوى بكتيرية بسؤال صيدلي ما زال ضميره يقظًا، قبل تناول أي مضاد حيوي، وإذا ما فعلت، فأكمل الجرعة العلاجية، حتى لا تُصاب ببكتيريا مقاومة للمضاد الحيوي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.