شعار قسم مدونات

"حان الوقت للتغيير".. من الذي حرك قطعة الجبن الخاصة بي؟

blogs من حرك قطعة الجبن الخاصة بي

كيف لك أن تستيقظ وأنت تعلم ألا جديد في يومك يذكر، تعلم أنك ستصل المكتب تفتح الحاسوب، تقرأ الرسائل، بعضها يغير مزاجك إلى أسوأ وبعضها يجعلك تستفيق فجأة دون قهوة، وفي أحسن أحوالك تضحك من بعضها بسبب أخطاءه الإملائية الساذجة، خاصة إن كانت الرسالة من المسؤولة عن التواصل في الشركة وأنت تعلم كيف وصلت إلى منصبها، ولا داعي لذكر التفاصيل فالصباح لا يحتمل الكلام الكثير، والمسؤولة العشرينية لا تستحق كل هذا الاهتمام فأنا لست مديرا خمسينيا ضاجعته المراهَقة.

أجمل صوت في الصباح صوت تحضير القهوة، ولولاها ما قُضيت حاجات الكثير من الناس ولا تقدمت مصالحهم، فوجب شكرها وشكر صانعها، وبعد، للصباح لذة يشعر بها من نظّم وقته وقضى على روتينه، والحال كالموج بين حركة وسكون، وسكونها روتين لا يُعين على التبكير، لهذا كان بعض أصحابي يتفقون على موعد للإفطار في الصباح الباكر، فقط من أجل الاستيقاظ والحضور في الوقت للعمل، لأن العمل وروتينه لم يكن يراودنا عن مفارقة دفء السرير.

ما الذي يحملنا على الصبر ويُقيد حريتنا في الاستقالة والانتقال من شركة إلى أخرى، إنه في الحقيقة من أعظم امتيازات العمل في القطاع الخاص، وجب الاستفادة منه على أكمل وجه، لأن التغيير سنة في الكون، لأنه دائما ما يكون له ايجابيات كثيرة، لأنه يجب أن يكون شعارا وأسلوب حياة، لأنه ببساطة يجعلك تفارق السرير بهمة عالية ووجه بشوش.

لا بد من التعلم، لا بد من العمل على نفسك، يعمل الإنسان ما متوسطة ثمان ساعات في اليوم للشركة، ويعود إلى بيته لا يعمل على نفسه ولو نصف ساعة، كيف ترضاه لنفسك

ولا يجب أن يقتصر هذا الأمر على القطاع الخاص فالقطاع العام أحق أن يترك، ميزته ربما الاستقرار وهو غالبا ما يجعل الاستقالة منه شبه مستحيلة لمعظم الموظفين فيه، لكنهم يموتون موتا بطيئا من حيث لا يشعرون، لم أشعر يوما بكامل حريتي كما شعرت بها يوم غادرت الشركة التي قضيت فيها عشر سنوات، عقد من الزمن في نفس الشركة في مناصب مختلفة ما الذي بقي لتقدمه لك وما الذي ستقدمه أنت لها، بعد أن جربت الكثير من مناصبها وأتقنت كل أعمالها، لن تقدم لك سوى روتينا يقتلك كما تقتل السيجارة صاحبها على لذتها.

عندما تبدأ في ايجاد صعوبة للاستيقاظ باكرا من أجل وظيفتك فتيقن أن الوقت حان للتغيير، ذلك معيار كاف للاستقالة، تلك وظيفة لا تشجعك على الاستمرار، لا تحميك من نزواتك في النوم، والأكيد أنها لم يعد لديها ما ينفعك على المستوى الشخصي والمهني، حري بك عندئذ الخروج من باب المؤسسة الكبير بعزة وكرامة، وإن لم يكن ذلك ممكنا في الوقت الراهن فالراجح طلب تغيير المنصب، ليحدث بعض التغيير يبقيك حيا.

ثاني المعايير الذي يقطع عندي الشك باليقين وينذر بالاستقالة هو مدى التعلم والاستفادة العلمية والتقنية، إن كانت وظيفتك لا تتيح لك تعلم شيء جديد فذلك ناقوس خطر، ذلك معناه أنك وصلت مرحلة الجمود، معناه أنك لن تضيف شيئا لشخصيتك المهنية، الزمن تغير والتطور أصبح ضروري وقطار العمل سريع، كل عام يتخرج عدد هائل من الطلبة بمعلومات طازجة وشهادات قيمة مطلوبة في السوق، تجعل من أولئك الذين لا يتطورون مزهرية قديمة يعطف عليها المدير، ديكورا يملأ به المكاتب عند زيارة الزبون.

كان يحثنا بعض الأساتذة على عدم الدخول في دوامة الروتين والاستئناس بها، وكان نصحهم كمن ابتُلي بالتدخين ينصحك بالابتعاد عنه، وكان أحدهم يقول أن الذي دأب على تأدية نفس العمل كل يوم لمدة خمس سنوات، نفس الطريق كل يوم، نفس العادات، فهو أحمق معتوه لا قيمة له في مكان عمله، والحقيقة خمس سنوات مدة طويلة، من وصل هذا المستوى هو في نظري إنسان ميت مهنيا، اللهم إن كان عملك يتيح لك قراءة الكتب والابحار في عالم الانترنت والتعلم منه.

بعد أيام من الجوع انطلق الآخر في البحث عن جبن جديد، اكتسب في رحلته معارف وخبرات كثيرة، واستمتع كثيرا خلال رحلته رغم المخاوف والشكوك، وأدرك حقيقة طعم الحرية
بعد أيام من الجوع انطلق الآخر في البحث عن جبن جديد، اكتسب في رحلته معارف وخبرات كثيرة، واستمتع كثيرا خلال رحلته رغم المخاوف والشكوك، وأدرك حقيقة طعم الحرية
 

لا بد من التعلم، لا بد من العمل على نفسك، يعمل الإنسان ما متوسطة ثمان ساعات في اليوم للشركة، ويعود إلى بيته لا يعمل على نفسه ولو نصف ساعة، كيف ترضاه لنفسك، أين وردك اليومي من القراءة، من الرياضة، من النقاشات البناءة مع أهل النقاش، كيف تقبل على نفسك أن يمر عليك يوم لم ترى فيه شيئا جديدا، لم تتعلم فيه ولو فكرة ولو كلمة، لم تحرك فيه ولو عضلة، والعضلات تموت ما لم تحركها فما بالك بالأفكار.

لا تحاول التأقلم مع وضع غير مريح غير منطقي، كمبدأ الضفدعة التي وُضعت في إناء به ماء ساخن، ما إن وضعت حتى قفزت هربا من هذه البيئة غير الملائمة، ثم أعيدت التجربة وهذه المرة وضعت في إناء به ماء دافئ وتحته نار، تأقلمت مع الماء الدافئ ولم تهرب، زادت حرارة الماء شيئا فشيئا، والضفدعة لم تقفز، استسلمت بعد أن خرّت قواها بفعل الحرارة، لذلك معيار التغيير وتوقيته مهم.

من الذي حرك قطعة الجبن الخاصة بي؟

قزمان وفأران يعيشون في متاهة تُمثّل المكان الذي نبحث فيه عما نريد، ويبحثون عن الجبن الذي يرمز إلى السعادة أو المال أو الوظيفة.. تبدأ المجموعة بلا جبن وينفصل الفئران عن البشر في ممرات المتاهة الطويلة بحثاً عن الجبن، تجد المجموعتان ذات يوم ممرا مليئا بالجبن، يتم استهلاكه مع الأيام فينفذ، لم يغالي الفأران في تحليل ما حدث وبدءا في البحث من جديد، أما القزمان فكان وجود الجبن أمرا مسلما به، روتينا قديما لا يبلى، فصرخ أحدهما: من حرك قطعة الجبن الخاصة بي؟!

بعد أيام من الجوع انطلق الآخر في البحث عن جبن جديد، اكتسب في رحلته معارف وخبرات كثيرة، واستمتع كثيرا خلال رحلته رغم المخاوف والشكوك، وأدرك حقيقة طعم الحرية، ذلك أنه لم يعد يربط مصيره بمحطة الجبن بل برحلة البحث عنه، وجد محطة جبن جديدة ونسخ على حائطها ملخصا من سبع مراحل لإدارة التغيير والاستعداد له، أترك للقارئ لذة اكتشافها ببحث سريع عن سبنسر جونسون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.