شعار قسم مدونات

جلالة الرئيس.. ديمقراطية "جملكيات" ٩٩.٩٩٪!

blogs بوتفليقة

لم يكن الأمين العام لجبهة التحرير الوطني -الحزب الحاكم في الجزائر – جمال ولد عباس يخالف قواعد السياسة العربية وهو يعلن مؤخرا في المجلس الوطني الشعبي (البرلمان) أن "الجبهة" لا تتوفر على مرشح غير الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لخوض الرئاسيات المقبلة، مؤكدا بكلمات غير قابلة للتأويل أن "مرشحنا وخيارنا الوحيد هو الرئيس". فقد اعتاد العرب منذ خمسينيات القرن الماضي -عندما أسقطت الأنظمة الملكية وظهرت الجمهوريات – على استمرار الرئيس في الحكم حتى وفاته، مع الاحتفاظ بشكليات النظام الجمهوري كانتخابات الرئاسة مثلا.

 

البداية كانت مع انقلاب عام 1952 في أرض الكنانة، حيث أطاح الضباط الأحرار بالملك فاروق، ووضعوا نهاية لحكم أسرة محمد علي، وما لبث عبد الناصر أن أصبح الحاكم الأوحد لمصر بعد أن أقصى زملاءه في مجلس قيادة الثورة، بدءا بمحمد نجيب وانتهاء بزكريا محيي الدين، ولم يبق معه حتى النهاية سوى رفيق دربه حسين الشافعي، ومحمد أنور السادات.
  

بداية الحكاية

نسبة 99.99% ظهرت لأول مرة في مصر في استفتاء 16 يناير/كانون الثاني 1956 حيث استفتي المصريون عن دستور 56 الذي يلغي الملكية والأحزاب ويعلن الجمهورية ومواد أخرى، إلى جانب اختيار عبد الناصر رئيسا للجمهورية. عامين بعد ذلك، دعي المصريون مرة أخرى للتصويت في استفتاء على الوحدة بين مصر وسوريا، وجاءت النسبة بـ 99.5%. ولم تختلف هذه النسبة كثيرا عام 1965 عندما عبر 98.51% عن موافقتهم استمرار الرئيس عبد الناصر لفترة رئاسية ثانية. واستمرت النسبة ذاتها في عهد محمد أنور السادات الذي أجريت في عهده ستة استفتاءات كان أولها حول دستور 1971 الذي يوسع سلطات رئيس الجمهورية، وآخرها في 10 سبتمبر/أيلول 1981 (أيام قليلة قبل حادث المنصة).

 undefined

وخلال تلك الاستفتاءات الستة، تراوحت نسبة المصوتين ما بين 95% و99.45%.. وعندما جاء محمد حسني مبارك إلى سدة الحكم، ظل على كرسيه لا يزحزحه أحد، ونظم سبعة استفتاءات بدأها عام 1981 بما يعرف في تاريخ مصر باستفتاء التسعات الخمس، حيث قال النظام إن 99.999% وافقوا على اختيار مبارك رئيسا للجمهورية خلفا للسادات. وكان استفتاءا 1993 ثم 1999 لتجديد ولاية مبارك، ولم تنزل نسبة المصوتين بنعم عن حاجز 99%.. وخلال السنوات العشر الأخيرة من رئاسته، كان مبارك ونظامه يعدان لتوريث السلطة لجمال مبارك، وهو ما أثار ضده سخطا شعبيا، استمر حتى سقوط مبارك عقب اندلاع ثورة 25 يناير.

 

وفي تونس، سيطر زين العابدين بن علي على الحكم منذ انقلابه عام 1987 على نظام الحبيب بورقيبة، وظلت نسبة إعادة انتخابه في خانة التسعينات ولم تنزل إلى خانة الثمانينات إلا في رئاسيات 2009 عندما حصل على 89.62%. وغالبا ما كان بن علي يترشح لوحده، أو يرتب نظامه لجلب مرشح منافس، كان التونسيون يتندرون عليه بالقول إنه هو نفسه صوت لبن علي. وبورقيبة نفسه، ظل يحكم تونس لوحده دون منافسة منذ استقلال البلاد وحتى إطاحة بن علي به.

 

وفي تاريخ مصر، يظهر أن لعبد الفتاح السيسي وضعا خاصا، فإلى جانب أنه حافظ على نسب التسعينات، إلا أنه ترك بصمته في الرئاسيات بعد لجوئه لاعتقال منافسيه الذين أعلنوا ترشحهم أمامه. وقد اضطر في 2014 لتمديد الانتخابات ليوم واحد فصارت ثلاثة أيام، ووظف أركان نظامه كل الوسائل لإجبار الناس على التصويت، لكن المشاركة كانت ضعيفة جدا ومخالفة للرقم الذي أعلن رسميا بحسب ما أكده ناشطون، وفي نهاية المطاف أعلن عن فوزه بالرئاسة عام 2014 بـ 96.1%، بينما فاز منافسه حمدين صباحي بـ 3.9% فقط.

 

وتميزت انتخابات التجديد عام 2018 بسجن أو إقصاء كل المرشحين المنافسين، ابتداء من أحمد شفيق، وانتهاء بسامي عنان وأحمد قنصوه، وكاد السيسي يترشح لوحده قبل أن يعلن عن ترشح موسى مصطفى موسى ـ وهو من مؤيدي السيسي ـ ويحصل على 3.1% فقط من الأصوات.

 

100%

وفي العراق، ومنذ أسقط تنظيم الضباط الوطنيين الحكم الملكي في الـ 14 يوليو/تموز 1958، تشبث العسكر بكرسي السلطة ولم يكونوا يتركونه إلا إثر انقلاب أو خلع. وحاول الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الحفاظ على شكليات الانتخابات، وكان آخر تصويت انتخابه لصالحه عام 2002، حيث حطم الأرقام القياسية التي سجلها الرؤساء العرب قبله، وقال النظام وقتها إن نسبة التصويت كانت 100%. وبلغ عدد الناخبين وقتها نحو 12 مليون شخص، وقد طلب منهم التصويت "بنعم" أو "لا" على مد رئاسة الرئيس صدام لسبع سنوات جديدة، ولم يكن يعلم أحد أن الأوضاع ستنقلب رأسا على عقب بعدها بعام إثر الغزو الأميركي البريطاني للعراق.

 undefined

السيناريو نفسه تكرر بالتفاصيل نفسها تقريبا مع اختلاف المسميات في سوريا، حيث انتخب بشار الأسد رئيسا للبلاد عام 2000 بعد وفاة والده، وشكل ذلك بعض الاستثناء لسوريا التي انتقل فيها الحكم داخل نظام جمهوري بالوراثة من رئيس إلى ابنه. وبرغم اندلاع الثورة السورية عام 2011 ودخول البلاد نفقا مظلما راح ضحيته الملايين، حرص بشار على الاحتفاظ بالشكليات، ونظم في 2014 انتخابات رئاسية شارك فيها ثلاثة مرشحين، وفاز هو بها بـ 88.7%، فيما لم تتجاوز نسبة منافسيه 3.4% لحسان النوري، و2.3% لماهر حجار.

 

ولتفادي تكرار المعطيات نفسها تقريبا، يمكن القول إجمالا إن الوضع في اليمن قبل اندلاع الربيع العربي، كان مشابها لسيناريوهات مصر وتونس وسوريا، وظل علي عبد الله صالح مسيطرا على الحكم منذ 1979. وفي 1999 عمل على تنظيم انتخابات رئاسية نافسه فيها العضو السابق بحزبه (المؤتمر الشعبي العام) نجيب قحطان الشعيبي، وفاز فيها صالح بأغلبية ساحقة وصلت إلى 96.3%.

 undefined

  

"الجملكية"

هذه النسب التسعينية التي ظن كثيرون أنها ستختفي عن الساحة بعد اندلاع الربيع العربي، أعادها مؤخرا حديث مؤيدي الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى واجهة النقاش، بعد تأكيدهم في تصريحات أنه سيترشح لولاية خامسة العام المقبل. وبدأت حكاية بوتفليقة والرئاسيات عام 1999 عندما انتخب رئيسا للبلاد بعد انسحاب المرشحين المنافسين إثر تأكدهم من توجيه الانتخابات لفائدته، ثم عاد مرة أخرى عام 2004 وترشح لولاية ثانية فاز فيها بنحو 85% من الأصوات.

 

وعدل الدستور ليسمح له بالترشح لولاية ثالثة عام 2009 في انتخابات قدرت نسبة المصوتين له بـ 90.24%، ثم رشح لولاية رابعة فاز فيها عام 2014 بأكثر من 81.53% من الأصوات. وبحسب تصريح الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني ولد عباس، فإن بوتفليقة، المصاب بعدة أمراض ولا يكاد يظهر إلا لماما وهو على كرسي متحرك، سيترشح لولاية خامسة ستجرى في أبريل/نيسان القادم، وهو الذي ظل يحكم البلاد لنحو عشرين عاما.

 

في ظل هذه الأوضاع وهذه النسب، يبدو أن مقترح الكوميدي السياسي المغربي أحمد السنوسي (بزيز) هو الحل لفك إشكالية عدم توافق النظام الجمهوري مع التشبث بالحكم حتى الوفاة أو الإقالة. فقد دعا السنوسي في أحد سكيتشاته حكام الجمهوريات العربية لتغيير التسمية، وتبني مصطلح "الجملكية"، لتحقيق التوافق ولو اسميا بين شكليات الحكم الجمهوري والتمتع بكرسي السطلة، دون اللجوء لانتخابات الرئاسة ونسب التسعينات، على أن يكون لقب الحاكم رسميا: جلالة الرئيس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.