شعار قسم مدونات

هل حقا يطارد الرقيب أدب "عبد العزيز بركة ساكن"؟!

عبدالعزيز بركة ساكن

عبد العزيز بركة ساكن روائي سوداني يقيم بالمهجر، وهو كاتب غزير الإنتاج، أكثر كتاباته تدور حول التابوهات الثلاثة (الجنس والدين والسياسة) لذلك هو كاتب من طبقة كلاسيك يكتب في خط مستقيم أحيانا، وأحيانا ينوع في تكنيك الحكايا حتى يفلت زمامها وتتحول لما يشبه المقالة. عبد العزيز ساكن له جمهور عريض على الفيسبوك، القاسم المشترك البارز لهذا الجمهور والرابطة الأساسية هي معاداة النظام، وليس المشترك الأدبي، المتتبع لسيرة الكاتب ساكن يلحظ أن هنالك علاقة ما بين ما يكتبه ساكن وما بين شهية الرقابة.. هل هنالك أي علاقة أخرى غير المنع والمصادرة لمنتوجاته؟ هذه فرضية هذا المقال.

(المشاء التقى في تونس الكاتب السوداني المنفي عبد العزيز بركة ساكن، الذي يطارد الرقيب كتبه في كل مكان، فيحجبها ويمنعها من النور، كحال صاحبها الذي طرد من بلده السودان ولم يعد مرغوبا فيه). ليس دقيقاً قط أن الكاتب طرد من البلاد، وهذه دعوى كثيرا ما تلفح بها كاتبنا في خضم الدعاية لأدبه كأدب صدامي ثوري وممنوع.

دعونا في مندوحة التدوين الحر هذه أن نكتب في جزء من المسكوت عنه في أدبنا السوداني، ولا أقصد بحال من هذا المقال، تقصد لشخصية الكاتب ساكن، لكنني كقارئ قد قرأت كل ما كتب عدا روايته الأخيرة "سمهاني"، قرأت كل منتوجه القصصي والروائي وتابعت كل لقاءاته المتلفزة وتابعت لقرابة العام كل ما يكتبه على صفحته على الفيسبوك، في خضم بحث مضني حول أدب ونص ساكن، لذا أجدني في وضع يخولني أن أكتب عنه خلاصات قراءتي وهي ليست قرانا أو معصومة بحال، وتقبل الرد والقبول والأخذ والترك:

بداية أمهد بجزء من نص للناقدة (يمنى العيد) مهم جدا في تناولنا لهذا الموضوع الخطر نسبة لجمهورية الكاتب الافتراضية، الشرسة في الدفاع عنه شخصا أكثر منه نصا، فمن الخطر في زمان الاستبداد بعامة أن تتناول أي رمز ديني أو سياسي أو أدبي، لدرجة تحول الكثير من الخطل المبثوث على مواقع التواصل الاجتماعي لأدب لا يقبل غير الانحناء من جمهور النقاد الوجلين. (لكن القول بالمنهج أو بقراءة منهجية، لا يعني عملا آليا، أو تطبيقا حرفيا لهذا المفهوم أو ذاك، بل يعني الاستعانة بمعارف مفهومية تضيء سبل البحث وتساعده على كشف ما بتوضيع الصراع بين كلام الآخر المقنع وبين الكاتب الذي كان ذلك الكلام الذي يتحكم فيه). يمنى العيد (الموقع والشكل).

الكاتب لا يتهاون في الإزدراء بالعرب من خلال نصوصه، وكأنه مشروع حياة بالنسبة إليه، الحط من قيمة العربي والعروبة. وهو ما جر على الكاتب وصفه بالعنصري من بعض رواد التواصل الاجتماعي

أولاً: نؤكد ان نص ساكن يمتاز بالغزارة المعلوماتية حول هويات السودان المختلفة، فالكاتب ضليع ومطلع في شؤون الدولة السودانية، والقبيلة والفلكلور المتعدد، ومهتم بجدل الهوية والاخر، وهو كاتب ليبرالي بامتياز. وهو أقرب فكراً لفكرة السودان الجديد للدكتور الراحل (جون قرنق). وهو ما جعل للكاتب شعبية محلية لكونه يسرد تفاصيل القبائل والأجناس بحس سردي هادئ ومباشر جدا في كثير من الأوقات كما سيأتي معنا.

ثانيا: يعتبر نص ساكن نص تنميطي كامل الدسم، فالرجل لا يدع فرصة في أي من أعماله الا وانتقد التاريخ، والإسلام، والعرب، والأنظمة السياسية، وأتى على ذكر الحرب بنفس اللهجة الدعائية لمنظمات حقوق الانسان، ومن طالع روايته (مسيح دارفور) يعرف أكثر ما نشير إليه، وأظن أن هذه الرواية تحديدا هي التي فتحت أوربا أمام الكاتب ولاقت رضا المثقف الأوروبي العلماني صاحب الولاء الدفين لبقايا مسيحية ضامرة داخل تلافيف وجدانه.

الكاتب لا يدع فرصة في أعماله الا وأزرى بالإسلاميين وصورهم وشنع بهم. ولا أستحضر له عملا لمم يقم فيه بلفتة هوليودية تحط من قيمة الإسلامي هيئة وفكرا، لدرجة أن الكاتب في عمله الموسوم ب(الرجل الخراب) كان كثير التحكم بالشخصية الأساسية (هاينرش) أو (درويش) المسلم الذي لم يصلي طوال عشرين عاما الا مرتين، كنت أشفق جدا على هذه الشخصية من تدخل الكاتب الواعي ومن قسوته في رسمها بأسوأ ما تكون، فمن خلال شخصية صورية، ناقش الكاتب ملف هجرة الشرقي لأوروبا، غازل الاستبداد المصري الأمني يوم جعل من شخصيته إرهابية قديمة، عاد وناقش الحداثة الاوربية ومخاوف المسلم على عرضه ودينه بأوروبا، وزخرف بصدق أوربا وصورها بأحسن ما تكون، وفي الاخير قتله بيد زوجته (نورا شولز) الأوربية، وبكل بساطة برأها من قتله وقال أنها دفعته فقط! هذه الرواية بها ضخ فكري أكثر من الحد المعقول لنص أدبي أن يتحمله.

لا أعتبر نص ساكن بريء من الغرض بتاتا، وربما قال قائل، هذا طبيعي وهذه مجالات الكُتاب بعامة، لكن المأزق عند ساكن هو في شكل سرده للآخر المختلف، خاصة العربي المسلم، فهو دائماً مظلم، كالح، ظالم، مستبد، وهو إما منافق أو تاجر دين أو ذكوري شهواني، فالكاتب لا يتهاون في الإزدراء بالعرب من خلال نصوصه، وكأنه مشروع حياة بالنسبة إليه، الحط من قيمة العربي والعروبة. وهو ما جر على الكاتب وصفه بالعنصري من بعض رواد التواصل الاجتماعي. قلّ أن تجد له شخصية عربية مسلمة معافاة من الاغتيال والتدخل المباشر الواعي منه شخصيا، لدرجة أنني كثيرا ما كنت أتوقع النهايات لما يكتب، تقول الناقدة (يمنى العيد) في كتابها السابق (الراوي: الموقع والشكل بحث في السرد الروائي): (تتسم بنية هذا النمط بطابع التماسك والانسجام، تترابط، وعلى مستوى الحكاية في النص، حلقات القص. تترابط بعلاقة ضرورة، لها منطقها الخاص، وتحتل النهاية مكانة هامة وأساسية، لأنها تحدد منطق هذا الترابط. يمكن للقارئ أحيانا أن يستكشف في ضوء معرفته بفكر الكاتب، آلية الأحداث ومؤداها).

ثالثا: حكاية الرقيب الذي لا يقرأني هكذا، كما يقول في وصف نفسه، لها وجهة نظر أخرى، وهي أن الرقيب بات نوعاً من جواز المرور لأعمال الكاتب للانتشار، وأن الرقيب نفسه لحسابات راهنة على المشهد الثقافي السوداني مؤخراً بات متواطئاً، وقد أفردنا لهذه الفرضية مساحة في كتابنا -يسر الله نشره- وكنت أتمنى من فريق إعداد حلقة (الزبون الدائم للرقيب) أن يمر بشوارع الخرطوم ومحلات بيع الكتب، خاصة جوار المسجد الكبير بالخرطوم، وقرب كمبوني وسينما كلوزيوم سابقا، حيث أكثر الكتب رواجا وعرضا هي حصن المسلم وتعلم الإنجليزية والتنمية البشرية ثم منتوجات الروائي ساكن، خاصة روايته المعروفة (الجنقو)، حتى معرض الكتاب بالخرطوم الدورة السابقة العام 2017 كانت كتب ومؤلفات ساكن تعرض فيه على مرأى من الرقيب في دور نشر معروفة. كذلك مسألة النفي كما أسلفنا لم يكن العنوان أميناً بل فيه بعد عن الموضوعية وتحري الدقة، فالنفي نوع من العقوبة الجنائية التي يوقعها القانون على الشخص، وهو ما لم يقع في حالة كاتبنا ساكن، فالرجل غادر وطنه عبر المطار طوعاً وعاد في وقت لاحق وقد تم تكريمه بمنطقته (خشم القربة) وكان جزءاً من جماعة التكريم وزارة الثقافة بالمنطقة وهي بالطبع جزء من النظام وهو الأب النهائي للرقيب فما هذا الزعم؟! فأي نفي ومصادرة ورقابة يحدث المشاهد عنها الناشر والشاعر التونسي (شوقي العنيزي)؟ 

رابعاً: أختم بنقطة هي نسبية جداً، ودار حولها جدل كثيف، وهي حشو نص ساكن بأدب المتعة والجنس، وهنا أشير إلى أنه لا ضير في تناول الجنس كقيمة بشرية تدخل في كثير من تفاصيل حياة الإنسان، لكن الإشكال كذلك عند ساكن، هو في حد التفريط والابتذال، أو بلغة النقاد هو في حسن التوظيف للجنس في السياق العام للحكاية، فلا يمكن بحال أن تكون حياة نص وعمل كامل مدارها حول الجنس وثيمتها الأولى والنهائية هي الجنس، فبين كل صفحة وأخرى في أعمال ساكن هناك جنس، بشكل مفرط لا يستقيم حتى مع قدرة الإنسان في الواقع اليومي، كل من مروا على أعمال ساكن لابد وكأنه فرض عين أن يمروا من الفراش، وهذا ما يجعلنا نذهب إلى أن نص ساكن نص يتوسل الرواج عن طريق الجنس الصرف، بأكثر من توظيف سليم وحقيقي مع السياق الكامل للحكاية.

الحديث يطول عن أدب ساكن، لكن ما أود تقريره هنا في عجالة، أن الحالة النقدية العربية للأسف تعاني من نفس الحالة المشيخية الدينية بالعالم الإسلامي اليوم، فهي وضعت كثير من أدبائنا وكتابنا في مصاف (سمو الملك) الذي من ينقده أو يعقب عليه فله اللعنة. سنعقب مرة أخرى ونكتب أكثر من زواية ناقدة حرة، لمجمل أعمال الكاتب عبدالعزيز بركة ساكن، ولن نخشى في ذلك لومة لائم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع:
– الراوي " الموقع والشكل بحث في السرد الروائي – د . يمنى العيد – ط1 2006 – مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية.
– الرجل الخراب – عبد العزيز بركة ساكن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.