شعار قسم مدونات

الضرب كوسيلة عقابية.. جريمة تربوية بحق الأبناء!

blogs طفل يبكي

تعرض بعضنا للضرب وهو صغير، ومارس عقوبة الضرب وهو كبير، ويظن أن تأثير الضرب هو استجابة الطفل، سامحني يا عزيزي فالضرب جريمة تربوية، وإن اعتقدت أنها تحقق لك المقصود فأنت واهم. فاستخدام الضرب كوسيلة عقابية هو أسوأ الوسائل وأسرعها طريقة لإفساد الطفل وترويعه وتخريب عقله وفكره بل ونظرته للحياة والمستقبل والناس فحين يتعرض الطفل للضرب لا يتألم جسده فحسب ولا يجرح قلبه فحسب بل تفسد نظرته لأبيه أو أمه أو لكليهما والأهم أنه ينظر لنفسه نظرة دونية مؤذية إما تدفعه لمزيد الاستكانة والمهانة أو تدفعه للتوحش والتغول والتحول إلى أداة عنيفة قاسية الفكر والعقل والمشاعر.

ففي دراسة عقدتها جامعة تولان (TULAN UNIVERSITY) تناولت فيه موضوع استخدام الضرب كعقوبة للأطفال ونتائجه وآثاره على سلوك الطفل في المراحل الأولى والمتأخرة فأثبتت الدراسة أن الطفل الذي يتم تعنيفه وضربه في حدود سن الثالثة من العمر تظهر عدوانيته وعنفه في سن الخامسة فيضرب رفاقه وأصحابه وإخوانه بل وعلى الحيوانات الأليفة كذلك.

ولنتشارك معًا هذه المعلومات كآباء وأمهات:
1- العقاب البدني أو الضرب لا يؤدي إلى تحقيق المقصود ولو كان يظهر أنه يحققه فقد يستسلم الطفل لرغبة من يعاقبه لكن مع مرور الوقت يبقى الأمر عالقًا في ذهنه ويترسخ في عقله أن أباه أو أمه لا يستطيع فعل شيء له إلا الضرب فليكن: ماذا سيحدث يعني ما فيها شيء ويتمثل حاضرًا واضحًا أمامنا المثل الشعبي المصري: (علقة تفوتت ولا حد يموت).

إعلان

الطفل الذي يتعرض للعقاب البدني يكون حلقة في سلسلة العنف الأسري داخل الأسرة أو خارجها حيث يكمل هذه الحلقة بأن يتسلط هو على غيره من الزملاء أو الأشقاء فيكون الضرب والعنف هو الوسيلة المثلى له

فاستجابة الطفل للعقاب إنما يكون مصدرها خوفه منه ومن ألمه لكن متى ما بدأ يكبر ويتعرف على نقاط قوته يتلاشى الخوف من العقاب تدريجيًا ويبدأ بفعل كل ما يزعجك وكأنه يعاندك ويتحداك لتضربه حتى يقع المحظور يومًا ما فيكسر لوالديه كوبًا أو حتى يقذف أحدهما بشيء أو يدفعه بشدة أو يغلق الباب بعنف أو حتى يكسره وكثيرًا من الآباء والأمهات يشتكي عندنا وعند غيرنا أنه لم يكن يتصور ولده في المراهقة يفعل كل هذا أو يدخن أو يصاحب السفلة والمجرمين أو يدمن المواقع الإباحية أو حتى يرسب في المراحل الهامة والمفصلية في حياته وهذا يا سيدي – في الغالب – من آثار العنف التأديبي والعقاب البدني الذي بدأته أنت.

2- والعجيب في دراسات العنف التربوي والعقاب البدني أن الأب الذي يعاقب بالضرب إنما يكون هدفه السيطرة على الطفل وضبط سلوكه والتحكم في نفسه ومنعه من إيذاء نفسعه أو الآخرين ومصدرُ العَجَبِ في هذه الدراسات أنه مع الضرب تضعف سيطرة الأب على ولده بل ويتفلت سلوك الطفل ويستحيل التوجيه ويتسرب احترام الوالدين من قلب الطفل ويزداد عنفًا وتفلتًا وانسحابًا.

3- أثبتت كذلك الدراسات أن الطفل الذي يتعرض للعقاب البدني يكون حلقة في سلسلة العنف الأسري داخل الأسرة أو خارجها حيث يكمل هذه الحلقة بأن يتسلط هو على غيره من الزملاء أو الأشقاء فيكون الضرب والعنف هو الوسيلة المثلى بل والطريقة الوحيدة للتواصل معهم وحل المشكلات بينهم.

4-  الآثار السلبية الهائلة (نعم الهائلة) والمدمرة للطفل المتعرض للضرب تستمر معه في كل مراحل حياته من الطفولة للمراهقة حتى البلوغ والرجولة والتصدر للحياة فقد أثبتت الدراسات ومنها دراسة نشرت سنة 2012 في دورية طب الأطفال أن العقاب البدني القاسي مرتبط مع زيادة في احتمالات الإصابة باضطرابات المزاج واضطرابات القلق و تعاطي الكحول والمخدرات والعديد من اضطرابات الشخصية كما أكدت دراسة نشرت في مجلة الجمعية الطبية الكندية في العام نفسه لتحليل لبيانات على مدار عشرين عامًا نفس النتائج بحدوث اضطرابات في المزاج والسلوك في شخصيات الأطفال المتعرضين للضرب.

إعلان

5- التأثير السلبي للضرب لا يقتصر على الطفل المضروب فحسب بل يتعدى إلى الوالدين فكلاهما سيتحمل عواقب أفعال هذا الطفل وسيضطران إلى اللهث وراءه في المستشفيات والمصحات العلاجية بل وفي أقسام الشرطة تبعًا لسلوكه العنيف والقاسي.

6- تتأثر عقول وأدمغة الطفل المعنّف بالضرب ليس نفسيًا فحسب بل فسيولوجيًا وبنيويًا وخلصت دراسة أجريت عام 2009 أن الأطفال الذين تعرضوا للضرب في كثير من الأحيان تتغير لون القشرة الدماغية قبل الجبهة وقد تم ربط هذا الموضع من الدماغ بأمراض الاكتئاب بل والإدمان واضطرابات الصحة العقلية ومما يخيف كذلك أن الدراسات أثبتت أن الأطفال المتعرضين للضرب والعقاب البدني تنقص عندهم القدرة الإدراكية مقارنة مع الأطفال الذين لم يتعرضوا للضرب.

7- الأصل أن أغلب الكلمات المعبرة عن الانضباط إنما يكون أصلها من التعلم والتعرف على فكرة الصواب والخطأ فالانضباط يأتي مع العلم والتعلم والمحاورة أما العقاب البدني فهو يلغي المعنى الصحيح للانضباط ليحل مكانه معنى العنف والقسوة والشدة كطريقة وحيدة وفعالة لحل كل وجميع المشكلات بل والمواقف.

8- وأسوأ العواقب على الإطلاق ما يحصل من الفجوة والتباعد النفسي والعاطفي بين الطفل ومن يضربه من أهله سواء أكان الأب أو الأم فيبدأ الطفل ينسحب عاطفيًا من حياة والديه ثم يرجع هؤلاء الآباء والأمهات يشتكون لنا: لماذا لا يتحدث عيالنا معنا كما كانوا صغارًا؟ لماذا يحب أصحابه أكثر مما يحب والديه؟ لماذا لا يأكل معنا ولا ينتظم في علاقاته الاجتماعية؟ لماذا أصبح يكرهنا كأننا أعداؤه ولسنا أهله؟

العنف وآثاره يظهر بأشكال متعددة وطرق مختلفة بل إن أسوأ آثار العنف تظهر في تأثر الجسد ببعض الأعراض المرضية التي لا يتصور الإصابة بها في مراحل عمرية مختلفة كالصداع النصفي والشقيقة وضعف النظر
العنف وآثاره يظهر بأشكال متعددة وطرق مختلفة بل إن أسوأ آثار العنف تظهر في تأثر الجسد ببعض الأعراض المرضية التي لا يتصور الإصابة بها في مراحل عمرية مختلفة كالصداع النصفي والشقيقة وضعف النظر
 

قد نسمع من البعض عبارة: ضربني أهلي وكانوا يكسروني وما حدث لي شيء وما تأثرت بشيء وأنا بخير ومتعلم بل ومسؤول في وظيفتي ولي مكانة اجتماعية وأدعو لأبي وأمي أنهما ضرباني وأنا صغير فلولا الضرب ما انصلح حالي. والرد على العبارة:

إعلان

1- مَنْ زعم لك أنك بخير بالمعنى العام والشامل؟ فللحكم على هذا نحتاج لمعرفة رأي الزوجة والعيال والموظفين والزملاء والمقربين فالعنف وآثاره يظهر بأشكال متعددة وطرق مختلفة بل إن أسوأ آثار العنف تظهر في تأثر الجسد ببعض الأعراض المرضية التي لا يتصور الإصابة بها في مراحل عمرية مختلفة كالصداع النصفي والشقيقة وضعف النظر غير المبرر والتهابات الجيوب الأنفية المتكررة والتهابات المفاصل ولا أعني هنا أن هذه الأمراض لا يمكن الإصابة بها بل تكون في أوقات ليس من السهولة الإصابة بها في هذه المرحلة العمرية فضلًا عن الآثار النفسية كالقلق والأرق والاكتئاب.

2- وما وصلتَ إليه لعله أن يكون هو أدنى ما يمكن الوصول إليه ولو لم تتعرض للضرب والتعنيف لكنت الآن في أعلى المنازل وأفضل المقامات.

3- وقد تكون شذوذًا عن القاعدة ولطف الله تعالى بك وحماك وترحم بك وتفضل عليك بسلامة قلبك وعقلك ونفسك فاحمد الله تعالى على فضله عليك ومنته وتوفيقه.

4- لا ينبغي إغفال الفروق الفردية بين البشر فإن سلمت أنت ولم تتأثر فقد يتأثر غيرك فلمَ التعرض لأمر غلبت عليه المقامرة؟ أيتأثر الولد أم لن يتأثر؟ فليس هذا هو السؤال بل هل من الممكن أن تكون حياتنا سوية وسهلة وسليمة دون ضرب؟ ضرب الأطفال جريمة تربوية ينبغي التوقف عنها بل ومحاربتها توعويًا قبل قانونيًا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان