الحب المجرد ربما يكون مصطلح جديد ولكن في الحقيقة هو الوجه المتكامل للحب. هو استعداد الشخص للتخلي عن كل شيء من أجل فقط الحب، حب مجرد من كل أنانية، هو حب مانح فقط، يجعلك تحب الناس بنوع من أنواع التجرد من خلفيتهم. سواء كان أسود أو أبيض اللون، دين مغاير، طائفة مغايرة، بلد مختلفة، أي اختلاف يجعلك تراه بطريقة معينة خلاف أنه سيء أو جيد. بل أنت تحبه لأنك تحبه فقط ليس أكثر ولا أقل الأمر ليس معقد وليس فيه لبس.
ولكن أترى ألا زال هناك أشخاص يمتلكون هذا الحب المجرد، أم أصبحوا عملة نادرة يصعب إيجادها في زمن أصبح الحب المتجرد هو صاحب الموقف الأقوى، وحتى مشاعر الحب النبيلة أصبحت تتداخلها بعض المشاعر التي تنقص من كمال الحب. كثير من الأحيان نفتقد تلك المشاهد القابعة في ذكرياتنا منذ أيام الطفولة، نشتاق لمشاعر الحب التي كانت موجودة في قلوب الجميع، الزمن الذي كان الأشخاص لا يعرفون سوى الإخلاص والوفاء لبعضهم بعيداً عن النفاق والمجاملة الكاذبة التي اجتاحت قلوب الكثير في وقتنا الحاضر.
تلك الحياة البسيطة التي لم تكن تحتاج لمعاناة وتكاليف كاذبة للوصول إلى السعادة. قلوب نقية أحبت الجميع وأحبت الحياة، وعلاقات اجتماعية قوية مقدِّسة لحب الآخرين، مشاعر وأحاسيس واحتياجات معنوية إنسانية فقدت في زمن ساده حقد وجفا القلوب. لم يخطر ببالنا بأن هذه المشاهد ستحذف نهائياً من الحياة، وستصبح القسوة العادة الأكثر انتشاراً، وسيفقد الإنسان رحمته وستتنافر القلوب، وسيأتي على المرء يوماً لن يجد سوى نفسه في هذا العالم الكبير وحيداً، رغم وجود الكثير من الأشخاص، سيكسر ويحزن ولن يجد من يسنده ويربت على كتفه، وإذا فرح لن يجد من يشاركه الفرحة، وستكون هذه المشاعر خاصة محرم الاعتراف والتعامل بها.
تَجمد فينا شَغف التواصل وإدامة العلاقات بين الأفراد بشتى أنواعها، بل وفاقَ الأمر ذلك بأن أصبحنا نجلس خلف لوحات المفاتيح ننسخ العبارات التي تُعجبنا ونلصقها، صداقات مزيفة وعلاقات كاذبة |
زمان طويل مضى على زمن حياة القلوب، لم يستطع أي ظرف كان محوها من الذاكرة، ولكن البشر سمحوا بمحوها من الحياة، ليتم الحكم عليها بالإعدام وتصبح مشاعر مهددة بالانقراض. لم يعد هناك المزيد من الإحساس بالآخرين ومساعدتهم في التغلب على ظروف الحياة الصعبة، وتخفيف الألم ومداواة الجراح والأحزان.
لم يعد بيدنا حيلة سوى التكيف مع هذا الواقع المخادع والانغماس فيه، متناسين بشكل تام المشاعر التي اعتدنا على العيش بها، ووجودها في قلوب الجميع بلا استثناء، ولكن ليس بعد اليوم فقد أصبحنا في زمن يؤمن فيه الأشخاص بمقولات الفوز لأصحاب العقول وليس القلوب. ستنظر من حولك وسترى تلك المصطلحات التي يتم أخذها قدوات في الحياة، الأخوة أعداء، الأقارب عقارب، وغيرها من الأمثلة التي جعلتنا نؤمن بأنه لم يعد خير في الحياة.
التشتت والفرقة، ومشاعر البغض في القلوب ازدادت، والتكنولوجيا أصبحت المتحكم الوحيد بالعقول والقلوب، والمناسبات الاجتماعية أصبحت تتم عبر شبكات التواصل الاجتماعية، وظهرت مشاعر جديدة "المشاعر الإلكترونية" لتُصبح الكلمات جافة، باردة وخالية من كل إحساس ما هي إلا (كِلمة ورَد غَطاها..) وكأن شُعلة المودة والمحبة قد انطفأت، وكأننا أشبه بالإنسان "الآلي".
تَجمد فينا شَغف التواصل وإدامة العلاقات بين الأفراد بشتى أنواعها، بل وفاقَ الأمر ذلك بأن أصبحنا نجلس خلف لوحات المفاتيح ننسخ العبارات التي تُعجبنا ونلصقها، صداقات مزيفة وعلاقات كاذبة نشأت من أجل مصالح خاصة، مخالفة للمشاعر الفطرية المجردة. لقد كنا سبباً مباشراً في موت المشاعر وتهميشها، وانطفاء الروح وانتحار العاطفة، فأي حياة هذه التي نحياها بأجسادنا فقط، وكيف سمحنا باختفاء المشاعر الجميلة والإحساس النقي الذي خلق بدواخلنا، أما آن للرؤية أن تتضح وننظر بعمق إلى داخل قلوبنا ونخرج تلك المشاعر المجردة التي دفناها، في الواقع ليس هناك عيب ولا خطأ في الكلمات والمشاعر، لكن العيب والخطأ هو أن نظن أن الكلمات والمشاعر فقط تساوي الحب، لأن الحب أكبر وأسمى بكثير من كلمات ومشاعر مجردة!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.