شعار قسم مدونات

هل عليكِ أن تصابي بالازدواجية كي تكوني نسوية؟!

blogs نسوية

منذ فترة ليست بقصيرة، ظهرت أمامي صفحة على "الفيسبوك"، تختص بالنسوية والنسويات، وكوني فتاة أعيش في مجتمع شرقي لا زال يعاني من تشوهات في بعض العادات والتقاليد التي لا تمت للدين الإسلامي بِصِلة، فقد قررت أن أدخل تلك الصفحة وأتابع محتواها، فتلك الصفحة بالتأكيد سيكون هدفها الأول والأخير، الدفاع عن المرأة المظلومة، ومحاربة العادات والتقاليد البالية، والتي "أكرر"، لا تمت للدين بِصِلة!

كان محور الصفحة الرئيسي، يدور حول الحرية، والحرية للمرأة تحديداً، التي سُلبت حريتها في الكثير من الأمور، كالعمل، والتعلم، وإبداء الرأي، وحتى اختيار شريك حياة يناسبها.. لا أنكر أن الإسلام قد أعطاها كافة حقوقها وأمر بها، لكن المجتمع الذي لا زال يعاني من ثُقب في دماغه هو من سلب منها تلك الحريات، بعد أن أعطاها إياها الإسلام.. وذلك المحور "الحرية"، محور مهم ورئيسي، والأهم أنه لا يتعارض مع الدين الإسلامي، فقد خلقنا الله أحراراً، نساءً كنا أم رجالاً، وترك لنا الحرية في كل شيء، بعد أن وضح لنا الخير والشر، الصح والخطأ، لم يجبر أي منا على أن نسلك طريقاً لا نرغبه.. لذلك فقد كان من المهم جداً، أن تكون الحرية هي محور تلك الصفحة الرئيسي.

ولا بد لي، أن أوضح نقطة غاية في الأهمية قبل أن أستأنف حديثي، فأنا حين أدافع عن المرأة وأنصرها وأطالب بحقوقها، ذلك ليس لأنني أنتمي إلى جنسها! فالموضوع بالنسبة لي ليس مجرد "فزعة!"، إنما هو مبدأ قائم في الأساس على نصرة المظلوم، وإن كان المظلوم رجلاً سأقف معه بالتأكيد، أنا ضد الظلم والاضطهاد والتمييز، ولست ضد الرجل بحد ذاته.. ولنعلم، أن الرجل لا ذنب له في تمييزه وتقديسه منذ آلاف السنين، فهي عادة توارثها العرب، كما توارثوا ظلم المرأة واضطهادها، ولذا، فإن كلا الجنسين وقعا ضحية موروثات رثّة، قد تجعل من الرجل وحشاً كاسراً، أو رجلاً مغروراً، وتجعل من الأنثى فريسة سهلة، ضحية كسيرة.

تلك الصفحة والقائمات عليها ينادين بالحرية، ويحاربن المجتمع لأنه يحارب حرية المرأة، ويحارب المرأة غير المحجبة بسبب لباسها، فكيف يقمن بنفس الوقت، بالحط من قيمة المحجبة ومحاربتها

نعود الآن إلى تلك الصفحة، التي تنادي دوماً بالحرية، بدأت أفهم مؤخراً، أنها لا تحارب ظلم المرأة، بل إنها تحارب الدين الإسلامي بحد ذاته! يطالبن دوماً بالسماح للمرأة أن تعيش بحريتها الكاملة كما يفعل الرجل، تخوض علاقات غير شرعية، تخطئ دون أن يهاجمها المجتمع، إلا أنني أرى، أنه من الأفضل أن نطالب بمعاقبة الرجل على أخطائه كما تعاقب المرأة، بدلاً من أن نطالب بتلك الحرية الفاحشة للمرأة، فإن الحرية الحقيقية لا تعني أن نعيش دون أخلاق أو ضوابط! فنحن بالنهاية لا نريد مجتمعاً رخْواً "كالشوربة"! كما تحارب القرآن، الحجاب، النقاب، تحارب تعاليم الدين الإسلامي وأوامره بإثابة المحسن ومعاقبة المذنب!

لن أدافع عن الحجاب أو القرآن أو النقاب في مقالي هذا، لكنني سأترك سؤالاً بسيطاً، تلك الصفحة والقائمات عليها ينادين بالحرية، ويحاربن المجتمع لأنه يحارب حرية المرأة، ويحارب المرأة غير المحجبة بسبب لباسها، فكيف يقمن بنفس الوقت، بالحط من قيمة المحجبة ومحاربتها، فقط لأنها مختلفة عنهم؟! ويعتبرونها ضعيفة ومتخلفة لأنها انساقت خلف المجتمع وتقاليده؟ ولِم لا يقولون أنها سعيدة بحجابها وترتديه عن قناعة وحرية تامة؟ كيف لهم أن ينادوا بالحرية ويدافعون عنها، وهم يعتدون على حرية الأخريات بالحجاب أو النقاب؟

يبدو أنها ليست الازدواجية الوحيدة، أو الفصام الوحيد الذي نراه في تلك الصفحة، فذات مرة، حاربوا القرآن الكريم، وكانوا من أشد المعارضين لبعض ما قيل فيه، وبعد أيام، قاموا بنشر منشور يناصرون فيه المطربة أم كلثوم، ويتحدثون عن ظلمها الذي تعرضت له من الجامع الأزهر، الذي رفض أن يحقق لها أمنيتها، وهي أن تُسجل القرآن الكريم بصوتها، بحجة أن صوت المرأة عورة، وقد كانت صاحبة المنشور شديدة الحزن على أم كلثوم، التي ماتت دون أن تحقق أمنيتها في تسجيل القرآن الكريم!

أتساءل، كيف يحاربون القرآن الكريم تارة، ثم يأخذونه حجة لمهاجمة الشيوخ تارة أخرى ويعتبرونه حقاً لا يجب أن تحرم منه المطربة؟ أما الأمر الأخير، والمثير للضحك حقاً، حين تسخر إحدى النسويات، من عبادة معينة، أو تصرف معين تقوم به فتيات أخريات، "لاحظوا أنها تدعي الحرية في كلامها"، فإنها تقوم بحظر جميع من يعارضها أو يحاول أن يبدي رأيه أو يدافع عن حرياته، أين الحرية التي تدّعون، يا رعاكم الله؟! لم يقف الموضوع عند هذا الحد، فإن ادّعاء الحرية وصل بهنّ إلى الدفاع عن أمر قد يدمّر الإنسانية بحالِها، حين يقمن بشكل دوري بنشر منشورات تدافع عن المثليين في حقهم في الزواج، وتعتبر المثلية حالة طبيعية وليست مرضاً خطيراً بحاجة إلى معالجة! بعيداً عن حرمة الموضوع شرعاً، وبعيداً عن كونه أمر يخالف الفطرة السليمة التي خلقنا عليها كبشر، كيف لعاقل أن يدافع عن أمر يؤدي إلى انهيار النسل الإنساني، يؤدي فعلاً إلى تدمير الإنسانية؟! هل الحرية ستصل بنا يوماً إلى أن نسمح لأنفسنا بالاندثار؟!

إذاً، إن كنّ صاحبات تِلك الصفحة، يعتبرن المثلي بشر طبيعي لا يحق لنا أن نقف في وجهه، ولا يحق لنا أن نتهمه بحاجته لمعالجة نفسية، ويحق له ممارسة ما تحب نفسه وإن كان شاذاً عن الطبيعة، فلماذا إذاً، يحاربن الرجل السادي مثلاً الذي يعشق إذلال الآخرين وإهانتهم والسيطرة عليهم؟ أليس هو الآخر له الحق في ممارسة ما يحب، وإن كان شاذاً عن الطبيعة؟ ولمن يريد أن يقول أن المثلي لا يؤذي غيره كما يفعل السادي، فهذا عين الخطأ، فإن المثلي يؤذي مجتمعات كاملة، ولندرس الموضوع بعيداً عن العواطف المشوّهة.. وأقول مشوهة لأنه يستحيل لمن يملك عاطفة سليمة أن يرضى بمثل تلك التصرفات ويشجعها، أصحاب العواطف المشوهة فقط من يفعلون ذلك.. أما في الختام، يا أيتها النسويات حول العالم، لست مصابة بانفصام الشخصية، ولا الازدواجية، هل يمنعني ذلك من أن أدافع عن المظلومات من بنات جنسي، وهل يمنعني ذلك من أن أكون نسوية؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.