شعار قسم مدونات

على منصة حماس.. مصر تردُّ الصاع لـ "إسرائيل"!

blogs الوفد المصري

استهدفت طائرات حربية "إسرائيلية" مساء يوم الخميس 9 أغسطس/2018، مبنى مؤسسة المسحال الثقافي في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة بأكثر من 10 صواريخ مما أدى لتدميره بالكامل، إذ يحتوي المبنى على مقر الجالية المصرية، ولم تبدي القيادة المصرية أي ردة فعل على ذلك مما أثار الاستغراب لدى الأوساط السياسية. سأعود لهذا الخبر بعد تناول خبر مشاركة وفد المخابرات المصرية برئاسة نائب رئيس جهاز المخابرات المصري، اللواء أحمد عبد الخالق -وهو المسؤول عن الملف الفلسطيني في الجهاز- في حفل تأبين شهداء القسام الذي أقيم بتاريخ 17 نوفمبر/2018، لربط الحدثين ببعضهما البعض، فلا مكان للصدف والعفوية في ميدان السياسة.

ففي عملية وصفها الإعلام العِبري بالاستخبارية المعقدة، حين توغلت لثلاثة كيلومترات قوة عسكرية (إسرائيلية) خاصة داخل قطاع غزة، في محافظة خان يونس، لاقت تلك "القوة الخاصة" مقاومة شرسة من مقاومين فلسطينيين ينتمون لكتائب عز الدين القسام، بعد أن تم كشفها، الأمر الذي أدى في النهاية إلى خروج العملية عن السيطرة وأسفرت عن مقتل ضابط (إسرائيلي) رفيع، وجرح جندي وُصفت جراحه بالخطرة، واستشهد على إثر عملية التصدي ستة مقاومين فلسطينيين، من بينهم القيادي في كتائب القسام "نور بركة".

جاءت هذه الحادثة بعد التوصل لصيغة تهدئة -برعاية مصرية- بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال (الإسرائيلي) مبنية على تفاهمات عام 2014 التي أعقبت العدوان على قطاع غزة، بمعنى أن الخرق جاء من طرف الاحتلال واضعاً الوسيط المصري في موقفٍ محرج أمام فصائل المقاومة الفلسطينية.

أرسل الوفد المصري رسالة للسلطة برئاسة محمود عباس أبو مازن، بأن حماس لا يمكن تجاوزها، والتعاطي معها واجب تفرضه معطيات الواقع، وأن دعوات نزع سلاح المقاومة غير منطقية في ظل الالتفاف الشعبي

وعلى إثر ذلك ردَّت المقاومة الفلسطينية من خلال غرفة العمليات العسكرية المشتركة على هذا الاعتداء بصورة فاجأت كيان الاحتلال كماً وكيفاً، ثم تدخل من جديد الوسيط المصري لعودة الأطراف لحالة التهدئة على مبدأ الهدوء يقابله الهدوء، وفي خطوةٍ غير معهودة، زار وفد المخابرات المصرية بيوت العزاء التي أقيمت لشهداء المعركة، كما زاروا وعاينوا موقع الحدث واستمعوا لشرح مفصل حوله، ولم يكن ذلك الحدث الأبرز ضمن جدول أعمال الوفد في قطاع غزة؛ بل شارك في حفلٍ أقامته حركة حماس لتأبين الشهداء، والتقطت عدسات المصورين صورة لنائب رئيس جهاز المخابرات المصري، اللواء أحمد عبد الخالق، في الحفل وهو يقبّل أحد أبناء شهداء القسام على مرأى من الحضور والمصورين والشخصيات المشارِكة، كما لفت الانتباه مدى حفاوة الاستقبال للواء عبد الخالق، ومدى حميمية العلاقة بينه وبين قيادات فصائل المقاومة الحاضرة للاحتفال.

وكما ذكرت أن في ميدان السياسة لا مجال للصدف والعفوية، خصوصاً في ملعب القضية الفلسطينية وتشابكاتها الإقليمية والدولية، فإن الوقوف بالتحليل لموقف وفد المخابرات المصرية جدير بأن نهتم به، فشيطنة حماس وجناحها العسكري "القسام" كان الشغل الشاغل للإعلام المصري المُوجَّه من أجهزة الأمن.

مما لا شكَّ فيه أن وفد المخابرات رفيع المستوى أراد إيصال رسائل محددة لعدة جهات:
للسلطة برئاسة محمود عباس أبو مازن، بأن حماس لا يمكن تجاوزها، والتعاطي معها واجب تفرضه معطيات الواقع، وأن دعوات نزع سلاح المقاومة غير منطقية في ظل الالتفاف الشعبي وضرورات المهددات الأمنية لقطاع غزة. أما الرسالة لحماس وفصائل المقاومة، فهي: الاعتراف بدوركم كلاعب مهم لا يمكن تجاوزه، فقد أثبتم صدق توجهاتكم ونواياكم بالتعاطي مع الجهود المصرية في التهدئة.

أراد النظام المصري طمأنة الفلسطينيين وخصوصاً فصائل المقاومة لدور المخابرات في مباحثات التهدئة من حيث الحيادية؛ سعياً لحفظ التأثير، وأملاً في اكتساب نقاط تضاف كإنجازات ضمن وساطته في ملف القضية الفلسطينية
أراد النظام المصري طمأنة الفلسطينيين وخصوصاً فصائل المقاومة لدور المخابرات في مباحثات التهدئة من حيث الحيادية؛ سعياً لحفظ التأثير، وأملاً في اكتساب نقاط تضاف كإنجازات ضمن وساطته في ملف القضية الفلسطينية
 

أما الرسائل (لإسرائيل): فالأولى: أن مصر تبنت الرواية الفلسطينية للحادثة، خصوصاً وأن خرق حالة التهدئة قد أساء لوجه المخابرات المصرية التي توسطت مراراً للوصول لصيغة الهدوء مقابل الهدوء، والثانية: أن مصر لم تنسَ ما اقترفته طائرات الاحتلال (الإسرائيلي) بقصفها -سابقاً- لمبنى يضم مقر الجالية المصرية ويُرفع عليه العلم المصري -وهنا أعود لما ابتدأت به مقالي-، حيث كانت رسالة القصف أن الاحتلال سيبدأ في أي عملية عسكرية يقررها داخل قطاع غزة مما انتهى إليه عام 2014 أي بقصف وتدمير الأبراج السكنية، وأنه لا خطوط حمر لديه حتى وإن أضر بأصدقائه المصريين.

والملفت في حينه عدم تعقيب النظام المصري على هذه الجريمة التي تَمُس الحضور المصري في الساحة الفلسطينية، مما أثار التساؤل والاستغراب لدى الجميع، ويعود ذلك -ربما- لتعامل النظام المصري مع القضية الفلسطينية من خلال جهاز المخابرات العامة وليس وزارة الخارجية.

إذاً، أراد النظام المصري طمأنة الفلسطينيين وخصوصاً فصائل المقاومة لدور المخابرات في مباحثات التهدئة من حيث الحيادية؛ سعياً لحفظ التأثير، وأملاً في اكتساب نقاط تضاف كإنجازات ضمن وساطته في ملف القضية الفلسطينية المتشعبة، خصوصاً وأن الملف الأخطر والأهم بالنسبة لجميع الأطراف هو ملف التفاوض -المغلق حتى الآن- حول الجنود (الاسرائيليين) الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية، وإضافةً لذلك، أراد النظام المصري ردَّ الاعتبار لمكانته ورد الصاع (لإسرائيل) عندما اعتدت على مقر الجالية المصرية، بمعنى أن مصر سترد بالشكل المناسب في حال المساس بهيبتها كوسيط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.