شعار قسم مدونات

"تأثير الفراشة".. إياك أن تحقر من المعروف شيئا

مدونات - فراشة

"فراشةٌ ترفرف بجناحيها في بلاد الصينْ، قد تكونُ مساهمة في إعصار مدمّرٍ في فلوريدا" هكذا عُبِّر عمّا وجده عالم الرياضيات والأرصاد إدوارد لويرنتز في ستينيات القرن الماضي، عندما حاول جمع معادلات رياضية تنبؤ بالأحوال الجوية لفترة معينة. وقام بإدخال البيانات لأجهزة خاصة قام بتطويرها بنفسه، وجد أنّه عندما أهمل بعض المنازل العشريّة الصغيرة جداً في محاولةٍ ثانيةٍ لإدخال ذات البيانات، نتج اختلاف هائل فيما تنبؤ به المعادلات، وهنا كانت ولادة مصطلح أو نظريّة تأثير الفراشة.

تأثير الفراشة ببساطة، هي نظريّة فلسفيّة فيزيائيّة تنص على أن الأحداث التي نراها في الكون قد تكون نتيجة حدث صغير لم يلقي له أحدٌ بالاً، أو أن التأثيرات الصغيرة قد تَكبُر وتتعاظم حتّى تصبح ذات تأثير هائل بعد حين. ومن ينظر في حياة كثير منا، غالباً ما سيجد فيها حدثاً او كلمة او حتى نظرةً من شخص ما لم يلق لها أحد بالاً، كانت بمثابة أثر الفراشة الذي تسبب في تغيّرٍ وانحراف كبير – بغض النظر كان للأسوأ أم للأفضل – في حياتنا! حياةُ الإنْسان قد تتغيّر بسبب مثل هذه التفاصيل الصغيرة جداً، فلعلّ كلمة أو اشارة ثناء في موضعها تصنع بعد ذلك عبقريّا، ولعلّ استهزاءً صغيراً تعاظمَ في صدرِ متلقيه حتى استحال انساناً يائساً خاملاً.

أيها السادة.. إنّ كل كلمة نقولها، كل صمتٍ، نظرةٍ، حركة معبّرةٍ، مهما كانت بنظرنا بلا معنى، قد تزن عند متلقيها الأرض وما عليها، فلا تُحقرنّ من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طلق. وصيّةٌ وَعيْناها عن المبعوثِ فينا رحمةً صلّى عليه الله وسلّم، تحثّ الإنسان على الخير مهما قل في يدهِ، تبثّ الحياةَ في المجتمعات ما عمل بها أهلها، وصيّةٌ حين نستخرج منها فوائدها، نجد أنفسنا امام نهر غزير من المعاني الروحانيّة الجميلة والماديّة البنّاءة.

فلنجعلها في الحياة قاعدة، لا خير إلّا وتأثيره خير كمثله أو أكبر، فقوموا بنا لنكون جزءاً من هذا الخير، الأعظم قادم إن شاء الله.

فغير أن أقلّ معروفٍ من كلماتٍ جميلة وبسمات قدْ تُصلح أحوال انسان بأثرها، فإنّ المعروف بكل أشكاله مساهمٌ في إصلاح مجتمعات وأمم، هي سلسلة من الخير تتعاظم في تبادلها بين الناس وبين جيل وجيل. معنى الّا نُحَقّر من المعروف شيئاً، أي أن نبذل ما بوسعنا لفائدة من حولنا بغض النظر عن قلّتهِ بأعيننا، وما يدرينا لعلّ شيئاً نراه قليلاً، هو عند غيرنا أكبر ما يَرى، وما يدرينا لعلّ معروفاً صغيراً نقوم بهِ في مكانٍ ما، يكون هو البذرة التي ستكبر بعد ذلك لتصبح شجرةً مثمرةً يأكل من خيرها خلق كثير.

ألا نُحَقّر من المعروف شيئا، أي أن نكون دائماً من أسباب تقدّم أممنا، صدقاتُنا مبادراتُنا حرصنا على زيادةِ انتاجيّتنا في العمل، مساعدة زملاء العمل، مساندة الأخوة والجيران. بغض النظر أكانت كثيرة أم قليلة، مؤثّرة على المدى البعيد في النهوض بمجتمعاتنا، فإنّ قليلي وقليلك وقليلهم.. إذا اجتمعت اصبحت في المجمل كثيراً. كلماتنا وكتاباتنا ذات المعنى هي أيضاً جزء من الحدث، فإن لم تكن جزءاً من أدب هذه الأمّة، لعلها تكون محفزةً ومشجعةً لغيرنا أن يقدّموا ما استطاعوا. ولا يكلّف الله نفساً إلّا وسعها، فلتقدّم كل نفسٍ ما بوسعها، فإن عجزنا عن العطاء ولو بقليلٍ، فبوسعنا أن نلقى الناس بوجهٍ طلق، أو أن نُثني على من يستحق الثناء فنحفّز فيه حبّ العمل.

فيا أيّها الأحبّةُ بادروا، بكلّ ما أوتيتم من قوّةٍ على شتّى أنواعها، بدنيّة كانت أو علميّة، فليبذل كلٌّ منّا طاقته في سبيل أن ننهض بأمّة تأبى أن تكون في غير القمّة. أجدادنا وأسلافنا ممن سطّروا أمجاداً في القيادة والريادة والرقيّ وإقامة العدل، إنّما سطّروها لأن كلّاً منهم بذل مما يملك على قدر استطاعته. إن كنت عالماً فعلّم من حولك، إن كنت كاتباً فاكتب أدباً جميلاً، إن كنت قويّاً فساعد الضعيف، وتصدّق على فقيرٍ ولو بشطر تمرة.

كل ذَرّة إخلاص في عملك تُساهم في نموّ اقتصادك، كل كلمةٍ تقول جميلةً تساهم في رقيّ أمّتك، كل أذى تزيله عن الطريق يساهم في نظافة بلدك، كلّ معلومةٍ تتعلمها تتحقق من صحة مصدرها فتنشرها تكون جزءاً من تقدّمك، كل شيء تستطيع فعله خيراً سيكون جزءاً من خير كبير أعظم، تراه أنت بعد حين أو يراه أحفادك. أيها الأحبة فلنجعلها في الحياة قاعدة، لا خير إلّا وتأثيره خير كمثله أو أكبر، فقوموا بنا لنكون جزءاً من هذا الخير، الأعظم قادم إن شاء الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.