شعار قسم مدونات

مارييت باشا الفرنساوي.. والولع بآثار مصر!

مارييت باشا الفرنساوي

وصل الحال بآثار مصر خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر؛ أنّ بعضًا من علماء مصر؛ بل ومن العاملين بالآثار أيضًا كأمناء المتاحف وغيرهم نظروا إلى ناهبي آثارنا نظرة تسامح، وربما جاء ذلك بعد أن رأوا تفتيت وتدمير المعابد المصرية من قبل المسؤولين المصريين من أجل الحصول على الحجارة!، بل وربما جاءت – هذه النظرة – بعد أن شاهدوا بعض المصريين وهم يُلحون على التجار الأجانب كي يشتروا منهم القطع الأثرية، لذلك رأي هؤلاء العلماء والأثريون أنه من الأفضل ترك التجار الأجانب كي ينقلوا ما استطاعوا من آثار مصر إلى أوروبا حيث تتوافر لها هناك الحماية من النهب والضياع!

 

وقد دفع هذا الأمر المهتمين من الأجانب القيام بنسخ وتسجيل كل ما يقابلوه من آثار مصر، هذا فضلا عن السعي نحو تهريب القطع الأثرية النادرة نحو الخارج كي تتزين بها ميادين أوروبا ومتاحفها؛ ومما يزيد الطين بلة أن الأجانب لم يقوموا بهذه العملية بحرفية ومهنية؛ بل قاموا بها على عجل؛ مما ترتب عليه أن تحطمت وتلفت آلاف النقوش والبرديات أثناء ذلك البحث المحموم عن القطع الأثرية الكبيرة والمخطوطات القيمة النادرة.

 

استقال مارييت من وظيفته بالكلية، وسافر إلى باريس وهناك تردد على متحف اللوفر ودرس قائمة الملوك المنهوبة من معبد الكرنك، وكتب عنها مقالا مستفيضا تجاوز الـ 70 صفحة

ولما نُقلت تلك المخطوطات إلى أوروبا؛ كان لها أثر إيجابي على ذلك الشاب الفرنسي المدعو "أوجست مارييت" الذي ولد في بولونيا بفرنسا في الـ 11 من فبراير عام 1821م، ونشأ نشأة عادية؛ وعندما أتم الثامنة عشرة من عمره ارتحل نحو انجلترا كي يقوم بتدريس اللغة الفرنسية في مدرسة خاصة، ولكنه لم يستمر في هذه الوظيفة غير عام واحد عاد بعده إلى موطنه فعمل مدرسا بكلية بولونيا، ثم بدأ في الكتابة في شتى الموضوعات ونُشرت له العديد من المقالات بالصحف والمجالات.

 

وعندما بلغ الـ 21 من عمره، انغمس في قراءة ما كتبه أحد أقاربه الذي يدعى "نستور لوط" – الذي كان أحد أفراد البعثة العلمية التي جاءت إلى مصر إبان الحملة الفرنسية – فقد توفي نستور في عام 1842م بعد أن ترك وراءه كما ضخما من الأبحاث، فطلبت أسرته من "مارييت" فحص أوراق قريبه، فانبهر مما وجده فيها وتفتحت أمام ناظريه محبة مصر وآثارها ونقوشها الهيروغليفية، وعند ذلك  كتب مقالا عن الآثار الموجودة في متحف بولونيا، فوجد المقال تأييدا كبيرا من القراء الذين طالبوا السلطات بضرورة ارساله في بعثة علمية كشفية إلى مصر، ولكن طلبهم هذا قوبل بالرفض فاستقال مارييت من وظيفته بالكلية، وسافر إلى باريس وهناك تردد على متحف اللوفر ودرس قائمة الملوك المنهوبة من معبد الكرنك، وكتب عنها مقالا مستفيضا تجاوز الـ 70 صفحة، وأعجب العلماء ساعتها بالمقال وطالب بعضهم بتعيينه بمتحف اللوفر؛ وكان لهم ما ارادوا، وهناك بالمتحف العتيق قضى "مارييت" نهاره في تبويب البرديات ومساءه في قراءة المصريات حتى أصبح فيها من البارعين.   

 

وفي سن التاسعة والعشرين من عمره، كان لـ مارييت موعد مع القدر؛ ففي عام 1850م كلفه متحف اللوفر بالسفر إلى مصر لجلب مخطوطات قبطية، ولما وصل إلى الإسكندرية وهو منشرح الصدر فرحا بتلك المغامرة المقدم عليها؛ إذا به يتصل ببطريرك الإسكندرية ليساعده في مهمته؛ ولكن هذا البطريرك كان يبغض الأجانب بعدما استطاع أجنبيان قبل هذا التاريخ بعدة سنوات خداع عدد من القساوسة ونهب مكتبة قبطية تراثية كاملة، ولذا رفض البطريرك التجاوب مع مارييت، مما دفعه نحو تغيير مساره، والبدء في التخطيط  للقيام بعمل حفائر أثرية ونقل نواتجها إلى باريس حتى يتزين بها متحف اللوفر! وللحديث بقية…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.