لا يخفى على من له أدنى ممارسة بالسياسة الحاضرة البنغلاديشية أن الانتخابات التي شهدتها بنغلاديش عام 2014م ليست ديمقراطية ولا تنافسية ولا نزيهة، إذ الحكام تولوا السلطة من خلال انتخابات قاطعتها الأحزاب المعارضة بسبب إجرائها تحت رقابة حكومة ثابتة، واتهمت الأحزاب أساليب عدة للتلاعب في الانتخابات وللحصول على مقاصدهم بأن الحكومة استخدمت فكانت الانتخابات بدون تنافس أي حزب سياسي.
تشير التجارب السياسية المعاصرة إلى أن الانتخابات لا تكون ديمقراطية ولا تنافسية ولا نزيهة ما لم تكن تحت حكومة محايدة غير حزبية بمعنى الكلمة تحترم قوانين ومبادئ الديمقراطية. ولا تحصل متطلبات الانتخابات إن لم تكن البيئة بيئة ديمقراطية سياسية. ولكن للأسف الشديد أن حكومة بنغلاديش استخدمت في طول عهدها القضاء والشرطة للقضاء على معارضيها، من خلال أحكام الإعدام والمؤبد ضد المعارضين إن وجدوا الفرصة، محاولةَ البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة.
وحاولت السيطرة على كل مجال من مجالات الانتخابات خاصة على وسائل إعلام البلاد، فأتى فيه العديد من جوانب الاضطرابات السياسية والمظاهرات والإضرابات، فتخلفت البلاد اقتصاديا وأمنيا، وشعرت الأحزاب المعارضة بعدم الثقة بالحكومة الحالية، حتى تكونت في الأحزاب المعارضة جبهةٌ متحدة وطنية (التحالف الجديد) ضد الحكومة، وقامت هذه الجبهة بتنظيم تجمع جمهوري في مدينة سيلهيت يوم الأربعاء الموافق 24 أكتوبر 2018م، وطالبت باستقالة الحكومة الحالية وإيقاف جلسات البرلمان الحالي، وتشكيل حكومة محايدة خلال فترة الانتخابات وتنفيذها قبل إعلان الجدول الزمني للانتخابات، بالإفراج الفوري عن رئيسة الحزب الوطني البنغلاديشي السيدة خالدة ضياء، وزعماء الأحزاب السياسية الآخرين، تؤكد هذه الجبهة على إعادة الديمقراطية لإنقاذ الشعب من اضطهاد الحكومة الحالية من خلال الحركات السليمة.
لابد لأن تكون الانتخابات نزيهة وعادلة أن يكون الحكام يحترمون مبدأ الديمقراطية والقضاء، وعدم استخدام الشرطة لصالحهم، وأن تقيد سلطة الحكومة بدستور يخضع له الحكام والمحكومون على قدم المساواة |
وقد طالبت الجبهة الحكومة بإعادة تشكيل لجنة الانتخابات، والتأكد من عدم استخدام آلات التصويت الإلكترونية في الانتخابات، ونشر القوات المسلحة في الدوائر الانتخابية ومنحهم السلطة القضائية خلال فترة الانتخابات، كما يجب تعيين مراقبين محليين ودوليين لضمان الشفافية في الانتخابات البرلمانية القادمة، وضمان حرية المواطنين ووسائل الإعلام الاجتماعية وحرية التجمع لجميع الأحزاب السياسية. ولكن الحكومة اتهمتها بالتحريض على الفوضى، ورفضت جميع مطالبها إلا واحدا اثنين، فكيف تصبح الانتخابات نزيهة؟
لابد لنا أن نعلم أن الحكومة إذا كانت تحترم بعدالة الانتخابات وبأصوات الشعب لا تلجأ إلى أعمال غير شرعية، ولا تأتي فكرة البقاء في السلطة بطريقة غير شرعية، وهذا كله يحدث عندما تكون العلاقة بين الحكام وشعبهم ضعيفة، لو كانت هناك علاقة قوية بين الحكام والمواطنين على أساس المواطنة لكان الأمر عكس ذلك. فلابد لأن تكون الانتخابات نزيهة وعادلة أن يكون الحكام يحترمون مبدأ الديمقراطية والقضاء، وعدم استخدام الشرطة لصالحهم، وأن تقيد سلطة الحكومة بدستور يخضع له الحكام والمحكومون على قدم المساواة، وأن تكون في البلاد مساءلة سياسية ونظام قضائي مستقل لحماية مبدأ حكم القانون وصيانة حريات الأفراد وحقوقهم.
أما الانتخابات التي يجبر فيها الأفراد على التصويت لصالح الحكام مقابل عائد مادي، أو مقابل مبلغ نقدي معين أو مجرد الوعد بالوظيفة مثل الانتخابات التي جرت في بنغلاديش في عام 2014مـ والتي جرت في عام 2008مـ لم تعبر عن إرادة الناخبين، وإنما عكست حقيقة العلاقة بين الحاكم والمحكوم القائمة على التبعية المطلقة المستندة. ويرتبط مبدأ "الشعب مصدر السلطات" بحق الشعوب في تقرير مصائرها وتحديد من يحكمها عبر صناديق الانتخاب دون تأثير مباشر أو غير مباشر من الداخل أو الخارج. فلا شك فيما إذا كانت الانتخابات على إرادة الحكومة الحالية كما يبدو من الأوضاع السياسية الحالية فلن تكون نزيهة ولا حرة.
ومن أهم مقاصد الانتخابات أن توفر الحكومة المنتخبة شرعية شعبية أو تجدد شرعيتها القائمة، التي قد تحتاج إلى تجديد شرعيتها مع مرور الوقت، ولكن السؤال هل الانتخابات المقبلة توفر الحكومة إلى شرعية شعبية وقانونية؟ وهل الحكومة الحالية تحتاج الشرعية؟ والبعض يعتقد أن الحكومة الحالية لا تحتاج إلى الشرعية الشعبية ولا القانونية، فإنها تحاول دائما البقاء في السلطة بأي طريقة كانت، فماذا نفهم؟ هل الانتخابات تكون حرة ونزيهة؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.