شعار قسم مدونات

في انتظار الأمير.. كيف خدعتنا قصة سندريلا؟

blogs سندريلا

منذ سنين كان هذا الفيلم الرائد بين فتيات جيلي، نحبه ونحاول أن نعيشه في خيالنا ونتصوره ونعشق تفاصيله. حيوانات سندريلا الناطقة، فستان سندريلا الأنيق، الساحرة الطيبة، الحذاء الزجاجي الرائع، الأمير الذي أحب الفتاة الفقيرة. قصة طويلة لا نعلم أصلها ولكنها تعطي الأمل في النهاية! أي أمل! أمل الخلاص.. نتحمل الظلم دون اعتراض وسنكافئ! ننبطح ونبكي ولا نسعى وننتظر أمل الخلاص! نعيش كما الضحية على أمل الخلاص، هكذا كانت أحداث الفيلم تعلمنا. أن اصبري على القهر والظلم والشقاء دون الدفاع عن حقكِ وستكافئين في النهاية.

عندما كنت صغيرة كنت أعشق الفساتين وأرتديها وأدور بها أمام أمي وأبي وأتصور أني سأصبح سندريلا في يوم ما. سيحبني أحدهم ويأتي ليحقق لي كل أحلامي. مهما شقيت فسيعوضني هو.. بدا الفيلم لي عندما كبرت فيلم تملئه الحماقة وقلة الحيلة. فقد رسخ في عقولنا معتقدات حمقاء. فأول شيء علمنا إياه أن نتخلى عن حقوقنا ونصبر ونشقى دون وجه حق! أتلقي نفسك في النار ثم تسأل لما حُرقت؟ هذه كانت أول الحماقات التي تعاطفنا معها ولن أتحدث عنها هنا.

أما الثانية والغريبة والتي رسخت في عقول فتياتنا إلى الآن عقيدة بلهاء هي زواجها من الأمير. صور لنا الفيلم أن نتيجة صبرها وشقائها زواجها من أمير يحقق لها كل أحلامها. وقد رُسِّخت هذه العقيدة في عقولنا كمبدأ أساسي للزواج. الفتاة الفقيرة الخادمة تتزوج من أمير غني يحقق لها كل ما كانت تحلم به، بيتها مليء بكل ما تشتهي الأنفس وكأنها خرجت من الجحيم إلى الجنة. من حياة البؤس إلى الحياة الوردية. مِن الشقاء الي النعيم. من المسئولية إلى التدلل والعيش الرغيد. ونستعجب إذا رأينا فتياتنا تفكر بهذا المنطق ونستنكر حالات الطلاق المهولة في هذا الجيل، الجيل الذي تربى على فيلم سندريلا ومنطقه.

الأمير الشرقي يصبح أميرًا لزوجته ملبيًا لأوامرها كملكة تأمر وتُطاع بمتطلبات بسيطة إن فعلتها ضمنت أميرها وملكت قلبه

لا أعلم كم أم اهتمت بتصحيح هذه المفاهيم لبناتها ولكن من الواضح أنهن قليلات. فاعلمي يا حبيبتي أن الحق حق مهما جار عليه الزمن وتخليكِ عن حقك يجعلكِ ضحية نفسك لا أكثر، تخليكِ عن حقك يفقدك حقك كاملًا ولن يستطيع أحدًا مؤازرتك طالما خذلتي نفسك فمن مَن تنتظرين المؤازرة! أما بالنسبة للزواج فيجب أن تعلمي أن الزواج مسئولية كاملة. نعم فيه من الحب والدلال والنِعم ما فيه ولكن فيه من المسئوليات والمشاكل والبكاء ما فيه أيضًا. اعلمي أن الحياة الوردية لا تنتظر إلا من تعلمت كيف تتحمل المسئولية وكيف تدبر الأمور وكيف تحتوي حياتها بمشاكلها وحزنها بقدر كافٍ من العقل والرزانة.

الزواج يا حبيبتي أكثر من رائع ولكن لمن تعرف معناه من الحياة الواقعية لا من الروايات والأفلام. قال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً" وجعل بينكم مودة ورحمة لا صراعات ولمن السيطرة. كل منا لها أميرها الذي يُجلسها على عرش قلبه، ولكن الأمير الشرقي إذا أصبحت مَلِكته صنعت منه أجمل أمير. الأمير الشرقي يصبح أميرًا لزوجته ملبيًا لأوامرها كملكة تأمر وتُطاع بمتطلبات بسيطة إن فعلتها ضمنت أميرها وملكت قلبه. قال داود عليه السلام: "مثل المرأة الصالحة لبعلها كالملك المتوج بالتاج المخوص بالذهب كلما رآها قرت بها عيناه، ومثل المرأة السوء لبعلها كالحمل الثقيل على الشيخ الكبير".

وقد روى أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول: (ما استفاد المؤمن، بعد تقوى الله، خيرًا له من زوجة صالحة. إن أمرها أطاعته. وإن نظر إليها سرّته، وإن أقسم عليها أبرّته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله). متطلبات ليست بخارقة ولا تحتاج لساحر أو دجال هي فقط تحتاج لأم عاقلة تنقلها لإبنتها منذ صغرها وتربيها عليها. فأولها أن تطيع الله فيه كما أُمِرت. فاسمعي قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت". وقال أيضًا: "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه". أن تعرف حقوقه وحقوقها ولا تقارن حياتها بحياة أحدٍ من العالمين. أن لا يعرف مخلوق على الأرض عن حياتهم مثقال ذرة ولو كان أقرب الأقربين فذاك أقرب طريق للخراب. قال تعالى: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ).

 

 قال جرير وهو يرثي زوجته في عفافها:

 

كانَت إِذا هَجَرَ الحَليلُ فِراشَها … خُزِنَ الحَديثُ وَعَفَّتِ الأَسرارُ

 

وقال الإمام الشافعي:

 

إِذا المَرءُ أَفشى سِرَّهُ بِلِسانِهِ … وَلامَ عَليهِ غَيرَهُ فَهُوَ أَحمَقُ
إِذا ضاقَ صَدرُ المَرءِ عَن سِرِّ نَفسِهِ … فَصَدرُ الَّذي يُستَودَعُ السِرَّ أَضيَقُ

أن تكون مستقلة تمامًا بحياتها معه ولا تأخذ برأي أحدٍ في شيء بحياتها إلاه. ألا تكفر العشير وتنكر الجميل مع أول ابتلاء تمر به معه. عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -: (أُريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن. قيل أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئًا، قالت: ما رأيت منك خير قط). أن تكون بجواره وقت فقره كما كانت في غناه وأن تكون سنده وقوته وقت ضعفه وقلة حيلته.

بالحب والمودة والطاعة يعطيكِ أكثر مما تطلبين فقط يا حبيبتي كوني له أَمة تجدينه رجل. ولا يغرنكِ ما يخرج على أفواه جيلنا من فهم مشوه للزواج وقدسيته. فلتكن حياتك ناتجة عن قرارتك وحدك
بالحب والمودة والطاعة يعطيكِ أكثر مما تطلبين فقط يا حبيبتي كوني له أَمة تجدينه رجل. ولا يغرنكِ ما يخرج على أفواه جيلنا من فهم مشوه للزواج وقدسيته. فلتكن حياتك ناتجة عن قرارتك وحدك
 

أن لا تنظر للزواج من نافذة مواقع التواصل والمظاهر الخداعة والحكايا الزائفة والنصائح الملونة بكلمات القوة والاستقلالية والطموح فكل ذلك متاح دائمًا دون الحديث عنه ودون افتعال المشاكل وإقامة المصائب ونصب القضايا للعامة يخوضون كما يريدون وثرثرة فارغة لا تسمن ولا تغني من جوع ويصبح ضحيتها من ذهب ورائها بخراب للبيوت وتفريق للأحبة. أن تكون دائمًا حسنة المظهر والهيئة ولا تهدر من حق بيتها أو نفسها مهما كلفها الأمر فـ الهدوء وراحة البال يغلبان بالجو المحيط.. النظافة والجمال يُنتجان سعادة داخلية قادرة على فض أي شحناء. قال صلى الله عليه وسلم: (خير النساء من تسرك إذا أبصرت، وتطيعك إذا أمرت، وتحفظ غيبتك فيي نفسها ومالك).

أن تتعلم ما لا تستطيع فعله فليس عيبًا أو حرامًا بالأخص في الطعام، فالمطبخ مملكة كُلما أحسنتِ الصنع فيه غمرتك السعادة وتُوِجتِ بها. أن تعرف معنى المسؤولية وكيف تحملها وكيف تقدرها وكيف تحتوي أمورها وتدير حياتها. أن تثقف نفسها دائما وتتعلم كل جديد فالوعي يزيد من جمالها جمالًا وحتى لا تصدأ المعلومات التي توقفت عندها قبل زواجها. صدقيني بهذه الأمور يصبح أميرُكِ مُلكًا لك، فهو لا يريد منكِ أكثر من ذلك. ملكة في حياته بهذه الصفات فماذا يريد من الدنيا أكثر من ذلك.

بالحب والمودة والطاعة يعطيكِ أكثر مما تطلبين فقط يا حبيبتي كوني له أَمة تجدينه رجل. ولا يغرنكِ ما يخرج على أفواه جيلنا من فهم مشوه للزواج وقدسيته. فلتكن حياتك ناتجة عن قرارتك وحدك فلقد تزوجك وحدك وأختار عقلك وقلبك أنتِ فقط ولم يأخذ بنات العالمين معكِ بأرائهن وعقولهن فلا تسمعي لتحريض على زوجك وحياتكِ وإن كانت أمك. أنتِ فقط الأدرى بحياتك وماذا يجب أن يكون. وإن استحالت الحياة فطلاق بمعروف دون تشويه أو كفران عشير فهذا ينم عن أخلاقكِ أنتِ مهما كانت مساوئه.

فأخلاقكِ لا تسمح لكِ بأن تتحدثي عنه بما يؤذيه أو بفضيحة سترها الله عليه. فقد قال تعالى: "وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ … أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ"، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها رواه مسلم. قال الصنعاني: أي وتفشي سره. وقد نقل الغزالي رحمه الله رواية عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق زوجته، فقيل له: ما الذي يريبك فيها؟ فقال: العاقل لا يهتك سر امرأته، فلما طلقها قيل له: لم طلقتها؟ فقال: مالي وامرأة غيري. وفي النهاية أعلم أن للرجال مساوئهم أيضًا إن أخذنا الحديث فسنكتب موسوعة في النصح والإرشاد ولكن حديثي اليوم موجه إليكِ أنتِ فقط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.