شعار قسم مدونات

سهى جبارة.. فضيحة السلطة في رام الله!

blogs الأمن الفلسطيني

منذ أيام تشهد مواقع التواصل الاجتماعي سخطا متزايدا على السلطة الفلسطينية، والسبب اعتقال الأجهزة الأمنية الفلسطينية السيدة سهى جبارة من رام الله بتهمة "مساعدة عائلات الفقراء والشهداء في قطاع غزة"، حيث تحركت خمسة دوريات تابعة لجهاز الأمن الوقائي لاعتقال السيدة جبارة من منزلها بطريقة وحشية أمام أطفالها الثلاثة. ربما لغائبٍ عن المشهد الفلسطيني أن يتعجب من خبرٍ كهذا لما فيه من انفصام عن الواقع الوطني والنسيج الاجتماعي الفلسطيني، وما يشوب الخبر من تناقضات مفصلية لا يقبلها العقل، إذ يعتبر الخبر والتهمة المنسوبة للسيدة جبارة فضيحة أخلاقية لأجهزة الأمن الفلسطينية والمنظومة السياسية في رام الله، فكيف حدث هذا الانهيار القيمي؟

دخلت السلطة الفلسطينية إلى غزة وأريحا ضمن إطار أوسلو مقابل شروط صعبة ومعقدة لاسيما في الشق الأمني منها، كان أبرزها التزام السلطة بمنع أي عمل مقاوم موجه ضد "إسرائيل" وبذلك يكون السياسي الفلسطيني وضع المؤسسة الأمنية في موقف مُحرج أمام الجماهير الفلسطينية في مقدمتها التيارات الإسلامية التي اعتبرت ذلك تفريطا وخيانة، جابهتها منظمة التحرير "إن الاتفاق مرحلي تكتيكي" وما هو إلا مناورة لفرض أمر واقع اختلاق دولة.

عمليا التزمت السلطة الفلسطينية بالاتفاق ومنعت قدر المستطاع العمليات واعتقلت من يخطط لتنفيذ عمليات ضد العدو، شكلت هذه المرحلة اللبنة الأساسية لانهيار المنظومة القيمية والوطنية لدى أجهزة الأمن الفلسطيني. بعد اغتيال عرفات واستشهد الشيخ يس أخذت انتفاضة الأقصى بالضمور إلى أن تم اجتثاثها ببرنامج عباس السياسي استناد إلى اتفاق أوسلو ونبذ أي عمل أو أي فكر يدعو للعمل المسلح باعتباره "عبثيا". وخلال هذه الفترة حرص عباس على بناء سلطة أمنية متينة لها الحصة الأكبر من موازنة الحكومة بواقع مليار دولار شهريا "بتمويل من الكونغرس" لتعزيز وضع التنسيق الأمني بين الاحتلال وأمن الضفة (حيث شكلت هذه المرحلة صراحة أكبر بالقول والفعل في إظهار عقلية تبعية الأمن والشواهد كثيرة).

السلطة الفلسطينية باتت عبئاً ثقيلا على الشعب الفلسطيني، من التنسيق الأمني ومحاربة المقاومة، وتجريم مساعدة أهالي الأسرى والشهداء، إلى ملاحقة الناس العاديين في لقمة عيشهم

في المرحلة الأولى كانت المؤسسة الأمنية في حرج أمام المعارضة وبعض القوى المستقلة، أما اليوم مع هذا التحول الأكثر صراحة "أضحى أفراد الأمن الفلسطيني في مواجهة أبناء شعبهم في تطور دراماتيكي لاتفاق أوسلو"، جعل الأمن عنصرا منبوذا لدى شريحة كبيرة في المجتمع وهنا تكمن خطورة هذه المرحلة بالسلوكيات التي يمارسها الأمن وردود الأفعال الشعبية المضادة التي تتطور إلى صدام ميداني مؤقت من جهة وحالة شحن وبغضاء بين المعارضة والاتباع في الجامعات والمرافق العامة.

شكلت قضية "سهى جبارة" عامل تعرية حقيقي بما لا يدع مجالا للشك لأكاذيب السلطة، لم تستوعب الأخيرة ما حدث!، وما قمع المسيرات التي تتسق في قضية سهى "رفع العقوبات عن غزة" والدخول في مسابقة الاستفزازات إلا دليل على عدم نضوج المسؤولين وإدراكهم لخطورة ما يحدث. في قضية الأخت سهى جبارة تظهر حقارة التنسيق الأمني بأبشع صوره، في حرمان ثلاثة أطفال من والدتهم، وملاحقتها بتهمة مساعدة أهالي الأسرى والشهداء، وهذه المرة يبدو أنها مساعدات شخصية وليست تنظيمية، وتعرضها لخطر التنكيل من جانب الحكومة الأمريكية وربما السجن.

مما لا شك فيه أن السلطة الفلسطينية باتت عبئاً ثقيلا على الشعب الفلسطيني، من التنسيق الأمني ومحاربة المقاومة، وتجريم مساعدة أهالي الأسرى والشهداء، إلى ملاحقة الناس العاديين في لقمة عيشهم (قانون الضمان الاجتماعي)، إلى نشر الفساد والانحلال الأخلاقي في المجتمع (انتشار زراعة الحشيش والجرائم الأخلاقية). آن الأوان ليتخلص الشعب الفلسطيني من هذا العبء ويتحرر من القيود المفروضة عليه، ليس صحيحا أن الأرزاق والرواتب بيد محمود عباس يا أهل الضفة الغربية، ولا أظن أن سجون رام الله ونابلس وأريحا تتسع لنا جميعا، نختم بقول الشاعر تميم البرغوثي "لا أقصد التشبيه أو سبك المجاز ولا أشير لثورةٍ عبر البلاد فقط أريد القول والتّذكير هذا الكلام حقيقةٌ علميّةٌ يا أهلنا الضبع أضعف من فرائسها وأخوف منهم بكثير".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.