شعار قسم مدونات

ميري ريغيف.. تحجبت فرحا!

blogs ميري ريغيف

لقد أبدعتم في خلق التعاسة، وأبهرتم الأمم التي سبقتكم في الوقاحة، فخرجتم للعلن بكل معاصيكم، تجاهرون بها، وتفتخرون بصناعتها، لا ترفع رأسك عاليا عزيزي العربي، فالذل بلغ عنان أراضينا، والهوان أغرق سجلات تاريخنا، لا تتكلم حرفا، ولا تصدر صوتا، فقط حذق في هذه الأيام التي تعبر فوق صدورنا، شاهد سقوط القضايا التي لطالما تمسكنا بها، تلك القضايا التي كنا نصدح طويلا ونحن ندافع عنها، تمعن تدحرجها، من أعلى هرم إلى غاية الذي نسكنه جميعا.

أعلنت بكل فخر انتصارها، غردت وصورت لحظات دهسها مشاعر الملايين، جعلت التاريخ يكتب اسمها بذهب صهيوني وملمع عربي، تجولت في أرضنا بكامل حريتها، في زمن يسجن فيه صاحب الأرض، لمخالفة بسيطة في الطريق، احتفلت بجميع طقوسها، ورفعت نخب الفرح عاليا، فرح يحسب لها ويسحب من قلوبنا، بمباركة محلية أمام الكاميرات، فزمن البيع تحت الطاولات، والسمع والطاعة خلف الستائر وبين عتمة المكاتب قد ولى، فلا الحياء أصبح عربيا، ولا الخجل أضحى مطلوبا.

ميري ريغيف وزير الثقافة والرياضة للكيان الصهيوني، المرأة التي لا تفوت مناسبة إلا ورفعت ضغطنا، وأتعبت نفسيتنا، هي نفسها المرأة التي ظهرت بفستان يحمل رسائل نعيشها الآن، وشحته بالقدس لتخبر العالم بأسره في مهرجان كان السينمائي أن القدس عاصمة إسرائيل، وأنها جزء من أرضهم، ها هي اليوم تزور الإمارات مرفوقة بمنتخب بالجودو للمشاركة في بطولة غراند سلام أبوظبي للجودو لسنة 2018.

توضأت دما، ثم تحجبت فرحا ودخلت مسجد الشيخ زايد، المرأة التي برقبتها حصار غزة، ودم الضفة، الناطقة باسم الجيش الصهيوني في حرب لبنان، والتي أخافتها قصيدة درويش فجعلتها تغادر المكان

لم يتوقف المشهد الهزلي عند قبول المشاركة، بل توالت علينا الصفعات والركلات من كل حدب وصوب، وأنت تسمع النشيد الصهيوني يدوي سماء الإمارات بعد فوز أحد المجندين في الجيش الصهيوني بالميدالية الذهبية، وسط حضور رسمي لرئيس اتحاد الجودو الإماراتي، تتوسط البهو عدوة الفلسطينيين والعرب، وهي تذرف الدموع أثناء رؤية علم المغتصب يرتفع ويرفرف عاليا، كانت تلك اللقطة التاريخية أمنية راودتهم فحققوها في ديارنا، ووسط شعبنا.

توضأت دما، ثم تحجبت فرحا ودخلت مسجد الشيخ زايد، المرأة التي برقبتها حصار غزة، ودم الضفة، الناطقة باسم الجيش الصهيوني في حرب لبنان، والتي أخافتها قصيدة درويش فجعلتها تغادر المكان، حين تباهت السارقة بما سرقت، فارتدت خمارا لتدغدغ مشاعر المتواطئين، وعباءة لتحفظ ماء وجوههم أمام الشعوب، حقا لقد فصلتم السياسة عن الرياضة، ورحبتم بالقاتل في بيوت الله فهنيئا لكم بهذا الإنجاز. 

قبل أن تستضيفوها في باحة المسجد وتخطب فيكم، علموها أن رسالة المسجد تختلف عن رسالة الحاكم، وأن الإمام الذي يرافقها خلال رحلة الاكتشاف تأتيه خطبة الجمعة منسوخة من ديوان البلاط، وأنه مجرد موظف يهدد باسم النظام، ويصفق لقرارات الملك، صححوا لها المعلومات، وأخبروها أن ثالث أكبر مسجد في العالم بعد مكة والمدينة يوجد في أرض فلسطين المحتلة، أسمعوها الآذان الذي وقعت على قرار منعه ولقبته بالنباح، ذكروها أن السلام الذي توده هي وجيشها، والحياة الجميلة التي اكتشفتها تحت ظلكم، يدفع ثمنها أطفالنا ونسائنا ورجالنا، ولن يكون ذلك على حساب أرضنا وعرضنا.
 

وحده تميم البرغوتي يستعرض الوجع الذي يسكننا في هذه الأبيات:

جنودكم بالسلاح ما صنعوا قل للعدا بعد كل معركة
ونشهد الله فيكم البدعُ لقد عرفنا الغزاة قبلكم
الموت فينا وفيكم الفزعُ ستون عاماً وما بكم خجلٌ
رأى الورى مثلكم ولا سمعوا أخزاكم الله في الغزاة فما
لم نشهد القرعة التي اقترعوا حين الشعوب انتقت أعاديها
وفي عداء الوضيع ما يضعُ لستم بأكفائنا لنكرهكم

أما أنتم فما هم براضين عنكم، لو أشعلتم لهم الأصابع شمعا، وسجلتم كل أراضيكم بأسمائهم، لو أفرغتم خزائنكم في مضاجعهم، وسلمتم رقابكم تحت نعالهم، سيطلبون المزيد، ويجبرونكم على الركوع والسجود، سيجعلونكم كالعبيد، يبيعونكم في سوق سياسة الرقيق، وحين تدنس سمعتكم سيخلعون الكرسي من تحتكم، ويرمونكم في مزبلة التاريخ، ولسوء حظنا كنا شعوب تحت سلطتكم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.