شعار قسم مدونات

مُعضلة الفيتو.. حين تُقرر دولة مصير عالم!

blogs مجلس الأمن

من أكثر الأُمور سُخريةً بطريقةٍ مؤسفة في هذا العالم، تحكّم خمسِ دول في قراراتِ أممٍ بأكملها، ليتقلّص العدد إلى واحدة في كثيرٍ من الأحيان. كيف سنُفسّر لأحفادنا أن دولةً واحدةً، قد تمنع تطبيق مشروعٍ دولي ليس لشيءٍ سوى لأنه لم يُلائمها، كيف سنُقنع أحفادنا أنّ قانونَ غابٍ يطبّق في القرن 21 حين يُلزم القويّ أمراً واقعاً على الضّعفاء، كم اُشفق على مجلسٍ أَسّس لما سُمي بحقّ الفيتو لفكّ النّزاعات والحروبِ ومحاولة حقْن دِماء المدنيين وإذ به الآن يعمل على إطالتها إلى أجلٍ غير مسمّى، مجلسٌ تجتمِع رؤُوس أعضائِه للتّنديد والرّفض وقِراءة بعض السّطور، قد يذهب الأمرُ بعيداً ويتقرّر مشروعٌ أممي، ليقفز عضوٌ ما ملوّحا بحقّ نقضٍ، ضارباً عرض الحائِط كلّ شيء.

أتذكّر أيّام طفولتي حين كنت ملهَما بالاستماع لأقوال جدّي، كان في الثّمانينيات من عُمره كان قد راكم من التّجارب والمواقف ما يُسعف له بالقول أنّ عدالة هذا العالم، اُضحوكةٌ وكِذبة مفضوحة، كان يُكثر من وصفه قائلا: "العدل يبقى عادلاً إلى أن يصل إلى أيدي الأقوياء"، لم أخُذ قوله أنذاك بالجدّية اللّازِمة، لا أعلم هل كان للعمر أثراً أو لم يكن، ولكنني تيقّنته الآن، تيقّنت بأن الحق مازال يُؤخذ بالقوّة، وأن الضّعيف مازال يتلقى الصّفعات المتوالية، كتوالي آماله المتساقطة، من طرف اُناس لا ذنب لهُ في ما أصابهم أو سيحدُث. تيقّنت أن ملجأه الوحيد المتبقّي، هو مأوى الله، ذاك المأوى الواجبِ عليه إعماره بالإيمان وبعض الدّعوات لعلها يوماً تُستجاب، لتنفض عنه غبار التّبعية. ويبقى المُشترك المَقيت الملحُوظ بين هذه الدّول امتلاكها لصفّارة حكم الحروب، ألا وهو السّلاح النووي وإن بنسبٍ متفاوتة، مع تربع الغُوليْن، الأمريكي والرّوسي بآلاف الرّؤوس النّووية.

كيف يمكن لشعوب مُضطهدة أن تثِق في وقوف العالم إلى جانبها وهي تعلم أن حقها سيُسلب مرّة أخرى كباقي المرات في رفعَة يد مسؤولٍ ما، لدولةٍ ما، في مجلسٍ لا تزال رائحة ديكتاتوريته العفِنة تجتَاح بِقاع المعمور

إذا عدنا إلى التّاريخ نجد هذا الحق مُستعمَلا في حوالي 263 مناسبة من قِبل الدّول دائمة العضوية، تتقدّم روسيا كتقدّمها بسبعة آلافِ رأسٍ نووي، بـ 130 مرة، خمسٌ منها لصالح سوريا منذ 2011، وكَثر استخدامها له في عهد الاتحاد السّوفياتي بين الخمسِينيات إلى الثّمانينيات لدرجة تلقيب وزير الخارجية أنذاك أندريه غْروميكو، "بالسيد لا"، ليقلّ بعد ذلك طرحُه بصورةٍ ملحوظة في أوائل التّسعينات، إذ لم يُطرح إلّا في أربع مناسباتٍ، تلك التي تخُص قراراً يرتبط بانتقاد قوات صِرب البوسنة وآخر يتعلق بتمويل أنشطة الأُمم المتحدة بقُبرص، قبل أن تبسُط أيديها لإبقاء حليفها السّوري إلى الآن.

لتأتي في المركز الثّاني، المركز ذاته الذي تتمَوقع به في صفوف حاملي الرّؤوس النووية الولايات المتّحدة بـ83 مناسبة مُعظمها في اتجاه دعم الكيان المُحتل والذي داس على القرارات الدّولية مستخدما سجّادة الفيتو الأمريكي 43 مرّة، آخرُها والذي جعل من أمريكا دولة معزولةً، الفيتو المعلَن ضدّ مشروع قرارٍ حول القُدس المحتلّة رغم تصويت الأعضاء الأربعة عشر الآخرين لصالح القرار الدولي. تليها بريطانيا وفرنسا في حوالي 40 مناسبة معا، أهمّها ضدّ قرارٍ لحل أزمة العُدوان الثّلاثي على مصر وأخرها سنة 1979. لتحل الصّين أخره كأقلّ عضو استخداما للفيتو في عشر مناسبات، منها 2011- 2014 لصالح النظام السّوري ضدّ معارضيه، ولصالح زيمبابوي وميانمار في 2007-2008.

بعد هذه الأرقام والحقائق كلّها، كيف لنا أن نُقنع أنفسنا بديموقراطية هذا العالم، كيف يمكن لشعوب مُضطهدة أن تثِق في وقوف العالم إلى جانبها وهي تعلم أن حقها سيُسلب مرّة أخرى كباقي المرات في رفعَة يد مسؤولٍ ما، لدولةٍ ما، في مجلسٍ لا تزال رائحة ديكتاتوريته العفِنة تجتَاح بِقاع المعمور، من نصّب تلك الدول لتتلوَ علينا قوانينها وترفُض من يعارضُها، ألم تقرّر موازين القوى بعد الحرب العالمية الثانية أسماءها؟ كيف لنا ان ندّعي العدالة ونحن لم نُصوت على واحدة منها؟ تُطرح أسئلة عديدة ولكن الجواب واضح في مقولة للخِتام: "من كان القلم بيده، لن يكتب نفسه بين الأشقِياء".

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان