شعار قسم مدونات

لقاء السنوار.. هل بدأت حماس التطبيع الإعلامي مع الاحتلال؟

blogs السنوار

قبل ثلاثة أشهر وتحديداً في الرابع من يوليو الماضي، تشرفت بإدارة ورشة عمل عقدها معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع مكتب السلام للإعلام في غزة، حول آليات التأثير على الرأي العام الإسرائيلي. وقد حضر تلك الورشة عدد من النخب السياسية والإعلامية الفلسطينية المختصة في الشأن الإسرائيلي، وكان من أبرز التوصيات التي خلصت بها تلك الورشة هي ضرورة وضع استراتيجية فلسطينية موحدة لمخاطبة الجمهور الإسرائيلي بما يخدم القضية الفلسطينية.واليوم يثار جدل كبير حول لقاء صحفي تم عقده حصرياً لصالح صحيفة يديعوت احرونوت العبرية مع قائد حماس في غزة يحيى السنوار، ومثار الجدل الذي عم مواقع التواصل الاجتماعي، أن حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية عموماً ترفض التطبيع الإعلامي مع الاحتلال.

فالتطبيع الإعلامي لا يجد له قبولاً في الشارع الفلسطيني الداعم لنهج المقاومة، خاصةً وأن الاحتلال يستثمر اللقاءات الإعلامية في خدمة أجندته الاستيطانية. إضافةً إلى أن جميع الأخبار التي تنشرها وسائل اعلام الاحتلال تمر عبر الرقيب العسكري الذي يحذف بدوره ما يشاء وينشر ما يخدم أهداف الاحتلال. مكتب السنوار في غزة نفى صحة ما تم نشره، مُعلّلاً أن الصحفية الإيطالية (فرانشيسكا بوري) تقدمت قبل أسبوعين بطلب رسمي لعقد لقاء صحفي مع السنوار لصالح صحيفة (لاروبابليكا) الإيطالية وصحيفة (الغارديان) البريطانية، وأنها أرسلت أسئلة مكتوبة تم الإجابة عليها، وأن الصورة المنشورة مع الصحفية التقطت لتوثيق اللقاء ليس أكثر، نافياً صحة أن يكون السنوار قد أجرى لقاءً خاصاً بصحيفة عبرية.

نحن اليوم بحاجة إلى التفكير ملياً في كيفية التأثير على الرأي العام الإسرائيلي والغربي بما يعزز من عدالة وإنسانية قضيتنا.

ورغم نفي حركة حماس صحة اللقاء الصحفي، إلا أن التساؤلات المنشورة تؤكد علم زعيم حماس بأن المقابلة لصحيفة عبرية، وفي حال تأكد ذلك فإنه يعتبر انعطافه مهمة في سياسة حماس الإعلامية تجاه الرأي العام الإسرائيلي. خاصةً أن فحوى إجابات السنوار تؤكد عدم سعي حماس لحرب جديدة مع الاحتلال، وأن هدفها تحقيق حياة كريمة لأهل غزة من خلال رفع الحصار الذي يفرضه الاحتلال منذ اثنتي عشر سنة على غزة. وهي رسالة يعتبر وصولها إلى الرأي العام الإسرائيلي مهماً في ظل حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة، لا تَعتبر الفلسطيني إنساناَ يستحق الحياة فوق أرضه. الرفض الفلسطيني للتطبيع الإعلامي مع الاحتلال ناتج عن المعاناة الذي يعيشها الفلسطينيون منذ نكبة 1948م وهم يشاهدون قوة الاحتلال ونفوذه لدى الأنظمة العربية يزداد يوماَ بعد يوم على حساب عدالة القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.

لكن في المقابل هل إيصاد الأبواب الفلسطينية أمام الرأي العام الإسرائيلي يخدم القضية الفلسطينية؟ وهل بإمكان الصوت الفلسطيني الوصول إلى الجمهور الإسرائيلي بعيداَ عن وسائل إعلام الاحتلال؟ وهل تَواصُل النخب العربية والفلسطينية مع وسائل إعلام الاحتلال يقدّم خدمة مجانية لدولة الاحتلال؟ لا أطرح تلك التساؤلات بدافع التهكم من القناعات والأفكار التي أحملها، حيث أنني لست من مؤيدي التطبيع الإعلامي مع الاحتلال، ولكن أتساءل كيف يمكننا كنخب إعلامية وسياسية إيصال الصوت الفلسطيني المقاوم والتأثير على الجمهور الإسرائيلي دون مخاطبته من خلال وسائل إعلامه التي يتابعها ليلا ونهارا؟ الواقع الفلسطيني يقول إن التيار الفلسطيني الداعم للتنسيق الأمني والمفاوضات مع الاحتلال هو الذي يخاطب الجمهور الإسرائيلي.

للأسف فإن خطابه يتسم بالتذلل والخنوع على أمل أن يمنحه الاحتلال دويلة أو حكماً ذاتياً يفاخر به أمام الشعب الفلسطيني. بينما الصوت المقاوم الذي قدم التضحيات ولا زال دفاعاً عن عدالة قضيته ويحظى بتأييد غالبية أبناء الشعب الفلسطيني، يُحجِم طوعاً وبإرادته عن مخاطبة الجمهور الإسرائيلي. ويقاطع وسائل إعلام الاحتلال خوفاً من استثمار الاحتلال لذلك التواصل، وتسويقه على أنه تطبيع اعلامي فلسطيني سيُسهم في تعزيز تواصل دولة الاحتلال مع الشعوب العربية والإسلامية. ختاماً وبعد سبعين سنة قضاها شعبنا في معاناة متواصلة، فإنني آمل إعادة النظر في أدواتنا وأساليبنا الاعلامية المعتمدة، فنحن اليوم بحاجة إلى التفكير ملياً في كيفية التأثير على الرأي العام الإسرائيلي والغربي بما يعزز من عدالة وإنسانية قضيتنا، دون إفساح المجال الإعلامي لمتصهين عربي أو فلسطيني يستأثر بمخاطبة الرأي العام الإسرائيلي والغربي على حساب الصوت الفلسطيني المقاوم للاحتلال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.