شعار قسم مدونات

اختفاء خاشقجي.. "إتكيت" التعامل لدى آل سعود مع معارضيهم

blogs جمال خاشقجي

لا يمكن أن يمرّ عليكَ يوم دون أن تسمع أو تشاهد أو تقرأ خبراً مفجعاً يتعلّق بالمملكة العربية السعودية. أصبح المشهد السياسي الدرامي هناك حديث الجميع ومثار تساؤلات كثير من المهتمين بشؤون الشرق الأوسط وبالشأن السعودي على وجه خاص. في طرفة عين تحولت المملكة التي كانت منزل الوحي ومولد ومنشأ الأنبياء والمصلحين من بلاد الحرمين إلى بلاد "الحرمية"، حيث المصادرة الكلية لجميع أنواع الحريات والضرب بيد من حديد لكل الأصوات التي تغرد خارج سرب البلاط الملكي، هي البنود الرئيسية لدستور الولاء والبراء الذي أسسه ولي العهد الشاب الذي باتت تنكشف أوراقه يوما بعد اَخر.

اختفاء الكاتب والصحفي القدير جمال خاشقجي إثر دخوله إلى قنصلية بلاده بإسطنبول وعدم ظهور أية أنباء بشأن مصيره إلى حدود الساعة، لخير دليل على الحالة الجنونية التي أصابت القائمين على مراكز القرار بالمملكة. خاصةً إن علمنا بأن الرجل لم يكن يعتبر نفسه محسوباً على المعارضين للنظام بدليل أنه قد رفض تقديم اللجوء السياسي في بريطانيا كي لا يمنح فرصة للمتربصين فيوظفوا ورقة اللجوء ضده. اختطاف بهذا الشكل الهوليودي، يولد لدينا شكوكاً فيما يخص قدسية العهود الديبلوماسية وحرمتها التي لطالما اعتبرت خطاً أحمرا في منطق العلاقات الدولية.

ليس هكذا تورد الإبل يا اَل سعود- هذا ما كان يدأب على قوله السيد خاشقجي من خلال مقالاته الأسبوعية بالواشنطن بوست وخرجاته الإعلامية للقائمين على شؤون بلاده، يحاول تصويب قراراتهم المتهورة ولفت نظرهم إلى الأخطاء الاستراتيجية الجسيمة التي وقعوا فيها، خاصة فيما يتعلق بملفات كل من اليمن وقطر. أغلب المقربين من خاشقجي الإعلامي والناقد السياسي يجمعون على كونه محايداً أكثر منه معراضاً، يحاول جاهداً عدم الوقوع في مواجهة مباشرة مع النظام السعودي، ربما لأنه يدرك جيداً القدرات الكيدية التي يتوفر عليها، كيف لا وهو القادم من كواليس صناعة القرار هنالك وبلا شك كان شاهداً على اختطافات وملاحقات سابقة واغتيالات نفذت خارج السعودية كما حدث مع ناصر السعيد والاميرين سلطان بن تركي وتركي بن بندر اَل سعود وغيرهم كثير.

تم إقصاء جمال خاشقجي في رسالة واضحة إلى كل من سولت له نفسه مجرد التفكير في انتقاد القيادة السعودية التي تتجه بشعبها نحو مصير لا يسعنا إلا أن نصفهُ بالمجهول

هذا الاختطاف الجبان يسيء إلى المنتظم الدولي بالدرجة الأولى وإلى الأعراف الديبلوماسية التي من المفترض أن تكون محمية من طرف القانون الدولي. لكن يبدو أن هستيريا السلطة والمال قد لبست بشكل كامل عقول الطبقة الحاكمة في السعودية. فما عاد هنالك ميثاق إلاّ ونقضوه ولا عرض إلا واستباحوه ولا قانون إلاَ واخترقوه، لا ضيرَ أن يحدث كل هذا على مرأى ومسمع من العالم ما دامت إدارة ترامب راضية.

الأرجح أن ملف السيد خاشقجي لن يمر مرور الكرام، فنحن أمام نوع جديد من التصفيات الجسدية، فبعد أن كانت تطال في السابق المعارضين والمتمردين على الأنظمة، أصبحت تطال في عهد الأمير الشاب حتى المحايدين بل وحتى بعض المؤيدين كما هو الحال في مصر. وكأن لسان حال السلطة السعودية يقول إن كنت معي حقاً فاعلن عن ذلك بصوت عال ودافع عن تأييدك لنا بكل ما أوتيت من قوة، وإن كنت ضدي فأنت وقّعت على مصيرك منذ البداية، فقط انتظر دورك، ولا تحاول الهروب فإنا ملاحقوك.

نختم هنا بكلام للسيد جمال خاشقجي صرح به في إحدى خرجاته الإعلامية الأخيرة بخصوص إلغاء الاَخر المختلف عنّا أيديولوجيا من المشاركة السياسية والحرص على الانفراد المطلق بالسلطة، علّه يجد اَذانا صاغية تعمل به: "أن تقصي طرفا واحدا من المعادلة الديمقراطية، يعني إقصاء الجميع". لم يمر على هذا التصريح وقت طويل، حتى تم إقصاؤه هو الاَخر في رسالة واضحة إلى كل من سولت له نفسه مجرد التفكير في انتقاد القيادة السعودية التي تتجه بشعبها نحو مصير لا يسعنا إلا أن نصفهُ بالمجهول. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.