شعار قسم مدونات

جمال خاشقجي.. صوت الاعتدال الذي أسكته آل سعود!

جمال خاشقجي

بدون مقدمات أصبح الإعلامي السعودي جمال خاشقجي حديث العالم الذي أثارت قضية اختفائه في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2018م عقب دخوله للقنصلية السعودية في اسطنبول بتركيا لتخليص بعض الأوراق الجميع حتى وصل الأمر إلى إعراب المكتب الإعلامي للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عن "أمله في أن يتم العثور على خاشقجي بأسرع وقت، وأن يكون آمنا".

وبعيداً عن مسألة اختفائه الذي يثير الجدل بين تأكيد تركي رسمي على لسان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالين بعدم خروجه من القنصلية مذ دخلها وأن الحكومة التركية تتابع الموقف، ثم قيامها لاحقاً باستدعاء السفير السعودي لاستجلاء الأمر، وتأكيد سعودي رسمي على لسان مسؤول سعودي لوكالة رويترز على خروجه من القنصلية بعد عشرين دقيقة من دخوله، وأن التقارير الصحفية الواردة من واشنطن عن اختفاء خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول "كاذبة"، تلاه إعلان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في لقاء مع وكالة بلومبيرغ "Bloomberg" استعداد بلاده السماح للسلطات التركية بتفتيش مقر القنصلية.

وبعيداً عن ردود الأفعال حول الأمر بين المرحبة بـ"اعتقال" خاشقجي والمطالبة بعقابه لإساءاته -بحسبهم- للدولة السعودية ورموزها، والرافضة لذلك واعتباره اعتداءً على حق إنساني أصيل. وبعيداً عن المراقبين حول العالم لقضية خاشقجي الرسميين منهم والشعبيين. بعيداً عن كل ذلك أود بداية التأكيد بوضوح وجلاء شديدين أنني ضد أي نوع من أنواع القتل أو الاعتقال أو الإقصاء أو الإضرار بأي شكل من الأشكال لكل معارض أو مخالف للرأي معتقداً تمام الاعتقاد بقول الفيلسوف الفرنسي فولتير: "قد أختلف معك في الرأي؛ ولكنني مستعدٌّ أن أدفع حياتي ثمناً لحقك في التعبير عن رأيك". ثم أود الحديث من وجه آخر عن خاشقجي، والتساؤل عن سبب عدم تفاعل أوجه المعارضة السعودية المعروفة مع هذا الغياب بالشكل الذي قد يتوقعه الكثيرون.

وأبدأ بتعريف سريع بالكاتب والإعلامي جمال خاشقجي: الإعلامي جمال خاشقجي وصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية منذ ما يزيد من عام، وذلك في شهر سبتمبر/ أيلول 2017م، وقبل ذلك عمل خاشقجي في أكثر من مكان إعلامي وبأكثر من صفة وظيفية؛ فبدأ حياته المهنية كمراسل صحفي لصحيفة سعودي غازيت "Saudi Gazette"، ثم أصبح مراسلاً لعدد من الصحف العربية اليومية والأسبوعية في الفترة بين 1987 إلى 1990م، وغطى الأحداث في عدة مناطق في الشرق الأوسط وأفغانستان والجزائر والكويت.

الكاتب والإعلامي جمال خاشقجي لم يخرج يوماً عن النظام، ولم يكن معارضاً له؛ وإنما هو معارض للدائرة الحاكمة حاليًّا فقط

وفي الفترة من 1999م إلى 2003م تولى منصب نائب رئيس تحرير صحيفة آراب نيوز "Arab News"، ثم تولى منصب رئيس تحرير صحيفة الوطن اليومية السعودية عام 2004م؛ ما لبث أن أُقيل من عمله بعد 52 يوماً، تولى بعدها منصب مستشار إعلامي للأمير تركي الفيصل حين شغله منصب السفير السعودي في لندن ثم واشنطن. وفي أبريل/ نيسان عام 2007م صدر قرار بإعادة تعيينه للمرة الثانية رئيساً لتحرير صحيفة الوطن؛ ثم أُرغم على الاستقالة في مايو/ آيار 2010م، ورجح كثيرون وقتها أن مبررات الاستقالة هو نشر الصحيفة مقالة تنتقد فيها الفكر السلفي! وشغل خاشقجي منذ يوليو/ تموز 2010م منصب المدير العام لقناة العرب الإخبارية التي يمتلكها الأمير الوليد بن طلال، والتي كان من المزمع بثها عام 2012م، وبدأ بثها الفعلي من مملكة البحرين في فبراير/ شباط 2015م، بيد أن هذا البث لم يستمر أكثر من يوم واحد؛ حيث تم إيقافها لاستضافتها القيادي في المعارضة البحرينية الشيعية خليل المرزوق.

في شهر سبتمبر/ أيلول 2017م وصل جمال خاشقجي للولايات المتحدة الأمريكية ليصبح بعدها كاتباً في صحيفة واشنطن بوست "Washington Post"، ومنذ ذلك الحين عُرف خاشقجي بانتقاداته الحادة للحكومة السعودية، وخاصة بعد أن أصبح محمد بن سلمان وليًّا للعهد ووعد بإدخال إصلاحات جديدة إلى البلاد، الأمر الذي تزامن مع موجة من الاعتقالات والقمع على حد تعبير خاشقجي، كما انتقد مواقف الحكومة السعودية من قطر والإخوان المسلمين والدكتور يوسف القرضاوي، وتحول موقفه من تأييد التدخل السعودي في اليمن إلى معارضته بعد أن كثرت التجاوزات واتضح وجود "مآرب" أخرى من وراء هذا التدخل.

والآن أتساءل: هل جمال خاشقجي "معارض" للنظام السعودي حاله حال السادة: محمد المسعري وسعد الفقيه ومضاوي الرشيد وسلطان العبدلي ويحيى عسيري وخالد آل سعود وعمر عبد العزيز وغانم الدوسري وغيرهم أم هو ابن النظام وجلُّ ما في الأمر أنه مجرد "مخالف" لمجموعة من أفراد النظام اليوم ولبعض من ممارساته؟

تاريخ خاشقجي والواقع الثابت هو أنه لم يكن يوماً معارضاً؛ بل هو ابن النظام منذ ظهر؛ بل كان يرفض وصفه بالمعارض، ويؤكد هذا ما قاله الصحفي البريطاني الشهير ديفيد هيرست رئيس تحرير موقع ميدل إيست آي "Middle East Eye": "في المحادثات العديدة التي جمعتنا معاً ولفترة طويلة، بعدما اختلف مع النظام الجديد في الرياض في ظل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كان خاشقجي يتحاشى وصفه بـ"المعارض السعودي"؛ إذ اعتبر نفسه ملكيًّا، وابناً للمؤسسة، وصحافيًّا مخضرماً في السياسة الخارجية كان لأمدٍ طويل داخل دائرة الديوان الملكي التي يكتنفها الغموض، وسافر معهم في مناسبات سابقة".

فما الذي أخرج خاشقجي من هذا النظام؟ الذي أخرجه هو أنه ليس محسوباً ضمن دائرة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وإنما هو محسوب ضمن دوائر أخرى داخل هذا النظام، وقد عبر خاشقجي بالفعل عن ضيقه من دائرة محمد بن سلمان وأن هذه الدائرة الصغيرة المُلتفة حول محمد بن سلمان لا يمكنها التحمُّل، وهو ما أكسبه عداءهم المطلَق، بحسب هيرست.

اعتقد خاشقجي أنه ليس أمام المملكة إلا طريق واحد ينبغي أن تسلكه في القرن الحادي والعشرين، طريق انفتاح ديمقراطي بطيء تقوده ملكية دستورية تتنحَّى تدريجيًّا، وهو الأمر الذي يختلف جذريًّا عن ما يطالب به المعارضون السعوديون
اعتقد خاشقجي أنه ليس أمام المملكة إلا طريق واحد ينبغي أن تسلكه في القرن الحادي والعشرين، طريق انفتاح ديمقراطي بطيء تقوده ملكية دستورية تتنحَّى تدريجيًّا، وهو الأمر الذي يختلف جذريًّا عن ما يطالب به المعارضون السعوديون
 

كما أنه حتى لو اعتبر خاشقجي نفسه معارضاً فإن لم يكن يرغب قط في أن يكون "معارضاً منفيًّا"، وفق ما نقلته عنه كاترين عطية محررة قسم الآراء العالمية في صحيفة "Washington Post"، والتي أكدت كذلك على أنه قد أعرب لها عن أسفه من أن الممارسات القمعية في السعودية أصبحت غير مُحتَمَلة إلى الحد الذي دفعه لأن يقرر مغادرة المملكة والعيش في المنفى في واشنطن.

إذن فالكاتب والإعلامي جمال خاشقجي لم يخرج يوماً عن النظام، ولم يكن معارضاً له؛ وإنما هو معارض للدائرة الحاكمة حاليًّا فقط، وبخلاف المعارضين الآخرين كانت أقصى آمال خاشقي هو ما نقله هيرست عنه بقوله: "اعتقد الرجل أنه ليس أمام المملكة إلا طريق واحد ينبغي أن تسلكه في القرن الحادي والعشرين، طريق انفتاح ديمقراطي بطيء تقوده ملكية دستورية تتنحَّى تدريجيًّا"، وهو الأمر الذي يختلف جذريًّا عن ما يطالب به المعارضون السعوديون؛ لذلك لم يتفاعلوا مع اختفائه بالشكل الذي توقعه كثيرون، بل هم لم يعتبروه معارضاً من الأساس، وهذا ما صرح به بوضوح السيد غانم الدوسري، غير أن هذا لا ينفي أنهم بكل تأكيد ضد اختفائه أو إصابته بأي سوء.

أؤكد من جديد أنني ضد أي نوع من أنوع الإضرار أو الإيذاء أو الإقصاء نحو المعارضين في الرأي في أي مكان ولأي سبب، وأن حرية التعبير يجب أن تكون مكفولة للجميع لأنها ضمانة بقاء أية دولة وأي نظام حكم، وأؤكد كذلك أنني أود عودة الإعلامي جمال خاشقجي سالماً لأهله وكل من يعرفه؛ فهذا حقه كإنسان اختلفتُ معه أو اتفقت. كل ما أردته بمقالي هذا هو فقط إجلاء القضية، وإيضاح المسألة، ووضع الأمور في نصابها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.