لقد قتلوا اللّيل أمام أعيننا كي لا نحلم، لم يعلموا أنَّ الأحلامَ تراودنا في النّهار أيضاً، لم يعلموا أنّنا على دراية بأنَّ الأرض لا تحقّق الآمال إنْ لم تُرفَع إلى السماءِ أولاً، نحن الذين نرسلُ أحلامَنا إلى الله في كلّ مطلعِ فجر، ونخرجُ للحياةِ نقاتلُ لنحصلَ عليها، نؤمنُ بأنّ الوسادات تُرينا الأحلامَ ولكن لا تحقّقها، ولذلك فنحنُ نخرجُ للعالم كما يخرجُ الفلّاح ويحصدَ الزرع، وما يَجعَلنا بخَير، هي أَعتابُ اللهِ التّي كلّما وقَفنا عِندها، عُدْنَا معافِين مِن كلِّ ما يؤذِينا.
لا أذكرُ يوماً أنّي قد توقّفتُ عن بثّ الأمنياتِ إلى الله، فالحديث عن أحلامي كانَ أشبه بصلاةٍ خاشعةٍ أتلوها كلّ يوم، وكنتُ أؤمن بأنّ ساعةَ الاستجابةِ موجودة، وأنّ أحلامي تتحقّق ولكن أنا من يجب أنْ يبحثَ عنها، أدركُ بأنّ الله يحقّق أحلامي في نقطةٍ أكاد لا أراها ربّما، أو أنّ طموحاتي تقفُ في طريقٍ ما، أتوهُ أنا عنهُ قليلاً، لكنّها بالكاد موجودة وتنتظرني.
ما يحقّق أحلامَنا هو إيجابيّتنا وطاقتنا فقط، والإنسان وليد طاقته، ومولّدها بلا شك، يُخلَق الإنسانُ مع عقلٍ سويٍّ يرافقه ولكنّه فيما بعد يكتسبُ النوعيّة التي ستحلُّ بهذا العقل، فإمّا أن يكون شخصاً سلبيّاً أو أنْ يكون شخص إيجابيّاً، وشتّان الحياة ما بين الاثنين، فالإنسان السلبيّ هو الذي لا ينهضُ بعد أولِ سقوط، والذي لو عطشَ لرأى النصفَ الفارغَ فقط من الكأس، هو الذي يريدُ أنْ تُزهِر الأشجارُ ولكنّه يشتمُ المطر، بينما الشخص الإيجابيّ هو ذاك الذي لا ينجحُ إلا بعدَ سقوطِه الأول، وهو الذي لو عطشَ لرأى النصفَ الممتلئ من الكأسِ وسعد َبه، وهو الذي رأى الأمطارَ تتساقط فتبسّم منتظراً الأشجار إلى أنْ تُزهِر.
الذين يدعمونَنا ويتمنّون نجاحنا هم إلهامنا الأول، هم السببُ الكامن في استمراريّتنا، وفي ديمومةِ إنجازاتنا، هم الشحن الإيجابيّ لخزينةِ عطائِنا، فنحن من نصنعُ نجاحَنا ولكنّهم هم من يجعلوهُ باهراً |
يقلقني أمراً في هذه الحياة، أنّه هناك فئة من النّاس لا تحلم، أنا لا أتحدّث عن أحلامِ اللّيل على الإطلاق، بل أتحدّثُ عن أحلامِ اليقظة، تلك الأحلام التي نرسمها ونحيا لنحقّقها، لا أعلمُ كيف ينامُ أولئك الذي لم يكنْ لهم نصيبٌ من الحياةِ ولا الحبّ ولا الحلم، وأين سيكونون حينما تسبحُ الكواكبِ وتطفو النجوم، وتنفجرُ هناك أحلامُنا الورديّة!
إن من أهمّ العوامل السلبيّة التي تؤثّر على إيجابيّة الإنسانِ وقدرته على إنجازِ ما يبتغيه، هو اكتراثه المبالغ لتعليقاتِ النّاس وآرائِهم، فكم من شخصٍ تمنّى أمنيةً ولم يحقّقها خوفاً من كلامِ الناسِ ونقدهم، وإني أيقنُ أنّ اللامبالاةَ هي من تصنع نجاحنا، لذلك علينا أنّ نتمسّك بذلك الوحيد الذي يربت على كتفِنا ويدعمنا، وأنْ لا نبالي بالعشراتِ الذّين ينتقدونَنا ويضعونَ العواقبَ في طريقنا.
إنَّ الذين يدعمونَنا ويتمنّون نجاحنا هم إلهامنا الأول، هم السببُ الكامن في استمراريّتنا، وفي ديمومةِ إنجازاتنا، هم الشحن الإيجابيّ لخزينةِ عطائِنا، نحن من نصنعُ نجاحَنا ولكنّهم هم من يجعلوهُ باهراً لامعاً، فلذلك نتمسّك بمن يحترم إمكانيّاتنا ولا يقلّل من شأنِنا على الإطلاق، أما أولئك الذين يسعونَ لإحباطِنا والسخرية من إنجازاتِنا فالابتعاد عنهم خيرُ قرارٍ نتّخذه في مسيرتنا الذاتيّة، وإيّاك أن تَشتُم يومكَ لأَجلِ ضيفٍ ثقيلٍ قدْ أتَى، بل أَغلِقْ الأبوابَ التّي يُؤذيكَ طارِقُها، ومن هذا المنطلق فعليكَ أنْ تبتعدَ عن كل ما يحبطكَ ويرقد عزيمتك الثمينة.
بالتأكيد هناك فترةَ فتورٍ تصيبُ كلّ منّا أثناءَ رحلته، ولكن هذا لا يعني أنْ يتمكّن الاستسلامُ منّا، فالحياة مهما كانت قاسية، ستأتي ساعاتُ الّلين ولا شك في ذلك، وستثمرُ البذورُ الجميلة التي بداخلِ كلًّ منّا، وحتماً سنزهرُ بعدَ شتاءٍ باردٍ وطويل، لذلك من الجيّد جدًا أنْ تمتلك أيها العاقِل حلما ً ولكنْ من الأفضلِ أنْ تستيقظ وتخرج للحياةِ وتباشر في تحقيقِ هذا الحلم، لن يترصّدك الفشلُ طالما أنّك تلتهم الحياةَ من بين ركامِ العوائقِ والشوائب، قُلتَها وأقولَها مرّة ثانية : (إننّي إنْ آمنتُ بشيءٍ، قاتلتُ لأجلهِ بشراسةٍ حتّى النوال، فأنا لستُ ممّن يزرعونَ الغرسةَ ولا يسقونَها) وأنتَ أيّها العاقل ،ثق بأنّ أحلامَنا لا تُصلَب بل تُرفَع إلى السّماء، هيّا اخرجْ إلى غرستِك الآن فيوم الحصادِ قادم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.