شعار قسم مدونات

هل الفرار بالدين يكفي في هذه المرحلة؟

blogs سفر

لا أعرف لماذا أسطر لكم هذه السطور الآن ولكن ثمة مشاعر حزن ممزوجة بالخذلان دفعتني إلى ذلك. الأخذ بالأسباب واتباع المرسلين بعد ما يقرب من خمس سنوات من خضم أحداث أقل ما يُقال عليها أنها دموية في مصر، ازداد الظلم والبطش في البلاد وأصبح الاضطهاد لمجرد الهوية، فطغت مظاهر الفساد على سلامة النفوس، فمن نجا من الأحداث الدموية أصبح مُعرض للاعتقال وفي بعض الأحيان للتصفية الجسدية، فاضطر الكثير بعد اليقين بعجزهم عن التغيير والأخذ بالأسباب إلى الفرار عن أظهر الظالمين على سنة المرسلين.
 

ضعف من بعد قوة

كنت أعتقد أن ما مررنا به من أحداث دموية منذ الانقلاب يجعلنا أقوياء لا ننسى مهما طال الأمد ولكن للأسف قسوة الحياة ولاسيما الغربة استطاعت أن تُذهب قدرً من القوة التي كنا عليها في الداخل، وأصبحنا نعطي للقضية فضائل أوقاتنا، ويبدو أنها كانت بداية مرحلة الضعف التي تسبق التيه.
 

رفقاء المحنة

كلاً منا يعرف شهيد أو معتقل في سجون أشبه بالمقابر، شهداء رحمهم الله نالوا ما كنا نهتف به طوال عمرنا، معتقلين متمسكين بحبال النجاة الإلهية لا يعرفون لماذا اعتقلوا ومتى الحرية، يُهدر أعمارهم في السجون لمجرد أنهم كانوا مخلصين لقضيتهم سائرين على الدرب، كانوا يرون فينا رفقاء المحنة الذين يستكملون الطريق، يحزنني أن أقرأ رسالة من أحد المعتقلين يقول، أنا لست حزين بالاعتقال بل حزين ممن باعوا القضية بأكملها، أشعر بغصة في قلبي وانكسار بعد سماع هذا الكلام، وهذا نتيجة الهدوء الذي ساد المشهد والمياه أصبحت راكدة لا تجد من يحركها، ثمة مشاهد تصور للناس أن هناك تخاذل وتراجع، وهنا أخشى أن نكون فررنا بديننا لنقع في ذنب التولي والتثاقل، هناك أناس قدموا أرواحهم لأجل قضية عادلة يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم وكانوا يرون أننا على بُعد خطوات من التحرير والتمكين، فهل نحن لازلنا هكذا؟
 

التيه وافتقاد البوصلة
الأصل في مسألة الفرار بالدين من بلاد الظلم هو الإعداد وبناء الذات، فالمسلمون عادوا إلى مكة فاتحين بعد نقض كفار فريش صلح الحديبية.. فهل نحن نُعد أنفسنا ليوم كهذا؟

أصبحنا تائهين حائرين في غربه مطموسة المعالم نفتقد فيها إلى بوصله ورؤية حقيقية لا نعرف ماذا نفعل ولماذا فعلنا وإلى أين ذاهبين، نشتكي من قسوتها من حين إلي آخر، دخلنا دوامة الحياة الروتينية من أكبر باب لها ما بين البحث عن لقمة العيش إلى محاولة البعض استكمال مسيرتهُ الدراسية ومحصلة هذا كله أنه سقط منا كثيراً مما كنا عليه في بداية المحنة شيئاً فشيئاً، أصبحنا فقط مجرد أعداد في تعداد الفارين بدينهم ليس أكثر إلا من رحم ربهُ.
 

الفرار بالدين على نهج المرسلين

الأصل في مسألة الفرار بالدين من بلاد الظلم هو الإعداد وبناء الذات كما حدث مع المسلمين الذين غادروا مكة إلى المدينة المنورة هرباً من ظلم كفار قريش، وبالتالي فهم لم يستطيعوا العودة إلى هناك مرة أخرى، ولم يتمكنوا من الحج لسنوات عديدة، وذلك خوفاً من غدر المشركين ولكن عادوا إليها في سنة ثمانية هجرياً فاتحين بعد نقض كفار فريش صلح الحديبية.. فهل نحن نُعد أنفسنا ليوم كهذا؟ 
 

رسالة ناصح محب

حتى لا يفهم كلامي جلد للذات فقط، بل هو مجرد نقد ذاتي لأنفسنا ورسالة مقتضبة، ماذا كُنا وماذا أصبحنا، وفي الغالب يتردد الكثير منا أن يسأل نفسه تلك الأسئلة خوفاً من النقد، إلا أنني أردت فقط أن أشارككم بعض من مشاعري التي أغرق فيها باحثاً عن إجابة شافية لها وينتهي بي الأمر في كل مرة بشعور من اليأس والحزن ومزيد من التيه الذي يطغى على كثير منا. ليس لدي أي حلول للخروج من الأزمة التي تزداد تعقيداً كل يوم، سطرت لكم هذه السطور لعلها تكون جرس إنذار حتى لا نكون من الذين طال عليهم الأمد. ويبقي السؤال الذي يجب أن نسألهُ لأنفسنا كل ليلة. متى الوصول..؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.