شعار قسم مدونات

كيف يدفع ترمب تركيا والاتحاد الأوروبي إلى التقارب؟

blogs أردوغان

خلال صيف عام 2016، ضرب زلزالان سياسِيّان كلًا من الاتّحاد الأوروبيّ وتركيا في أقلَّ من شهرٍ واحد. ففي 23 يونيو/حزيران، صوّتت المملكة المتّحدة بالإيجاب لمُغادرة الاتّحاد الأوروبيّ، ما تسبَّب في أزمةٍ وجوديّة كبيرة داخل الاتّحاد. وبعد أقل من شهر، في 15 يوليو/تمّوز تحديدًا، حاولَت منظّمةُ FETO الإرهابيّة الإطاحةَ بالحكومة التركيّة المُنتَخَبةُ ديمُقراطيًّا بعد أنْ تسلّلت إلى مفاصل الدولة والجيش. وعلى الرغم من فشل الانقلاب، إلا أنه خلّف أثرًا عميقًا على المشهد السياسيّ التركيّ ومؤسّسات الدولة.

 

وفي الوقت الذي واجَه فيه الاتّحاد الأوروبيّ وتركيا أزماتٍ سياسيّةٍ خطيرة، فقد تدهوَرَت العلاقات بينهما بشكلٍ أكبر. فقد أدّت الاستجابةُ الواهِنة من جانب الاتّحاد الأوروبيّ على محاولة الانقلاب الذي قادته منظّمة FETO، إلى جانب تردُّدِهم في تقديم الدعم السياسيّ الكامل للحكومة التركيّة، إلى زيادة التوتّرات القائمة بالفعل، وحتى قبل صيف عام 2016، فقد تواجدت خلافاتٌ كبيرة بين أنقرة وبروكسل بشأن عددٍ من النِّقاط، من بينها القضيّة الكُرديّة والإصلاحات الديمُقراطيّة والطريقة التي تعامَلَت بها أجهزةُ الأمن التركيّة مع الاحتجاجات المُناهِضة للحكومة في عام 2013.

 

لقد مرّت سنتان على هذا الصيف الحافِل، وقد حان الوقت لكلٍّ من تركيا والاتّحاد الأوروبيّ للضغط على زِرّ إعادة الضبط. وقد كانت زيارة الرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان إلى ألمانيا الأسبوعَ الماضي خطوةٌ أُولى طيّبةٌ في هذا الاتجاه، وقد وصفَ الرئيس التركي رحلتَه بـ"الناجحة"، بينما بدا نظيرُه الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، أقلَّ إقبالًا عندما قال "هذه الزيارة ليست تطبيعًا، فنحن بعيدون للغاية عن هذه المرحلة؛ لكن قد تكون هذه بداية"، وبالنظر عامين إلى الوراء، فهناك بالفعل بعضُ الأسباب التي تدفع تجاه هذه الشكوك. فقد تزايَد عددُ النزاعات السياسيّة بين البلدين منذ عام 2016.

 

فمن موافقة البرلمان الألمانيّ على مشروع قانون إدانة الإبادَة الجماعيّة للأرمن الصادر في عام 2016، وأزمة قاعدة إنجرليك الجوّيّة عام 2017، ومنح اللجوء لأفرادٍ مُتّهمين بالتورّط في محاولة الانقلاب في 15 يوليو/تمّوز 2016، ومزاعِم التجسّس ضد أئمّةٍ مُنتَسِبين إلى رئاسة الشؤون الدينيّة التركيّة، وحظْر الحملات الانتخابيّة لِسياسيّين أتراك في ألمانيا، والانتقاد اللاذِع من قِبَل أردوغان للقيادة السياسيّة الألمانيّة وتشبيهها بالنازيّة قبل الاستفتاء على الدستور التركيّ في عام 2017، وُصولًا إلى حبس الصحفيّ الألمانيّ التركيّ دينيز يوجيل، واستضافة ألمانيا لأعْضاء من منظّمة FETO وحزب العُمّال الكردستانيّ PKK، والذي تعتبره تركيا جماعةً إرهابيّة – لقد حدَثَ الكثير بالفعل خلال العامَين الماضيَين.

   

  

ولكن هناك أيضًا سَببٌ يدعو للتفاؤل. وفي الواقع، فقد كان هناك تغيُّرٌ سريعٌ في مناخ العلاقات بين البَلَدَين بشكلٍ خاصّ، وبين تركيا والاتّحاد الأوروبيّ بشكلٍ عام، على مدى الأشهُر القليلة الماضية. وقد كان هناك سببٌ رئيسيٌّ واحدٌ لهذا التحوّل المُذهِل: الرئيس الأميركيّ دونالد ترمب. فمنذ انتخابه رئيسًا في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، لم يَتوانَ ترمب في إفساد العلاقات مع الدُوَل عبر الأطلنطيّ، وقد أظهَر مُعظمُ قادة الاتّحاد الأوروبيّ -وعلى رأسهم المستشارة الألمانيّة أنغيلا ميركل- نُفورَهم الكامل من أسلوبه السياسيّ. وقد نجحَت إدارتُه في زيادة توتّر العلاقات مع تركيا أيضًا. بعبارةٍ أخرى، زادت سياسات البيت الأبيض، تحت إدارة ترمب، بشكلٍ جذريّ من رغبة كلٍّ من أنقرة وبروكسل في التوافُق بشأن القضايا الخِلافيّة التي تتعلّق بالسياسة الخارجيّة والتجارة والأمن.

 

وحتى قبل تولّيه منصبَ الرئاسة، فقد تعهَّد ترمب بمُلاحقة الناتو، ولم يُخلِف وعدَه. فقد هاجَم حُلفاءَه في حِلف الناتو واتّهمَهم بعدم دفع المبالغ المُستحقّة عليهم. وقد شجَّع هذا بقيَّةَ أعضاء الناتو على الاتّحاد سويَّةً في جبهةٍ موحَّدة في وجه أنشطتِه التخريبيّة التي تُهدِّد مُستقبل الحِلف.

 

كما تسبَّب ترمب في ضررٍ كبيرٍ بالعلاقات الاقتصاديّة الأمريكيّة مع كلٍّ من الاتّحاد الأوروبيّ وتركيا. وقد أثار قرارُه فرضَ رسومٍ جمركيّة على واردات الصلب والألومِنيوم بجانب تهديداتِه المستمرّة بفرض ضرائب باهظة على وارداتِ السيّارات الأوروبيّة غضبَ بروكسل، والتي تشعر بالقلق بالفعل من التأثيرات الاقتصاديّة الناجمة عن انفصال المملكة المتّحدة عن الاتّحاد الأوروبيّ. كما قامت إدارة ترمب مؤخّرًا بصفع تركيا بعددٍ من العقوبات الاقتصاديّة.

 

ومع احتدام الحرب التجاريّة التي بدأها ترمب، فمن المنطقيّ إذًا تكاتُف الاتّحاد الأوروبيّ وتركيا جنبًا إلى جنب. فتركيا هي رابع أكبر سوق للصادرات في الاتّحاد الأوروبيّ وخامس أكبر مَصدَرٍ للواردات؛ هذا بينما يُمثّل الاتّحادُ الأوروبيّ الشريكَ التجاريَّ الأوَّل لتركيا على الإطلاق. وإنْ كان هناك جانبٌ واحدٌ من العلاقات قد ازدهَرَ خلال العامَين الماضيَين المليئَين بالتوتّرات، فهو جانب العلاقات الاقتصاديّة.

 

عام 2018 يُصادِف مرورَ 100 عامٍ على نهاية الحرب العالميّة الأولى، والتي جمعَت بين تركيا وألمانيا في تحالُفٍ وثيق، والتي انتهت مع تسوية جيوسياسيّةٍ تركيّةٍ أوروبيّة لا تزال تؤثّر على علاقاتِهِما حتّى اليوم

وعلاوة على ذلك، فقد تسبَّب قرارُ ترمب أُحاديُّ الجانب المُتمثّل في الانسحاب من الاتفاق النوويّ الإيرانيّ وفرض عقوباتٍ على الصادرات النفطيّة الإيرانيّة في زيادة عدم استقرار علاقات الولايات المتّحدة مع الاتّحاد الأوروبيّ. وقد تداعَى الدبلوماسيّون الأوروبيّون لإنقاذ الصفقة النوويّة، واقترحوا في الآونة الأخيرة أداةً ماليّة خاصةً تسمَحُ للشركات الأوروبيّة بتجنُّب العقوبات الأمريكيّة. كما تُشارِك تركيا في الحفاظ على علاقاتها مع إيران، مُعلنة أنها ستَرفُض الالتزامَ بهذه العقوبات من جِهَتِها.

 

كما تُمثِّل قضيّةُ الأمن مجالًا رئيسيًّا آخرَ من التعاوُن المُشترَك بين بروكسل وأنقرة في الأشهر الأخيرة. فقد عَمِل أردوغان جاهِدًا لمنع هجومٍ آخَرَ من قِبَل قوّات الحكومة السوريّة وروسيا في شمال سوريا، والذي من شأنه أنْ يتسبَّب في موجةِ لاجئين أُخرى إلى الحدود التركيّة ورُبّما إلى أوروبا. هذا فَقدْ عكَفَ الرئيسُ التركيّ مع نُظرائه الأوروبيّين على البحثِ عن حلٍّ للأزمة، رغم قيام إدارة ترمب بأداء دورٍ تخريبيّ مستمرّ، إذ تدعم حزبَ العُمّال الكردستانيّ في شمال شرق سوريا، وتَعجَز عن اتخاذِ موقفٍ واضحٍ قاطع بشأن عمليّةِ سلامٍ مستقبليّة.

 

وفي أثناء سعيِها للتقارُب مع الاتّحاد الأوروبيّ، تُدرِك تركيا أنّ الوزنَ السياسيّ لألمانيا داخل الاتّحاد الأوروبيّ، بعد خروج بريطانيا، سيَزيد بصورةٍ كبيرة، وقد بات جَلِيًّا بالنسبة لأنقرة أنّها من أجل الوصول لعلاقاتٍ أفضل مع الاتّحاد الأوروبيّ، فإنّ ذلك يكونُ عبر برلين، لا بروكسل. وبينما لا يزال هناك العديد من القضايا التي يَجب حلُّها، إلّا أنّ مصالحَ تركيا وألمانيا تتداخَل اليومَ أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى، من أزمة الهِجرة إلى الحروب التجاريّة، ومن مُعضِلة ترمب إلى الأزمة السوريّة، ومن النزعة الشعبويّة الصاعدة إلى الإسلاموفوبيا، يحتاج كِلا البلَدَين إلى لآخَر لحلّ التحدّيات الكُبرَى التي تواجِهانها.

 

إنّ من مصلحةِ البلدَين، ومصلحةِ الاتّحاد الأوروبيّ ككُلّ، أنْ يَسعى البَلَدان إلى الوَحْدة في زمن الاستقطاب العالميّ المُتزايِد وعدمِ اليقين والاستقرار الذي جَلَبَه قادةٌ مثل ترمب، من المهمّ أنْ نتذكَّرَ أنَّ عام 2018 يُصادِف مرورَ 100 عامٍ على نهاية الحرب العالميّة الأولى، والتي جمعَت بين تركيا وألمانيا في تحالُفٍ وثيق، والتي انتهت مع تسوية جيوسياسيّةٍ تركيّةٍ أوروبيّة لا تزال تؤثّر على علاقاتِهِما حتّى اليوم. وقد أتت القراءات التاريخيّة التركيّة بالمقولة الشائعة التي تقول "لقد أُعلِن عن هزيمتِنا لأنّ ألمانيا هُزِمَت".

 

واليوم، تُراهِن تركيا مرّةً أخرى على علاقاتٍ وثيقةٍ مع ألمانيا، لكنّ أوروبا هذه المرّة مختلفة، وكذلك العالم. إنَّ نظامَ المُعسكَرات والمَحاوِر في القرن العشرين قد عَفَا عليه الزمن، ولا ينبغي أن يكونَ أساسَ قراءتنا للواقع الجيوسياسيّ اليوم، علينا أن نُدرِكَ أنَّ لدَى تركيا وأوروبا ترابُطٌ جغرافيّ وديموغرافيّ واقتصاديّ، فضلًا عن الروابط التاريخيّة والثقافيّة الوثيقة، والتي مِن شأنِها أن توَفِّق بين الطرفَين، أيًّا كانت الظروف.

————————————————————————-

 

مترجم عن الرابط التالي

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.