شعار قسم مدونات

إقالة لوبيتيغي.. الخلل في فلورينتيو بيريز!

blogs لوبيتيجي و بيريز

أشعر بالتعاطف مع المدربين، دائما ما يكون أحدهم شماعة لفشل الفريق، دائما ما يكونون في وجه المدفع، عندما لا يسير كل شيء بخير، هناك شخص واحد سيكون وضع رأسه على المقصلة حلا لكل شيء، وكأن المدرب هو الــ 11 لاعبا على أرض الملعب، فإذا فاز الفريق، المجد لمسجل الهدف، وإذا خسر فعلى المدرب اللعنة والثبور. أتابع منذ بداية الموسم أخبار ريال مدريد ومدربه المُقال لوبيتيغي، وقلت مع بداية الموسم إن بيريز يريد تكرار تجربة برشلونة غوارديولا، وللأمانة خطوة جلب لوبيتيغي كانت أذكى جزئية في مشروع تحقيق حلم بيريز، فالمدرب الإسباني الشاب يملك كل ما يحتاجه ريال مدريد من أجل تحقيق ما يريده بيريز، لكن بيريز لا يملك أهم ما يحتاجه هو نفسه من أجل تحقيق تلك الخطوة.. عامل الصبر.

بيريز رجل أعمال ناجح، يريد نتائج ملموسة، يريد ريال مدريد بطلا لأوروبا بطريقة يُمكن لبيريز نفسه الاعتزاز بها والقول بأن فريقه جمع فيها بين الصعبين، الكرة الألقاب. بالعودة إلى لوبيتيغي، مدرب منتخب اسبانيا السابق لديه خطة واضحة لكنها تحتاج الكثير من الصبر، الغريب أن ما حدث معه شبيه بشكل مهول لما حدث مع بيب غوارديولا إبان انتقاله لبايرن ميونخ، فريق مدجج بالنجوم، حقق كل شيء، لكنه يريد كل شيء مرة أخرى، باختلاف الطريقة، يريد زرع كرة القدم، وليس حصاد الألقاب بواقعية.

لوبيتيغي لم يكن سيئا، لكن العوامل المحيطة بتجربته مع ريال مدريد هي ما أوصل الفريق لطريق مسدود

ريال مدريد تطور كثيرا من ناحية الضغط والانتشار في الملعب هجوميا لكنه في المقابل عانى كثيرا في الشق الخلفي، ربما يكون لتغيير الحارس، والمهام الجديدة الموكلة لقلبي الدفاع بالتقدم وصناعة اللعب من الخلف دور في ذلك، فتسبب تقدمهم بخلق فراغات، اعتاد الملوك في وقت قريب استغلالها لا العكس، فظهر الفريق وكأنه نسخة مشوهة من الملكي، لكنه في الحقيقة، كان يمر بمرحلة مخاض ستنتج لو تم الصبر عليها. لوبيتيغي حاول بشكل واضح فرض شخصيته لكنه فشل، الانقسام الحاصل في الفريق بين مؤيدين للمدرب وساخطين عليه، يوحي إلى أن هنالك صراعا كان يدور داخل عقل لوبيتيغي نفسه، فقبله بعض اللاعبين ورفضه آخرون.

ريال مدريد كان في حالة إعادة ترميم، مدرب جديد، شخصية جديدة، ووجه إعلامي جديد، تركه الجميع لسيرجيو راموس، قائد الفريق داخل وخارج الملعب، ومن يحمل لواء الدفاع عن كل شيء في الفريق، كان واضحا أنها مرحلة إعادة بناء من الصفر. ما يُحسب لفلورنتينو بيريز في هذه التجربة، هو أنه تجرأ على محاولتها، لكن مع أول صرخات من الجماهير وخسارة قاسية في الكلاسيكو، عاد بيريز إلى المنطقة الآمنة، ورضخ لمطالب الجماهير بإقالة المدرب.

إلا أن الخطأ الكبير الذي وقع فيه فلورنتينو، كان إصراره على استنساخ برشلونة جديد، دون النظر إلى المقومات التي جعلت برشلونة غوارديولا فريقا غير قابل للاستنساخ، فزيدان نفسه كان من المُفترض أن يكون بيب في أعين بيريز، إلا أن بطل العالم 1998 عرف ما يضمه فريقه، فلعب بواقعية واحترام لإمكانياته وإمكانيات فريقه، فكانت النتيجة، فريقا لا يُقهر لثلاثة مواسم.

 حتى يتحلى بيريز بالصبر الذي يحتاجه، أو يستسلم لفكرة أن العوامل المحيطة بريال مدريد تختلف عن غيرها من الأندية، ستظل جماهير الملكي بين فترات صعود لا سقف لها، وهبوط يُسمع دويه من أبعد نقطة في القطب الشمالي
 حتى يتحلى بيريز بالصبر الذي يحتاجه، أو يستسلم لفكرة أن العوامل المحيطة بريال مدريد تختلف عن غيرها من الأندية، ستظل جماهير الملكي بين فترات صعود لا سقف لها، وهبوط يُسمع دويه من أبعد نقطة في القطب الشمالي
 

هنالك عامل إيجابي آخر في التجربة التي لم تستمر، وهو أن ريال مدريد ضم مؤخرا العديد من النجوم الشابة والواعدة، والتي ربما كانت لتُمهد لــ لاماسيا جديدة تزخر بالنجوم، لكنها أيضا كانت بحاجة إلى وقت كي تنضج ثمارها، وقت لم تُنصف فيه ألقاب ريال مدريد المتتالية في الشامبيونز، والصورة التي يملكها الجميع عن بيريز بمحبته للمدربين الأسبان، فطرد أنسبهم للحصول على فرصة، كي لا يقول العالم إنه أسباني لعين.

ليس عيبا أن يُحاول أحدهم استنساخ تجربة ناجحة، مع إضفاء بعض التعديلات التي توضح بصمته الخاصة عليها، فبيريز نفسه نجح إلى حد ما في استنساخ تجربة برشلونة باستقدام زيدان، لكنه في النهاية فضل طريقة برشلونة على طريقته، فبدأ فيها من الأعلى، كأن يبني أحدهم سلالم المنزل قبل وضع أساسه، برشلونة جهز أكاديمية، وأشرف عليها بيب، قبل أن يتولى الفريق الأول الذي ولمدة طويلة كان يلعب بنفس الطريقة، في مدريد العكس هو ما أوصل ريال زيدان إلى ما وصل إليه، ففريق زيدان لم يكن نتاج عمل الفرنسي وحده، بل كان ثمرة عمل مدربي الملكي مذ بدأ بيريز قيادة المشروع 2009، لتُبنى شخصية الملكي تصاعديا منذ تلك اللحظة، ويصبح على ما ظهر عليه مع زيدان في المواسم الماضية.

ختاما، لوبيتيغي لم يكن سيئا، لكن العوامل المحيطة بتجربته مع ريال مدريد هي ما أوصل الفريق لطريق مسدود، فبمجرد سماعك بالأسماء المطروحة لخلافته كالإيطالي كونتي ستعرف بالضبط ما الذي ينتظره العالم من ريال مدريد، وحقا كنت شخصيا أدعو أن يقود فينغر ريال مدريد بعد لوبتيغي، لكنني تيقنت بأن مشروع بيريز لا يمكن أبدا أن يُبنى على الصبر، بل الركيزة الأساسية فيه هي النتائج الآنية والفورية، وهي التي تجعل من استنساخ كرة غوارديولا في مدريد أمرا أشبه بالمستحيل، فالكرة التي يريدها بيريز ونفاد الصبر طرفا نقيض. لذلك، وحتى يتحلى بيريز بالصبر الذي يحتاجه، أو يستسلم لفكرة أن العوامل المحيطة في ريال مدريد تختلف عن غيرها من الأندية، ستظل جماهير الملكي بين فترات صعود لا سقف لها، وهبوط يُسمع دويه من أبعد نقطة في القطب الشمالي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.