على الرفوف العُلوية في السّوبر ماركت وجدت إحدى السيّدات عبارةً استفزّتها كثيراً، وجعلتها تخرج من السوبر ماركت غاضبة، وهي تفكّر في المأزق الكبير الذي تواجهه أغلب السيّدات في العالم. ذهبت تلك السيدة لتشتري بعض الأغراض والتي من ضِمنها مسحوق الغسيل، وعندما سحبت العبوة من الرّف كي تتفحصها وقعتْ عيناها على الجملة التالية: لتفتحي العبوة اضغطي هنا. وفي عُبّوة أخرى مختلفة وجدت عبارة: استخدمي منعِّم الأقمشة. غضبت السيدة وقالت: ربّما تكون الترجمة إلى العربية سيئة. وعلى العبوة نفسها لاحظت من خلال صور إرشادات الغسيل أن الأيادي التي كانت تغسل الملابس هي أيادي امرأة. الآن فهمت تلك السيدة الرسالة، غسل الملابس هو عمل يخص المرأة وحدها أو هكذا يجب أن يكون.
في فيلم She’s the Man القصة مختلفة تماماً. حيث تدور أحداث الفيلم الصادر في العام 2006 للمخرج "آندي فيكمان" وبطولة كل من "أماندا بينز" و"تشاينينج تيتوم" حول مِقدرة المرأة على القيام بأعمال أخرى غير الأعمال المنزلية أو الأعمال المجانية غير مدفوعة الأجر، وبالأخص الأعمال التي يتخصص فيها الرجال ككرة القدم مثلاً. ويسلط الفيلم الضوء على عدم وجود فوارق من أي نوع بين الجنسين تجعل أحدهما يمارس عملاً لا يقدر الآخر على القيام به. لأن ثقافة المجتمع هي المسئول الأوّل عن إيجاد مثل هذه الفوارق والقوالب.
تتحرّك الأحداث في قالب كوميدي شيّق تغلب عليه السخرية من "فيولا" بطلة الفيلم، التي تسعى للانضمام إلى فريق "تار هيل" لكرة القدم للسيّدات. تقوم المدرسة بإزالة الفريق والسماح لفريق "لاكروس" للرّجال للّعب بملعبه، وذلك لأن عدد الفتيات المنضمات إليه لم يكن كافياً ليواصل الفريق طريقه. وهذا هو التحدّي الأوّل الذي واجه "فيولا" في سبيل تحقيق حلمها في لعب كرة القدم. فهي لم تمنح فرصة لاكتشاف موهبتها، لذلك تقرر الالتحاق بفريق الرجال فيضحك فيها المدّرب. ورغم أنها ماهرة، وبإمكانها مساعدة الفريق في الفوز إلا أن المدرّب لا يثق فيها لا لشيء وإنما لأنها امرأة.
فكرة التضحية موجودة في الفيلم، فمن أجل الوصول لأي هدف لابد من تقديم التضحيات، خاصة اذا كان الهدف يتعلق بشأن يخص الرجال |
تُحاول "فيولا" السعي نحو هدفها مُتجاهلة سخرية أصدقائها من فريق الرجال، لكنّها تُجَابه بمزيد من العراقيل، والتحدّيات. ففي إحدى المشاهد يثني مدرّب الفريق على مهاراتها، وتميّزها ولكنه يصدمها بالقول: إن الفتيات لسن سريعات كالفتيان؛ ويدّعي أن هذا الأمر ليس رأيه الشخصي بل هو حقيقة علمية. ويسخر منها مجدداً بالقول: الفتيات لا يمكنهن الفوز على الصبية. الأمر بهذه البساطة. وبسؤال حبيبها وكابتن فريق الرجال "جاستن" عن رأيه بخصوص مسألة انضمام الفتيات إلى الفريق يجيب ساخراً: أن المدرب قال كل شيء. فالفكرة الأولية التي يسعى صانع الفيلم إلى ايصالها لنا هي أن أي محاولة للمرأة للقيام بأي عمل على النقيض مما هو منوط قيامها به يُعرّضها للسخرية والتهكم من قبل أفراد المجتمع المحيط بها.
فكرة التضحية موجودة في الفيلم، فمن أجل الوصول لأي هدف لابد من تقديم التضحيات، خاصة اذا كان الهدف يتعلق بشأن يخص الرجال. وفي سبيل تحقيق هدفها اضطرت "فيولا" لتقديم حبيبها "جاستن" كضحية. فهو لم يقف في صفّها، وسخر منها كثيراً في وقت كانت تحتاج فيه للدعم والمؤازرة. وهنا يفتح المخرج أعيننا حول الثمن الذي يجب أن تدفعه المرأة لقاء تمرّدها، ومحاولتها القيام بعكس ما هو متوقع.
تضحية واحدة ليست كافية؛ على "فيولا" تقديم المزيد من التضحيات. لذلك تخلّت عن ملابسها الأنثوية، والتي تظهر معالمها كامرأة، واستعاضت عنها بملابس أخرى أقرب إلى ذوق الرجال. وهنا يظهر تأثر صانع الفيلم بمسرحية الليلة الثانية عشر لشكسبير. فعلت "فيولا" كل ذلك من أجل السّماح لها باللعب في الفريق. وحينما لاحظت أمها "دافني" تغير طريقة لبسها جلبت لها فساتين جميلة، وقصيرة، تظهرها كفتاة رائعة أمام مجتمعها. لكنها ضحت بهذه الفساتين أيضاً، غضبت الأم وتساءلت: كيف انتهى بي الأمر بابنة لا تريد سوى ركل كرة قذرة بالملعب طوال اليوم؟
وجود الأم كآخر قلعة ثقافية لإيقاف تدخّل "فيولا" في شئون الرجال يُزيح الغشاوة عن توّرط وتمادي العادات والتقاليد في تخصيص أعمال معينة للرجال وأخرى للنساء. فدور الأم حسب ما هو واضح من الفيلم يمثّل المراقب الخفي لتحرّكات "فيولا" المزعجة نحو كرة القدم. كأن الأم تقول: احذري انت امرأة وهذه اللعبة مخصصة للرجال. أما انت فلعبتك الفساتين والملابس القصيرة. "فيولا" كانت تعرف ما تريده لذلك واصلت السير في طريقها غير آبهة بآراء والدتها ومجتمعها.
تتعقّد الأمور أكثر، الصعوبات في كلّ مكان، ولا أحد يقف معها لتحقيق هدفها. لذلك تقرر "فيولا"" تقمُّص شخصية أخيها التوأم "سباستيان" الذي يُسافر في رحلة موسيقية سريعة إلى لندن ولمدة أسبوعين. وقبل أن يسافر "سباستيان" يعطيها درساً عظيماً مفاده: إن أردت ملاحقة أحلامك، فأحيانا عليك خرق القوانين. ومن هنا تبدأ "فيولا" رحلتها في التحوّل إلى رجل.
وتعود السخرية من جديد لتطل برأسها في الفيلم. وعلى ما يبدو فإن تيمة السخرية هي من بين التيمات الأساسية للفيلم، وفي الكثير من الأفلام السينمائية أيضاَ. أما في علم الاجتماع تمثل السخرية آلية من آليات الضبط الاجتماعي، لذلك يحاول المقرّبون من "فيولا" ضبطها اجتماعيا بمعنى ارجاعها إلى حظيرة النساء وذلك عن طريق السخرية منها، ومن فكرتها ومحاولة التأثير عليها أو منعها من التحول إلى رجل. فيسخرون من صوتها، ومن حركاتها وتصرفاتها، وكذلك من صدرها الذي لا يملكه الرجال.
بمساعدة من خبير الماكياج "بول" الذي رفض الفكرة في بادئ الأمر، ينتقل الفيلم إلى مرحلة أكثر إثارة. حيث يتم تحويل "فيولا" إلى "سباستيان" جديد. وذلك عن طريق وضع بعض المساحيق، والشعر المستعار، وغيرها من الأدوات التي تحيلها إلى رجل حقيقي. ومن ثم تخرج "فيولا" إلى الشارع وتبدأ بمحاكاة الرجال، كيف يمشون؟ كيف يأكلون؟ وكيف يتكلون على الهاتف؟ كيف يُلقون السلام على بعضهم؟ وفي كل مرّة تنسى أنها رجل فتنكشف روحها الأنثوية.
والرسالة التي يريد المخرج ارسالها أن مسألة وضع المرأة في صندوق معين ليست لعبة حكراً على الرجل وحده، وإنما تساهم فيها المرأة نفسها ولكن بدرجة أقل. فتارة تنسى "فيولا" أنها أصبحت رجلا فتتحدث بصوتها الأنثوي الناعم، وتارة أخرى تشك في أن الناس اكتشفوا أمرها. وحتّى بعد تحولها إلى رجل ظلّت تلك الصفات الانثوية تظهر فيها شيئا فشيئا. فهي لم تتقن مشية الرجال بعد، ولا كلامهم، فهي كما تقول الأغنية في الفيلم: كانت فتاة طيبة، والآن تحولت إلى فتى سيء للغاية.
بعد اسبوعان من التدريب تجيد "فيولا" الدور، وتتحول إلى "سباستيان". إصرارها على الوصول إلى غايتها، بالإضافة إلى المجد الذي ترغب الوصول إليه، وهو اللعب في فريق الرجال يدفعها لتحمل أي شيء، والوقوع في الكثير من المطبات والعراقيل وكذلك الأخطاء. فالصبر والتفاني، والاجتهاد والمحافظة على رباطة الجأش قد تحوِّل المرأة إلى رجل في أسبوعين هكذا يحدثنا الفيلم.
ليست كرة القدم وحسب وإنما جميع الأعمال الأخرى التي يرى الرجال أنها حكراً عليهم، بإمكان النساء القيام بها هذا ما يسعى الفيلم لإثباته في النهاية |
في نهاية الفيلم تجهز "فيولا" نفسها للمشاركة في المباراة التي صارعت من أجلها بين فريق مدرستي "إليريا" و "كورنوال" لتثبت للجميع أن المرأة بإمكانها أن تفعل أي شيء. لكنها ما زالت رجلاً حتى الآن أو على الأقل ما زالت ترتدي ملابس رجالية، ويعرفها الجميع على أنها رجل وليست امرأة، وما زالت تتقمص شخصية أخاها "سباستيان".
وبعد رحلة قصيرة من التشويق تمتد لعدة دقائق تصحو "فيولا" من نومها وتلتحق بالمباراة في شوطها الثاني. في تلك الأثناء يسخر المشجعون من "سباستيان" الأصلي. وبين الشوطين تدخل "فيولا" إلى أرضية الميدان وتلعب الكرة مع الرجال على أنها "سباستيان" وتتسبب في فوز فريقها "إليريا" على خصمه العنيد "كورنوال" ومن ثم تكشف عن هويتها للجميع عن طريق فك شعرها المعقوص، وكشف جزءا من أعضائها الانثوية. لتسكت كل من شكك في مقدرة المرأة على لعب كرة القدم من المدّرب إلى آخر مشجع في المدرجات، ومن أمها إلى آخر عضو في المجتمع.
ليست كرة القدم وحسب وإنما جميع الأعمال الأخرى التي يرى الرجال أنها حكراً عليهم، بإمكان النساء القيام بها هذا ما يسعى الفيلم لإثباته في النهاية. لأن "فيولا" التي عانت في البداية من السخرية والتهكم، جعلت المجتمع يسخر من نفسه بنفسه. وبالتالي فإن تلك السيدة التي غضبت كثيراً جراء ما قرأته على عبوة مسحوق الغسيل كانت محقة تماماً. فالرجال أيضا بإمكانهم غسل الملابس والصحون.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.