عندما تبدأ المباراة يتحرك الجند ويتقدمون للوسط للدفاع عن ملكهم، وبعد عدة حركات يموت أول الجند ليعلن عن انطلاق المعركة، دون أن يغضب أو يحزن أحد لموته، فمصيره معروف من البداية وطريقه واضح يموت من أجل الملك، هذا كل ما في الأمر. بعد دقائق وعند ارتكاب أي خطأ من أحد اللاعبين، يمكن أن يموت أحد العناصر المقربين من الملك كالحصان أو الفيل، وهنا يُظهر من يحرك الأحجار غضبه ويحاول مسرعاً الانتقام لمن قُتل، لكن دون أن يحزن ما دام الملك في مأمن وبعيداً عن الخطر.
وبهذا الشكل تستمر اللعبة، الأحجار تموت واحدة تلو الأخرى في سبيل حماية الملك، هذا ما يظهر للعالم ولكن الحقيقة أنها تموت لأن من يحركها يريد ذلك، وقد يقرر المتحكم أن يقتل بعض حجارته لحماية حجارة أخرى، مبرراً ذلك بالخطط والاستراتيجيات لتحقيق النصر على خصمه. هنا يسأل البعض، وماذا يفعل الملك لحماية جنده وحاشيته، بالحقيقة هو لا يفعل شيء فهو مثلهم لا يملك من قراره شيئاً، بالنهاية هو حجر ينتظر موته. من يحمي الملك ويبقيه لنهاية اللعبة ويحاول الحفاظ على حياته، هو من يحرك الأحجار على الرقعة، ليس حباً به لكنه يريد الانتصار على خصمه هذه هي القضية.
نحن كبشر لا يملك أحد الحق أن يصنفنا كجند وملوك، ولا أحد يملك الحق في تقرير متى نموت وإلى متى نعيش لذلك يجب أن يحاسب من فعل بنا هذا. |
هل يموت من يحرك الأحجار إن مات الملك؟ هل يموت إن خسر المباراة؟ بالحقيقة لا فهو في النهاية يلعب ليحقق المزيد من المكاسب والانتصارات. ويعمل ويفكر جاهداً لتسير المباراة كما يريد، ولكن إن خسر لا مشكلة سيعود في اليوم التالي ليلعب من جديد ولو كان ذلك على حساب ألاف الحجارة والملوك. هنا نقف مع أنفسنا لنقول هل أصبحنا اليوم جنداً على رقعة الشطرنج نموت ونحيا من أجل الملك، الذي لا يملك من قراره شيء، بالحقيقة، نعم ونعلم أننا سنكون أول من يموت في هذه اللعبة دون أن يحزن لموتنا أحد أو يطالب بحقنا؟ ولكن ماذا سنفعل فمن يدير هذه اللعبة قرر أن نكون الجند، نحمي الملك ونقاتل عنه وفي النهاية إن ربحنا أو خسرنا اللعبة، المكاسب ستذهب لذلك اللعين الذي يحرك الحجارة من خارج الطاولة وهو يشرب سيجارته ويفكر من سيموت منا قبل الآخر.
المزعج في الأمر أنه يتظاهر ويتكلم أنه يحاول حمايتنا جميعاً، ولا يريد أن يخسر أي حجر منا، نعم يريدنا أن نحيا لينتصر بنا على خصومه، لنخدمه ونحقق له المزيد من المكاسب والانتصارات. ولو تحقق ذلك سنحيا بموت أحجار تقابلنا هي أيضاً بالنهاية لا تملك من قرارها شيء كل ما في الأمر أن هناك من يحركها من خارج الطاولة كما نحن. لعبة الشطرنج، اليوم حدث خطأ ما هدد الملك ولكن من يتحكم باللعة يحاول جاهداً حماية الملك ولو على حساب حياة عدداً من الجند، فهو لا يريد أن تنتهي اللعبة هنا، بالحقيقة هو يلعب لينتصر لذلك سيكمل للنهاية، ويحدث ذلك تحت أنظار العالم أجمع، دون أن يتحرك أحد ما دامت قواعد اللعبة لم تخرق.
بالنهاية ما أريد قوله في هذه الحادثة كإنسان سوري قُتل في بلده ما يزيد عن مليون مدني خلال الثمان سنوات الماضية، ناهيكم عن من شُرد واعتقل. نحن كبشر لا يملك أحد الحق أن يصنفنا كجند وملوك، ولا أحد يملك الحق في تقرير متى نموت وإلى متى نعيش لذلك يجب أن يحاسب من فعل بنا هذا. يجب أن يحاسب لأنه دمر حق الإنسان بأن يكون حراً، يجب أن يحاسب لأنه جعل من ملوكٍ هو صنعها وكبّرها حُكّاماً تقتل وتضرب من معها ومن عليها لتبقى وتعيش على دماء من مات. مَن سكت عن إجرام الأسد طول السنين الماضية من حكام هذا العالم، لا يقل اجراماً عنه لذلك يجب أن يحاسب.
وفي قضية الصحفي جمال خاشقجي، لا يهمني لماذا قُتل ومن قَتله وكيف، ما يهمني أن يحاسب من فعل ذلك، فهناك شخص لم يَقتل أحد ولم يَقصف أحد. كان يكتب ويقول كلمته دون أن يشتم أحد أو يعتدي على أحد لماذا يموت لماذا! هل قتلوا القضية بموته، هل أسكتوا صوته، هل حاصروا كلماته، ماذا فعلوا جعلوا العالم يشاهد إجرامهم كما لم يشاهده أحد من قبل. لو بقي جمال خاشقجي حياً ألف عام ما ضرهم كما ضرهم موته، ورغم ذلك هم مستعدون أن يدفعوا الأموال ليسكت عنهم العالم وليحيوا روح التكبر والبطش في قلوبهم من جديد، على أنه لا يمكن لأحد أن يحاسبهم وينسوا أن على يمينهم ويسارهم رقيب عتيد، فأين المفر؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.