في القرن الماضي اغتيل العالم المصري العقيد مهندس سعيد بدير والعالم يحيي المشد والمفكر جمال حمدان ولم تتحرك مصر بتحقيق، واغتيل المعارض المغربي المهدى بن بركة بفرنسا وتم إذابة جثمانه في محلول ولم يفتح أي تحقيق، وفى لبنان اغتيل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وضاعت القضية واغتيلت الأميرة ديانا في فرنسا وتم اعتباره حادث سيارة عادى وتواطأت فرنسا مع إنجلترا من أجل التعتيم علي الجريمة وصمتت إيطاليا عن مقتل صحفيها الشاب ريجينى على يد الانقلابين مصر ﻷسباب ومصالح سياسية ولم تفعل شيء من أجله وها هو مسرح اجداث نشر الصحفي جمال خاشقجي مفتوح ولم ينتهي بعد!
فحين تضيع القيم وتغتالها الأيدي الغارقة في الفساد، نكتشف شيئا مؤلما، أن ثمة لصوص وقطاع طرق مارقين في لحظة ضعفٍ للأمه وضياع للأخلاق سيطروا على أماكن صنع القرار في دولنا فسرقوا الأمه بعد أن أجلسهم سيدهم وكبيرهم في الغي والبلطجة على كراسي الحكم شريطة تنفيذ أوامرهم وذلك خلال عقود ما بعد الاستعمار، فعاث هؤلاء المارقين في بلادنا فساداً واخترقوا قلوب السذج وصبغوها باللون الأسود المقيت بإعلامهم الكاذب المضلل وأزلامهم الرويبضة فخلطوا الحق بالباطل وسفهوا العلم والعلماء وضيعوا الأخلاق فلم يعد يرى الناس شيئاً إلا الظلام فتاهوا وضلوا الطريق والعالم يعيش أزمة أخلاق.
نحن نفهم أن يقتل البلطجي وأرباب السجون وربما يسرق الجائع ليسد جوعه وجوع عياله، لكن أن يسرق المتخم وأن يقتل المفترض أن يكون الراعي والمسؤول عن الرعية بل ويغالي في القتل حتى يصل الأمر إلى الحرق بالنار كما حدث في مصر برابعة وأن ينشر بالمناشير كما حدث في سفارة السعودية بإسطنبول بخاشقجي، فهذا يعني أن هؤلاء المجرمين يعانوا من جوع من نوع آخر. هو جوع القيم والأخلاق والضمير الإنساني والبقاء على كراسي الحكم فتلطخ عقله بالجهل والكبر وغاب ضميره وزاغت فطرته وأصبح الطاغوت وليه!
مقتل خاشقجي هو سيناريو ومسرح لأحداث جديدة. كمثل ما قبله من مسارح كالقاعدة وداعش ومن نتج عنه من تمزيق العراق وسوريا واليمن وانقلاب مصر وتسليمها لأحد أزلام بني صهيون |
والواقع يشهد بذلك. ففي عالمنا الصادق الصادع بالحق المحب لدينه ووطنه يُحرق ويُنشر بالمناشير ذلك هو مآل رجال الحق في عالمنا الآن وكأني بخباب بن الأرت رضي الله عنه حين جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فقال له ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا فقال قد كان من كان قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ويجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فينشر باثنين فما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب فما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله عز وجل والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون. وهو الحادث الآن، إن جاهلية العرب القديمة كانت تحترم القيم والتقاليد مخافة أن يُعير بعضهم بعضا. فيا ليت شعري لا قيم ولا مبادئ هذه هي أخلاق العالم المتحضر الآن، فالصادق الحر يُعاني كثيرا ويصبر على تحمل تبعات صدقة وقولة الحق يعيش كالغريب وكالقابض على الجمر قال تعالى: "الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)"، لا عجب فالقائمة مليئة بالملايين.
في سوريا والعراق وفلسطين واليمن والروهينيا ومصر المسروقه، أرقام كغثاء السيل. فلم يتحرك لهم ساكن حتى أن طفلا سوريا صورته الصحف وهو يحمل ورقة مكتوب عليها "لو كان الطفل السوري ينزف نفطاً لانتفض العالم فورا لكنه ليس مشهورا ولا فنانا ولا صحفيا مشهورا"! لا عجب ففي مصر وخلال ساعات معدودة قتل الآلاف وحرقوا وحملتهم الجرافات ورموا بالصحراء بل هناك من تغتنى من الهمل والرويبضة على أشلائهم (تسلم الأيادي)! فلا عجب أن ينشر وتقطع أشلاء أحد أبناء الأمة (جمال خاشقجي) في قنصلية بلده في ظل غياب الضمير الإنساني وغياب العدل في عالم صار كالغابة يحكمه تخمة حاكمه للعالم ومعهم أزلام فسدة قتله همج، لأن أمه الإسلام هانت على نفسها ومن يهن يسهل الهوان عليه لا لجرح بميت إيلام، إن دماء الآلاف التي تُراق برصاصات ومناشير الأنظمة المجرمة في عالمنا الإسلامي ليست أقل ثمنا من دماء الصحفي جمال خاشقجي رحمه الله، ولعل دماؤه تكون سببًا في إحداث تغير قادم والعودة إلى مربع الثورات ثانية ولكن بعد غربلتها وتمايزها.
فهل مقتل خاشقجي هو سيناريو ومسرح لأحداث جديدة. كمثل ما قبله من مسارح كالقاعدة وداعش ومن نتج عنه من تمزيق العراق وسوريا واليمن وانقلاب مصر وتسليمها لأحد أزلام بني صهيون والمخرج واحد، لكن لم تمثله جماعه بل ممثل في فرد وكبش الفداء هو جمال خاشقجي لبداية تمزيق بلاد الحرمين ومن يدَّعون خدمته مشاركون فيه. وتختفي قضية خاشقجي وحقيقة قتله وسط التفاهمات والمصالح والصفقات. أو لعل حادثة مقتل خاشقجي تحرّك الماء الراكد للشعوب الخانعة ويكون بداية إفاقة للأمة وصحوة الضمير الإنساني، وهل مقتله يحول الأنظار المُغيَّبة إلى طبيعة مجرمي العصر وطريقة تعاملهم مع من يخالفهم أو يعترض طريقهم ونهمهم البهيمي على لعاعة الدنيا.
هكذا العالم يعيش أزمة ضمير في ظل سياسة المصالح وسيطرة نوعيات مثل ترامب وبوتين على صناعة القرار العالمي. لكم يحتاج العالم ويشتاق إلى عدل الإسلام وعودة الصادقين من رجال الحق قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ"، فالصادق الحر عاقبته خير. فكما أن الله لا يصلح عمل المفسدين فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، يقول الشيخ محمد الغزالي: "إن الفجر سيطلع حتما"، ولأن يطوينا الليل ونحن مكافحين أشرف من أن يطوينا ونحن راقدين نرى انهيار الأمة ولا يتحرك لنا ساكن! والأسوأ من ذلك أن يطوينا الزمن ونحن منبطحين لغيرنا محاربين لديننا، رحم الله جمال خاشقجي، وانتقم بقدرته وعظمته من كل من شارك في قتله، وجعل الله مقتله مدادا لكل قلم حر، وإلهاما لكل من حمل على عاتقه نصرة قضايا الأمة. ومهما علا طغيان الباطل فهو إلى زوال، فأين الفراعنة والذين من قبلهم؟ وأين مارقي العصر الذين بدلا من أن ينشروا حقيقة الإسلام وأخلاقه نشروا المسلمين!، ذهبوا وبقي الحق، غير أن رجل هو الآن قابعا في سجون الظالمين اختاره شعبه لم يقم له أحد يدافع عنه هو د. محمد مرسي، كان آخر ما قاله (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، فانتظروا إنا منتظرون إن للحق رجالا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.